القاهرة: «الخليج»
«أخطأ أفلاطون بقدر ما نتوقع من فيلسوف عاش قبل 2400 عام، ولو لم تكن تلك الحال كذلك، لما كانت هناك فائدة للفلسفة، التي لن تكون قد قدمت جديداً لمعارفنا، وأنا لا أعتقد أن الفلسفة عديمة الفائدة، لذلك أنا سعيدة جداً بالاعتراف بمدى الخطأ أو الارتباك الذي قد يبدو لنا عليه أفلاطون في كثير من الأحيان».
هكذا تقول «ريبيكا جولدشتاين» في صدر كتابها «أفلاطون في حضرة غوغل.. لماذا لا تنقضي الفلسفة؟» (ترجمة محمد صلاح السيد) موضحة أن ما يثير الدهشة أن أفلاطون لا يزال حاضراً في العديد من النقاشات المعاصرة، وليس ذلك لأنه كان يعرف ما نعرفه، الآن، من الواضح أنه لم يكن يعرف العلوم التي نعرفها، لكنه أيضاً ربما بدرجة أقل وضوحاً، لم يكن يعرف الفلسفة التي نعرفها الآن.
تقول ريبيكا: «تأملات أفلاطون على قدر عمقها، قلما تمثل الكلمة الأخيرة في الفلسفة، كان لدى المفكرين الأوروبيين في عصر العقل والتنوير، الذين جاءوا بعد ألفي عام من أفلاطون، الكثير ليضيفوه إلى مفاهيمنا المشتركة عن الأخلاق، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الفرد، وقد تعلمنا منهم ولا نزال، لهذا من المستحيل أن نقرأ أفلاطون اليوم دون أن نعترض على بعض ما قاله، وهذا تحديداً لأنه دلنا على طريق قطعنا فيه شوطاً أبعد منه».
هل يمكن القول إن أفلاطون لم ينجز شيئاً في الفلسفة، الحقيقة – تبعاً للمؤلفة – أنه أنجز شيئاً استثنائياً، جعل من فكره بمثابة إحدى المراحل المحورية في تطور البشرية، ما فعله أفلاطون هو أنه شكل مجال الفلسفة نفسه، كان أفلاطون هو أول من صاغ غالبية الأسئلة الفلسفية الأساسية، لقد أدرك جوهر نوع خاص من الأسئلة، السؤال الفلسفي الذي كانت بعض عيناته طافية بالفعل في أثينا في عصره، كما وسع نطاق تطبيقه، لقد طبق السؤال الفلسفي ليس فقط على معايير السلوك البشري، كما فعل سقراط لكن على اللغة والسياسة والفن والرياضيات والدين والحب والصداقة والعقل والهوية الشخصية.
تشير المؤلفة إلى أن اليونانيين لم يكونوا علمانيين، كانت حياتهم مشبعة بطقوسهم الدينية، كانت آلهتهم منتشرة في كل مكان، وكان لابد من استرضائهم خشية وقوع الأهوال، وكانت طقوسهم إلى حد ما تهدف إلى درء الشر، كانت هناك طقوس عامة مرتبطة بدويلات المدن الفردية وأخرى تنتشر في كل المدن، وكانت هناك طقوس تمارسها الطوائف الغامضة، لكن ما يميز الإغريق هو أنه على الرغم من ذيوع الطقوس الدينية في حياتهم، إلا أنهم عندما يتعلق الأمر بمسألة ما الذي يجعل حياة الإنسان الفردية تستحق أن تعاش لم يتطلعوا إلى الخالدين من الآلهة، إنما ناقشوا السؤال من وجهة نظر البشر الفانين إن مقاربتهم المواتية للفلسفة في اليونان القديمة، خاصة أن تلك الظروف قد تحققت في مدينة أثينا.
تقول ريبيكا جولدشتاين إننا نعرف أقل القليل عن حياة أفلاطون الشخصية، لكن ما نعرفه جيداً، هو أن دراما حياة سقراط – التي تكلل معناها الحقيقي عند أفلاطون وغيره بموته – كانت تحولاً شخصياً لأفلاطون، أقنعته بتكريس حياته للفلسفة، وهو ما فعله بتفانٍ تام، كانت استجابته لصدمة إعدام سقراط على يد مجتمع أثينا الديمقراطي، عندما كان سقراط يبلغ من العمر سبعين عاماً، وأفلاطون في أواخر العشرينات، هي إنشاء الفلسفة كما نعرفها، وصياغة أسئلتها المركزية، الأسئلة التي تتجاوز كثيراً في أغلب الظن، أية أسئلة جالت ببال سقراط نفسه.
0 تعليق