الحلم ملاذنا الآمن في «أيام الشارقة المسرحية» - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

تواصلت مساء الأحد فعاليات وعروض الدورة ال 34 لمهرجان أيام الشارقة المسرحية، وشاهد الجمهور في بيت الشعر، أحداث مسرحية «في انتظار العائلة»، لمسرح خورفكان، تأليف: أسامة زايد، وإخراج: سعيد الهرش، بينما احتضن قصر الثقافة عرض «كعب ونصف حذاء»، لجمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح، تأليف وإخراج: صالح السيدي.
هناك الكثير من الأشياء التي جمعت بين العرضين، على رأسها التعبير عن عوالم بائسة وأقدار فاجعة، حيث حمل العملان بكائية عالية وتشتت البشر في هذا العصر الذي لا يرحم، واللافت في العرضين النصوص الجيدة والتعامل المتقن على مستوى الإخراج والذي أنتج صورة أنيقة وفعلاً درامياً يضجّ بالحياة والحركة رغم تباين طرق المقاربات الإخراجية واختلاف المناهج والمدارس.
العرض الأول «في انتظار العائلة»، خارج المسابقة الرسمية للمهرجان، لكنه عكس إشراقات مسرحية كبيرة، فالعرض كان جيداً، فأسامة زايد، من الأجيال الشابة والصاعدة على مستوى الكتابة، واستطاع أن يقدّم نصاً يتكئ على الكثير من الرؤى والأفكار حول الحياة والوجود.
ويقدّم النص حكاية لأسرة تتكون من زوج وزوجة وفتاة شابة تظل تبحث عن أسرتها، وقد لجأت إلى تلك الأسرة خاصة أن الزوج يعمل في مجال المحاماة، وله علاقة متوترة مع زوجته، وتتصاعد الأحداث في العمل المسرحي لتكشف عن العديد من المفاجآت على رأسها أن هذا الزوج المحامي ما هو إلا شخص مجرم في حقيقة أمره، يتّسم بعدوانية معقدة ومتوترة، وقد اعترف لتلك الفتاة المنكوبة في نهاية الأمر أنه هو من تسبب في موت عائلتها التي تنتظرها في شوق شديد.
العمل يمتلئ بالكثير من الفراغات، حيث لم تكن واضحةً هذه الأسباب التي قادت تلك الفتاة إلى التواجد المستمر مع هذه الأسرة، كما أن تلك العلاقة الملتبسة بين الزوج والزوجة لم يكن لها من سبب واضح، وهنا تبرز براعة المخرج سعيد الهرش الذي أراد للمتلقي أن يملأ تلك الفراغات والثقوب عبر عملية التأويل والتفسير، خاصة أن العمل حمل العديد من الدلالات.
تيار
كما كان من الواضح أن المخرج مال بعض الشيء نحو تيار العبث، إلى جانب الانفتاح على مدارس أخرى، وذلك يبدو جلياً من خلال تلك الفراغات وتشظي بعض الحوارات، إضافة إلى أن فكرة العمل نفسها تتكئ على ثيمة الانتظار وترقب شيء قد لا يحدث، وقد عمّق الهرش تلك الحالة المأساوية من خلال توظيف العديد من التقنيات والأفكار التي أغنت عن الحمولة السردية في نص المؤلف، وذلك من خلال توظيف ديكور فقير، مع إضاءة تعمل على تصوير الحالات النفسية والتعبير عنها، وكذلك الديكور وجميع عناصر السينوغرافيا، حيث صنع العرش عملاً يحترم المتلقي، ويشركه في الحدث والفعل الدرامي.
جنون العصر
