الشارقة: علاء الدين محمود
«ابن البيت»، هي رواية للكاتبة النيجيرية شيلوشي أونيميلوكوي أونوبيا، هي من الأعمال السردية العميقة التي وجدت قبولاً واسعاً على مستوى العالم، خاصة أنها تحفة أدبية كتبت بالإنجليزية وترجمت إلى عدة لغات، وتفرد الرواية مساحة كبيرة للتأمل في تاريخ العلاقة بين الرجل والمرأة في نيجيريا بشكل خاص، والقارة الإفريقية بصورة عامة.
صدرت الرواية في نسختها العربية عن دار روايات، بترجمة: تهاني فجر وعبير شاليش، وتغوص في عالم تسوده الهيمنة الذكورية بحكم التقاليد الثقافية السائدة والوعي المتوارث الذي يبدو أنه لا فكاك منه، لأنه يعبر عن بنية متكاملة، فالعمل يتناول بشكل أكبر نضال النساء من أجل الحرية والانعتاق عن تلك القبضة الخانقة التي يحميها ويرعاها النظام الاجتماعي، بحيث يبدو الخروج عنها وكأنه كسر للتابوهات والمحرمات، لذلك يشكل هذا العمل السردي بما يحمل من أفكار وأبعاد جمالية، في ذات الوقت، ملحمة متكاملة، حيث نجحت المؤلفة في طرح رؤيتها بصورة مميزة، لكونها تريد أن تنبه وتلفت بقوة وبصورة قاسية إلى مشكلة النساء الإفريقيات عبر هذا الطرق الذي يعيد للواجهة الكثير من التفاصيل الجديدة لقضية تكاد تنسى.
سحر
سحر خاص يتسم به السرد الإفريقي، ورواية «ابن البيت» ليست استثناء عن هذه القاعدة، حيث نجد فيها متعة نابعة من وقائع الحياة التي تستمد تفاصيلها الراهنة من الماضي، حيث الأسطورة والتقاليد والعادات والتصورات الغريبة والعجائبية في النظر للأشياء وتفسيرها على نحو يحافظ على نمط وأسلوب العيش الذي توارثته الأجيال المتعاقبة، فالتغيير شر مستطير، وهنا يبرز التصادم العميق بين إرادة التحديث وبين الارتهان للموروث في كل أشكال العلاقات.
حكاية
تحكي الرواية عن امرأتين عالقتين في شبكة مقيدة من التقاليد والطبقية والأمومة، حدثت تفاصيلها في مدينة «إينوجو»، النيجيرية، حيث تحلم الشابة نوابولو، التي تعمل خادمة منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، بأن تصبح كاتبة لأنها تتحمل الأعمال المنزلية التي لا نهاية لها لدى أصحاب العمل. إنها طويلة وجميلة وتحب ابن رجل ثري، أما المرأة الأخرى جولي فهي تتميز بكونها متعلمة وعصرية، تعيش بمفردها، لها علاقة بيوجين الذي ظل يجلب لها الهدايا، لكنها تريد ألا تصبح زوجة ثانية لرجل، ويرسم القدر لهاتين المرأتين طريقا معقداً، حيث تعرضتا لتجربة اختطاف جمعتهما داخل غرفة واحدة لسنوات، وفي تلك الحجرة المظلمة تتداعى قصص وحكايات المرأتين، وهما في انتظار مصيرهما، وعلى الرغم من أن هاتين المرأتين تأتيان من عوالم مختلفة، فإن لديهما رابطاً يربطهما وتصبح التجربة المظلمة لحظة حقيقة حيث تنكشف الأسرار.
موضوعات هذه الرواية تشمل الأسرة والخداع والتقاليد والمعتقدات والأنوثة والواقع الاجتماعي، فهما -أي المرأتين- تعيشان حياة غاية في القسوة، فنوابولو يتيمة الأبوين، الأمر الذي ألجأها للعمل كخادمة، وتجبر على الزواج من رجل ميت، وذلك الأمر ناتج عن المعتقدات العجيبة هناك، أما جولي فقد كانت تعمل كمعلمة تفقد والدها وشقيقها في ظروف مدمرة، وتتعامل مع اكتئاب والدتها، وتخوض الكثير من التجارب القاسية ربما لم يكن الاختطاف أسوأها.
