الثراء السريع.. وهم وردي مدجج بأشواك المستريحين - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

أثر جانبي للركود وارتفاع البطالة واللعب على وتر عوائد شهرية مغرية
المنصات وبرامج «الشات» و«التفريعات التسويقية».. باب خلفي
«الريان»، «السعد»،«الهدى» و«المستريح» و«إف بي سي» الأشهر
60 شركة توظيف أموال انتهت تجربتها بسجن أصحابها أو هروبهم

إعداد: أحمد صالح
أشعلت قضية النصب على مليون مصري عبر منصة «FBC» الإلكترونية بمليارات الجنيهات المصرية، غضباً عارماً في البلاد؛ بسبب ظاهرة توظيف الأموال، التي بدأت عام 1980، وأوهام الربح السريع والتي تدمر حياة الضحايا وأسرهم، بعد أن تتبخر أموال الناس في مضاربات وهمية وتجارة بطريقة عشوائية في الأسواق العالمية.
وأصبح النصاب في مصر يلقب بـ«المستريح»؛ حيث تعود هذه التسمية إلى أحد أشهر من عملوا في مجال توظيف الأموال منذ سنوات، وهو أحمد مصطفى المستريح، الذي صدر ضده حكم قضائي بالسجن 15 عاماً ورد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني، وتغريمه 150 مليون جنيه في عام 2016، ليسقط بعدها سلسلة من المتهمين يعملون بنفس طريقته من خلال جمع الأموال من المودعين، مع وعدهم بحصولهم على مبالغ شهرية مجزية تتراوح ما بين 10 و12%، تعينهم على مصاعب الحياة والغلاء الكبير في الأسعار.
وتعود ظاهرة المستريح إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والتي شهدت بروز ما كان يعرف بشركات توظيف الأموال، وأشهرها «الريان»، «السعد» و«الهدى» عمدت هذه الشركات إلى أخذ الأموال من المودعين بغرض استثمارها مقابل عائد مادي عالٍ، خاصة بالمقارنة بأسعار الفائدة في البنوك المصرية التي كانت منخفضة حينها.
ويلعب النصاب على فكرة الطمع لدى ضحاياه، وتعاني مصر من ظهور نصاب جديد كل عدة شهور يحصل على ملايين الجنيهات من ضحاياه.
وتتعدد طرق النصب باختلاف أصحابها والضحايا، هناك نصاب يستثمر الأموال في سوق العملات، وآخر في الذهب، وثالث يحصل على الأموال لتوظيف الشباب، وغيرها الكثير.
الأسبوع الماضي، ألقت أجهزة الأمن بالقاهرة القبض على عصابة جديدة بمدينة نصر استولت على 100 مليون جنيه من الضحايا عن طريق النصب، حيث تمتلك مكتب استيراد مواد بناء، وحصلت على الأموال بهدف توريد مواد بناء، ولكنها هربت.
وفي سبتمبر/أيلول 2024 قبضت على عصابة أخرى في محافظة الدقهلية شمال مصر استولت على 6 ملايين جنيه من المصريين، وفي مايو/أيار من نفس العام تم القبض على نصاب أطلق على نفسه «Vip» استولى على 120 مليون جنيه من أصحاب معارض سيارات، وفي يناير/كانون الثاني الماضي قبض على نصاب استولى على 30 مليون جنيه من 28 مصرياً.
وتمثل سلسلة هذه القضايا عودة عصرية مقترنة بالتكنولوجيا لشركات توظيف الأموال التي ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي التي وقع الكثير من المواطنين ضحية لها، مع إلقاء القبض على أصحابها لتظهر بطريقة أخرى في الوقت الحالي، مع تراجع الأحوال الاقتصادية، وحلم الكثير من المصريين بالهروب من شبح الفقر.
وذلك على الرغم من وصول أسعار الفائدة في مصر إلى معدلات 23% و24%، وهي معدلات مرتفعة، كما أن البنك المركزي المصري أعلن مبادرته منذ سنوات لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بقيمة 200 مليار جنيه بفائدة تتراوح بين 5% و10%.
خبراء اقتصاديون يرون أن ظاهرة «المستريح» أثر جانبي للركود وارتفاع نسبة البطالة في مصر، إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم، وهو ما يزيد من نشاط النصابين، ويمنحهم مساحة للتحرك لجمع أكبر قدر من أموالهم تحت مزاعم تشغيلها ثم الهروب.
خبراء علم الاجتماع يرون أن انسياق الضحايا وراء وهم الثراء السريع لم يعد يرتبط بمستوى تعليمي أو معيشي بعدما اجتاحت وسائل التواصل الحياة وامتلأت بالمنصات وبرامج الكسب السريع والشات و«التفريعات التسويقية» و«بوستات» الخداع والنصب من دون مساءلة، وأن عمليات النصب محترفة وتعددها يحتاج إلى وقفة أمنية وتشريعية وتوعية.
خداع «أون لاين»
في قضية «إف بي سي»(FBC)، ادعى القائمون على المنصة الإلكترونية أنهم قادرون على تحقيق أرباح للمستثمرين مقابل تنفيذ بعض المهام مثل التفاعل مع إعلانات أو منتجات معينة أو مشاهدة فيديوهات على الإنترنت في أوقات ومددة معينة.
وانتشرت المنصة بسرعة كبيرة في 2025 بعدما وعدت بتحقيق أرباح هائلة، وادعاءها أنها شركة مرخصة من الحكومة المصرية.
وخلال ساعات من إطلاق التطبيق الخاص بها على متجري «جوجل بلاي» و«أبل ستور» في بداية فبراير/شباط الجاري، تم تحميله نحو 15 ألف مرة، إثر حملة إعلانات ممولة على تطبيقات التواصل.
وقالت تقارير محلية، إنها عرضت نظام اشتراكات يختار المستخدم منه باقة استثمارية معينة، منها باقة للمشترك من المصريين بقيمة 11200 جنيه مصري (حوالي 200 دولار) تتيح له ربح 500 جنيه يومياً، ومكافأة قدرها 5000 جنيه.
تطبيقات وهمية
في الواقع شهدت مصر في الآونة الأخيرة تطبيقات وهمية للاستثمار تستولى على مدخرات المصريين، ظاهرة احتيال تستهدف البسطاء من أصحاب الدخل المحدود أو الطبقات الوسطى الدنيا، سواء عن طريق أفراد أو شركات وهمية تداعب أحلام الربح السريع والوفير، عبر وضع ما يملكون من نقود في استثمارات مغرية.
في قضية «إف بي سي»، مع استلام المستخدمين للأرباح بدأت ثقة المصريين تزداد، ثم أخذت الأمور اتجاهاً آخر.
حاول المستخدمون سحب أموالهم، لكن لم يتمكنوا، وزعمت الشركة أن السبب في ذلك راجع لضغط المستخدمين على المهام.
ثم توقفت المنصة فجأة، وزعم مجلس إدارتها تعرضها لهجوم سيبراني، ووعد بإصلاح الخلل، وهو الأمر الذي ما لم يحدث.
وزادت حالة القلق بين المستثمرين خلال الأسبوعين الأخيرين، بعدما تبين أنها لا تخضع للتنظيم من قبل أي هيئات مالية معتمدة، ووجود مخاطر في التعامل معها مع التغييرات الأخيرة في سياسات السحب وزيادة القيود عليها.
وعلى الفور، توجه مئات الضحايا لمراكز وأقسام الشرطة؛ لتحرير محاضر ضد المنصة وإدارتها بعد نجاحهم في جمع مليارات الجنيهات من المستثمرين.
45 عاماً
يرجع خبراء انتشار هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، وفي مقدمتها رغبة البعض في تحقيق الثراء السريع وعوائد مرتفعة في فترات زمنية قصيرة، من دون التحقق من حجم المخاطر.
