الشارقة: علاء الدين محمود
يعد الخطاط والمصمم البحريني حسن حيدر، صاحب تجارب مهمة في مجال الخط العربي، له العديد من الأعمال الشهيرة التي تفنن في إبداعها عبر عدد من الخطوط، ولكنه تميز أكثر في «الكوفي»، وقد عرف بتوظيف الزخرفة، والألوان المشرقة والفسيفساء في أعماله، وكذلك الأرابيسك، من أجل إبراز جماليات الخط وهندسة الحرف العربي، كما عرف بتصميم مجموعة كبيرة من الخطوط العربية «الفونت»، لبرامج التصميم والعلامات العالمية وشركات الدعاية والإعلان وكبريات الصحف في الوطن العربي، وخط مجموعة كبيرة من الخطوط المزخرفة في المساجد والمناسبات الإسلامية الأخرى.
أبدع حيدر الكثير من اللوحات التي تحمل عوالم روحية وإشراقية، حيث يهتم كثيراً بالنص وجماليات اللوحة، ومن أعماله المعروفة لوحة تحمل آية من سورة الكرسي «الله لا إله إلا هو الحي القيوم»، عمل من خلالها على جماليات الألوان والزخرفات والمنقوشات معبرة عن عظمة النص القرآني، بما يسرب إلى نفس الناظر مشاعر روحية وإيمانية تحرضه على التأمل في معاني وجوهر النص، بما يحمل من دلالات عظيمة، وتلك هي النقطة المركزية في الأبعاد الجمالية للوحة التي تبرز وكأنها إطار للنص، ويؤكد الفنان تلك المعاني من خلال تقسيمه لفضاء اللوحة إلى جزأين، يحمل الأول اسم الجلالة منفرداً إبرازاً لعظمة الاسم، فيما يحمل الجزء الأسفل بقية النص القرآني، ثم يصنع تفاعلاً داخل هذا التقسيم من خلال جملة من التقنيات الإبداعية.
يفرد الفنان اسم الجلالة ويفخم من تلك الوضعية عبر خط أكثر سماكة، ليظهر بشكل هندسي متفرد، مع إضافة اللون الأحمر من أجل الإمعان في إبراز الاسم، بينما يظهر بقية النص في الأسفل بخط أقل سماكة من أجل إفراد تلك المساحة الخاصة لاسم الجلالة، وهذه إمكانات يتيحها الخط الكوفي بصورة أكثر روعة وجمالاً، فهو يعد من أقدم الخطوط العربية، وبرع خطاطو العصر العباسي في استثماره في الفنون، لسهولة استخدامه في التشكيلات الهندسية والزخارف، وهو الذي تفرع عنه عدة أنواع منها: الكوفي البسيط، والكوفي المورق، والكوفي المزهر، والكوفي المضفر، إضافة إلى الكوفي الهندسي، ويتميز هذا الخط، بمد عدد من الحروف كحرف الدال والصاد والطاء والكاف والياء، وأصبحت مداته متتالية بشكل أوضح، وهناك قابلية لتزيينه بالتنقيط والتشكيل، وتلك هي النقطة الأساسية في لوحة الفنان حسن حيدر، الذي عمل على تزيين العمل بالزخرفة والتشكيل بصورة تبرز براعته في هذا الجانب.
*هندسة
ولا يفوت على المشاهد، خاصة أصحاب التجارب في الخطوط واللوحات الحروفية، أن الخطاط في هذا العمل قد حرص على أن يقدم ممارسات إبداعية في الخط الكوفي مبرزاً جمالياته التي اشتهر بها، والتي من أهمها التركيز على الشكل الهندسي؛ أي هندسة الحرف العربي داخل اللوحة، إضافة إلى التعامل مع مساحة اللوحة بشكل مختلف، فهناك من الفنانين من يبرز العمل على صورة مثلث أو مربع أو مستطيل أو دائري، ويتضح ذلك الأمر جلياً من خلال قوة التنسيق داخل اللوحة والتصميم وإبراز مساحات إضافية داخل شكل المستطيل الذي اختاره الفنان من أجل إظهار براعة التنميق والتشكيل والزخرفة عبر تلك الأشكال التي تقع داخل اللوحة، والأخرى في هوامشها، وهو الأمر الذي يظهر براعة الفنان في الإبداع عبر الخط الكوفي، كما أن تلك الأشكال التي صنعها الخطاط في اللوحة تحمل دلالة واضحة على مرونة «الكوفي»، حيث يفرد إمكانية كبيرة للفنان في القيام بممارسات هندسية وفنية وجمالية متعددة داخل اللوحة، خاصة أن هذا الخط يتميز بحدة زوايا حروفه واستقامتها، ما يمكن الخطاط من الاشتغالات الهندسية المتنوعة.
ومن تلك الأبعاد الجمالية التي برع فيها الخطاط في اللوحة، هو صناعة ذلك التقارب والتناسق بين الحروف بما يخدم الدلالات الروحية للعمل الذي يحمل معاني التوحيد «الله لا إله إلا هو»، كما برع في عملية التزيين سواء عبر التنقيط أو النقوش المتناهية الصغر في هوامش اللوحة، وذلك الأمر يظهر تلك القدرة والبراعة الهندسية من خلال صنع أشكال مركزية تسيطر على فضاء اللوحة وتلفت نظر المشاهد مباشرة، ثم أشكال صغيرة غاية في الجمال تبعد عن مركز اللوحة، لكنها تقترب منه في ذات الوقت عبر قوة التنسيق، ومن أجل أن يكون العمل و«النص»، أكثر وضوحاً للناظر فقد حرص الفنان أن تأتي الآية القرآنية بالخط الأسود، على أن تكون الخلفية باللون الأصفر، وهو ما يبرز النص بقوة وبصورة مؤثرة في ذهن المتلقي.
*محمولات
اللوحة أكدت المحمولات الجمالية والفنية والتشكيلات الهندسية البديعة وغير ذلك من أشياء يتميز بها «الكوفي»، عن غيره من الخطوط، إضافة إلى الألوان الساطعة سواء الأسود بتفريعاته والأحمر بدرجاته والأصفر بسطوته على فضاء العمل، حيث إن توظيف الألوان في الخط الكوفي يحمل دلالات خاصة تشير إلى المحبة وتبث الطمأنينة والسكينة لدى المشاهد، خاصة أن النص القرآني نفسه يحمل تلك الدلالات السامية العظيمة لتأتي اللوحة مشرقة بالأنوار والوهج والمدد الروحي الذي يجعل المتلقي في حالة إيمانية، محلقاً في أعلى درجات السموّ النفسي والوجداني، وذلك ما عمل من أجله الخطاط ببراعة كبيرة.
0 تعليق