اختطاف
دار روايات قدمت إضاءة مهمة عن عوالم الرواية ومنعطفاتها عبر هذه المقدمة الواردة في الطبعة العربية والتي تقول: «حادثة اختطاف توحّد قدر امرأتين معاً، لتنحلّ خيوط حياتيهما إثر سرد كلّ واحدةٍ للأخرى حكايتها تزجيةً للوقت وقتلاً للخوف المستعر فيهما. تفاصيل موجعة لامرأتين تعيشان في مجتمعٍ ذكوريٍّ يرى ولادة طفلٍ ذكرٍ امتداداً للقبيلة بينما لا يرى في الأنثى غير وسيلةٍ لضمان الراحة والتكاثر، حيث تذوق نوابولو الويلات لإثبات استحقاقها للحياة، إذ تراها قبيلتها شؤماً بسبب وفاة أمها أثناء ولادتها لها، فتعمل خادمةً لزوجة أبيها، ثم خادمةً في بيوت الآخرين، وتتعرض لشتى أنواع الظروف وتقاوم كل ذلك في سبيل النجاة بأحلام طفولتها. فهل تنجو؟».
قالب درامي
العمل يدور في قالب درامي يركز على الصراع الاجتماعي، من خلال حكاية المرأتين وتأثير المجتمع الذكوري فيهن، ووقوفهن في وجه الأعراف والتقاليد السالبة في واقع اقتصادي متردي، وهي عوامل تحول دون تطور النساء أنفسهن، وبالتالي فإن الرواية ومنذ البدء تضعنا أمام قضية، والمطلوب هو أن يتخذ القارئ موقفا منها، إما مع العدالة والحقوق، أو الهيمنة والظلم، بالتالي فالرواية تحرض على التفكير وإشراك القارئ في جميع مساراتها وأحداثها، وعلى الرغم من العوالم الثقيلة في العمل، فإن الكاتبة برعت في تمرير تلك الحمولة القاسية عبر تقنيات مختلفة مثل الوصف الذي يغوص في المشاعر، والسخرية في بعض الأحيان، وتداعي الذكريات عبر حواريات المرأتين المقيدتين في تلك الغرفة المظلمة التي تحرض على الاسترسال في الحديث، حيث إن هذه الحجرة القاسية ترمز إلى وضعية المرأة في ثقافة منغلقة وذكورية، كما أن العمل متعدد الطبقات بشكل معقد، وذلك ما ألجأ الكاتبة إلى صناعة العديد من الصور والمشهديات بلغة بسيطة حتى تستطيع أن تقدم قضيتها التي طرحتها في الرواية بشكل واضح ومفهوم.
صدى
وجدت رواية «ابن البيت» لشيلوشي أونيميلوكوي صدى كبيراً وتفاعلاً من النقاد والقراء حول العالم، وفازت بجائزة نيجيريا للأدب لعام 2021، حيث قدمت معلومات مهمة حول الثقافة النيجيرية بوصفها أبوية، حيث يحتل الذكر فيها مكانة مركزية، ومن هنا يكتسب عنوان الرواية «ابن البيت»، بوصفه عتبة نصية مفسرة لعوالم السرد، أهمية خاصة، حيث يحيل إلى ضرورة أن يكون هناك ذكر في البيت، نسبة لتلك الثقافة التي تعلي من مكانة الذكور، ففي بعض الأجزاء من نيجيريا وإفريقيا يتخذ الرجال القرارات ويتركون منازلهم وأراضيهم وشركاتهم لمن يرثهم من الذكور عند وفاتهم، بل إن الرواية تغوص في ما هو أعمق من ذلك من غرائبيات ذلك المجتمع، حيث يتم، في بعض الحالات، تزويج الفتاة من رجل ميت، وذلك من أجل أن يستمر اسم عائلة الرجل الميت، فعندما يموت الابن وهو شاب صغير قبل أن يتزوج، يتم تزويجه من فتاة، خاصة إذا كان هو الابن الوحيد، حتى لا ينقطع نسل العائلة ويضيع اسمها، فذلك بمثابة خط أحمر، وبطبيعة الحال تلك ممارسات لها أضرارها الكبيرة على النساء، لذلك اعتبرت الرواية ملحمة سردية حقيقية، وشغلت أذهان الكثير من الصحف والمجلات سواء في نيجيريا أو كندا أو حول العالم.
إضاءة
الكاتبة شيلوشي أونيميلوكوي أونوبيا هي مؤلفة ومحامية وأكاديمية ومدافعة عن حقوق النساء، حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون، وتعمل في مجالات الصحة والعنف ضد النساء والأطفال. تقسم وقتها بين لاغوس ومدينة هاليفاكس الكندية حيث تعيش هناك، ولها العديد من المؤلفات، أشهرها هذه الرواية «ابن البيت»، التي فازت بعدد من الجوائز وترشحت لجائزة جيلر عام 2021، وحصلت على جائزة أفضل كتاب روائي في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2019.
0 تعليق