العرض انفتح كذلك على عدد من المواضيع الحياتية والوجودية المتعلقة بالإنسان في العصر الراهن، حيث الوحدة والعزلة، وهنا تبرز الحاجة للعائلة بوصفها الملاذ الآمن المنتظر ليعيد الإنسان إلى أصله الاجتماعي الذي اغترب عنه بسبب جنون العصر، كما ناقش العمل جملة من القضايا الوجودية على نحو فلسفي مثل الموت والحياة والألم، وعلى الرغم من الحمولة الثقيلة من الأوجاع في العرض، فقد عمل الهرش على تمرير تلك الحالات التراجيدية الصعبة عبر جرعات مخففة من الكوميديا، وجاء الأداء التمثيلي ليتحمل جزءاً كبيراً من جمالية هذا العرض عبر التجسيد المتقن الصادق، والذي صنع تواصلاً بين الخشبة والجمهور، وكل تلك عوامل أسهمت في رفع قيمة هذا العرض الذي تميز بتلك الأطروحات الإخراجية الجيدة.
قبول
العرض الثاني «كعب ونصف حذاء»، داخل المسابقة الرسمية للمهرجان، وجد قبولاً كبيراً على مستوى القاعة وفي الندوة التطبيقية التي تلت العرض، حيث قدّم السيدي نصاً راقياً، ولم يكتفِ بذلك واقترح حلولاً ومقاربات إخراجية مدهشة.
ويتحدث العمل بشكل عام عن حكايات المهمشين والفئات التي تقبع في أسفل السلم الاجتماعي، تلك التي لا تعيرها الطبقات العليا أهمية، لكنهم يصنعون حياتهم الخاصة رغم المآسي وقبح العالم المحيط بهم، حيث يطل العرض بقوة على تلك العوالم الغريبة، وكيف يدبر هؤلاء الفقراء تفاصيل يومياتهم، وكيف يعملون على تحقيق أحلامهم رغم ضيق ذات اليد، ويقدّم العمل ملامح إنسانية تثير التعاطف والتفاعل، وهو ما حدث بالفعل، ليس فقط لجماليات الحكاية، بل لتكامل كل المفردات من تأليف وإخراج وأداء تمثيلي.
حكاية
ويتكئ العمل على حكاية تغوص في عوالم المهمشين، حيث ينفتح العرض على مشهد رجل يعمل في مجال تحريك العرائس، وهو يحتمي بمكان خرب من الأمطار التي كانت تهطل بغزارة في الخارج، يتحدث إلى الدُّمى التي كان يحركها، فينتج بينهم حواريات عن بؤس العالم، وهكذا تتوالد أفكار العمل من خلال تلك النقاشات القاسية التي تتحدث عن العزلة والوحدة، وبينما هو في وحدته تلك، تقتحم خلوته فتاة تدّعي أن المكان لها، لتجري بينهما مناقشات محتدمة سرعان ما هدأت ليتبدل ذلك الصراع إلى مشاعر حب، فقد تشابها في كل شيء، من الطفولة القاسية وغياب العائلة والسند إلى لحظة التشرد، وتبرز الحواريات وتوظيف «الفلاش باك» وتداعي الذكريات تلك القسوة التي تعرض لها الشاب والفتاة.
موقف من الحياة
على الرغم من بؤسهم فإنّ لأبطال «كعب ونصف حذاء» من المهمشين أحلاماً وطموحات وموقفاً من الحياة والوجود، وهي الأشياء التي نجح الفعل المسرحي في التعبير عنها عبر الاستخدام الخلاق والمبتكر للعديد من الأدوات المسرحية على رأسها التوظيف المبهر لعناصر السينوغرافيا في تشكلاتها المختلفة، فكان الديكور حكاية قائمة بذاتها، وهو الذي اعتمد على التفاصيل المهملة في المكان القذر، ليتحول إلى عناصر جميلة، كما كانت الإضاءة معبرة عن الحالات النفسية العميقة، وكذلك عمل المخرج على توظيف الإنارة الكاملة في بعض الأوقات حتى يتيح رؤية وجوه الممثلين، الذين قدموا فعلاً تمثيلياً مقنعاً تفاعل معه الجمهور كثيراً.

أخبار ذات صلة

0 تعليق