يرجع مصطلح «المستريح» لقضية شهيرة عندما ألقت الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة القبض على أحمد مصطفى إبراهيم محمد الشهير بالمستريح حيث حصل على أكثر من ملياري جنيه من المصريين، بزعم توظيفها في مشروعات ضخمة، مقابل إعطائهم عوائد شهرية مغرية.
انتهت ظاهرة شركات توظيف الأموال بهروب أو سجن من كانوا يعملون فيها، بعد أن عجزوا عن الوفاء بوعودهم بدفع العوائد أو رد أموال المودعين. وتسبّبت قضاياهم وقتها في هزة اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع المصري، بعد أن تبخرت أموالُ الناس في مُضاربات وهمية وتجارة في أسواق الذهب والبورصات العالمية بطريقة عشوائية غير مدروسة.
بداية نشاط «المستريحين» كانت مع ظهور شركات توظيف الأموال في بداية ثمانينيات القرن الماضي، التي امتد عملها لقطاعات الاقتصاد كافة، ووصل عددها إلى 60 شركة، وتعطي عوائد مالية مرتفعة تفوق فائدة البنوك، ما ضاعف الإقبال عليها، بخاصة من العاملين في الخارج، حتى وقع خلاف في نهاية الثمانينيات بين تلك الشركات والدولة، حين تم اكتشاف ضياع أموال المصريين وتحويلها للخارج بغرض المضاربة في البورصات العالمية.
وأصدرت الحكومة المصرية قانوناً عام 1988 يجرّم أنشطة جمع الأموال بغرض استثمارها من دون ترخيص. وكان مصير رجل الأعمال أحمد الريان صاحب أشهر تلك الشركات السجن 20 عاماً في قضايا عدة أبرزها توظيف الأموال، وقد بلغ إجمالي إيداعات المصريين في تلك الشركات أكثر من 1.1 مليار جنيه (60 مليون دولار)، وفق ما أعلنه رئيس الحكومة المصرية الأسبق أحمد نظيف عام 2006، مع إعلانه غلق ملف شركات توظيف الأموال نهائياً، بسداد مستحقات عشرات الآلاف من الأسر عبر تكفل الدولة بسداد 85 % من أموال المودعين، بينما لم تتخطَّ حصيلة بيع أصول تلك الشركات 10% من حجم أموال المودعين.
هجر البنوك
ومع تكرار ظهور أنباء «المستريحين» في السنوات الأخيرة، كانت تظهر التساؤلات بشأن أسباب لجوء المواطنين لهؤلاء من أجل استثمار مدخراتهم، على الرغم من تقديم البنوك المصرية أوعية ادخارية عالية الفائدة، آخرها طرح شهادة ادخار مدتها عام بفائدة 18 في المئة، منذ مارس/ آذار الماضي. ورأى المتخصص الاقتصادي هاني أبو الفتوح، أن تكرار ظهور «المستريح» يرجع إلى «غياب الوعي وعدم وصول المؤسسات المالية لبسطاء المواطنين»، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية أن على تلك المؤسسات «العمل على توعيتهم وتقديم أوعية مالية مناسبة تناسب فكرهم وتلبي احتياجاتهم، بخاصة أن معظم تلك الحوادث تقع في مناطق ريفية».
بحسب أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية سعيد صادق، فإن النصاب يبحث عن أشخاص محدودي التعليم يعانون «الفقر الفكري»، ويستغل جهلهم بالقوانين ليبدأ في استغلالهم مادياً. وأشار إلى ضرورة توعية المواطنين بعدم اللجوء لهؤلاء النصابين، مؤكداً في تصريحات صحفية أن على القطاع المصرفي استقطاب تلك الشريحة، وتقديم شرح مبسط لخدماتها، إضافة لتوعية رجال الدين المواطنين بما لهؤلاء من تأثير ضار بخاصة في القرى والمناطق الريفية، مع استغلال النصابين جهل بعض الناس وترويج أن عوائد البنوك حرام شرعاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق