خط «النستعليق».. حروف مطرزة بالجمال - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن

كان للمدرسة الإيرانية في الخط دور مؤثر في الإبداع والابتكار، وهي إلى جانب المدارس الخطية في تركيا ومن ثم بغداد ومصر والمغرب قد أثرت فنون الخط العربي ليصبح له بصمة خاصة في متناول أمهر الخطاطين في مشارق الأرض ومغاربها.
يمكن رصد هذه الإبداعات في كثير من الابتكارات على صعيد الجماليات البصرية للخط لدى كثير من الخطاطين المعاصرين اليوم.
وحين تذكر المدرسة الإيرانية في الخط، فإننا نتحدث اليوم عما بعد الكوفي الإيراني الذي استخدم في المصاحف السلجوقية في القرنين الخامس والسادس الهجريين، نحو خط التعليق، الذي وضع أصوله وأبعاده الخطاط مير علي التبريزي المتوفى سنة 989 هجرية وتطور فيما بعد إلى الخط النستعليق الذي أصبح له أساتذة مهرة ومنهم الخطاط المعروف أوميد رباني، الذي نقرأ له هنا، لوحة خطية استخدم فيها خط النستعليق في الآية القرآنية من سورة «النمل» «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ..» وذلك خلال مشاركته في إحدى دورات معرض دبي الدولي للخط العربي.
* تناسق
أول ما يلفت النظر في اللوحة التي أمامنا، هو اعتناء الفنان بجمال الشكل من ناحية حرفية اختياره للألوان ما بين الأبيض وتدرجات الأصفر والبني واللون الأزرق، حيث خط الآية القرآنية باللون البني الظاهر على أرضية بيضاء تحوطها خلفية من تدرجات البني الأقل سطوعاً، في إطار خارجي من اللون الأزرق، كما لم يبخل على لوحته بتزيينات من الزخرفة النباتية في زوايا اللوحة الأربع، ومن خلال مزجه لعدة ألوان ما بين السماوي والبني والبرتقالي والأصفر وكذلك الأزرق ليكسب اللوحة مسحة من التناسق البصري الجميل والساحر.
تبرز اللوحة أهم قاعدة في خط النستعلق وهي حرفة التكوين، وهذا من أبرز سمات هذا الخط الذي يتميز بالتوازن والجمال، من ناحية رسم حروفه بارتفاعات ومدات محسوبة على السطر، كان للتناسق المشهدي في المنظور العام للوحة دوره في إحداث الفرق الجوهري الذي يتميز به النستعليق، حيث تميل حروفه العمودية دائماً نحو الأعلى من جهة اليمين على خلاف بقية الخطوط المعروفة التي تتعدد فيها زوايا ومعايير هذه الارتفاعات، وما يزيد في جمال اللوحة الخطية أيضاً، هو اعتناء رباني بإبراز الحرف سهلاً وواضحاً للقراءة من قبل فئات مختلفة من المشاهدين، بحيث تبدو اللوحة وكأنها مطرّزة بميزات تشكيلية تضيف إلى عناصر الجمال فيها، فهذا الخط بحسب أبرز نقاده يقع في المرتبة الأولى من حيث الجمال بين مختلف الخطوط المعروفة.
حقق أوميد رباني في هذه اللوحة جملة من العناصر الجمالية كالرقة، والأناقة، والسهولة، والليونة، والطواعية الخالية من الارتجال، وهذه كلها صفات تدل على بلوغ الخطاطين درجة قصوى من التهذيب وسموّ الإدراك عند كتابة هذا الخط.
التماثل بين الحروف المتشابهة في الآية القرآنية، كان واضحاً في امتدادات حرف الياء على المستوى الأفقي في أكثر من كلمة، ونلحظ ذلك في الكلمات (ربي) و(أوزعني) و(التي) و(على) و(عبادي).
* انسيابية
هذه الخفة واللطافة الرفيعة وتلك الانسيابية التي برزت في اللوحة الخطية، تضيف إلى قدرة الخطاط أوميد رباني في إنجاز لوحة بأشهر خط فارسي، وهو الذي يتبدى من خلال استخدامه لسمك القلم الذي يتغير ويتبدل تبعاً لموقع الحرف على سطح اللوحة، فلكل حرف طريقته في التنفيذ، وهي طريقة تعتمد ميزاناً دقيقاً في زوايا وارتفاعات وميلان الحرف، وأيضاً بحسب موقعه على السطر، بجوار أو فوق أو تحت الحرف الذي يليه، ويبدو النستعليق، في مظهره وكأنه مستوحى من الطبيعة، وهو بالتالي أقرب إلى التذوق الأدبي والشعري والفكري.
* إضاءة 
ولد الخطاط أوميد رباني في العاصمة الإيرانية طهران، وعمل في مجال الخط لأكثر من 28 عاماً، تتلمذ على يد أساتذة معروفين في النستعليق، وهو يحمل شهادة الماجستير في الفن من وزارة الثقافة في إيران، وشهادة التميز من جمعية الخطاطين الإيرانية، يدرس رباني فنون الخط في النادي الإيراني بدبي، ومركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة.
شارك أوميد في أكثر من 50 معرضاً للخط في إيران وتركيا والإمارات، وقد فاز بالعديد من الجوائز، كما عرضت أعماله بالجامعة الأمريكية في الشارقة، وقد حظيت هذه الأعمال بقبول وترحاب كبيرين من الجمهور والنقاد على حد سواء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق