عذب الكلام - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات
يُحذفُ المسندُ إليه في اللّغة، لدواعٍ بلاغيةٍ، منها للمحافظة على القافية، كقول لَبيد:
وما المالُ والأهلونَ إلّا وَدائعٌ
ولا بُدَّ يَوْماً أنْ تُرَدَّ الوَدائعُ
فلو قال: أن يردَّ النّاسُ الودائعَ، لاختلفتِ القافيةُ.
ولضيقِ المقامِ، بسبب تضجّر وتوجّع، كقول الشاعر:
قالَ لي كَيْفَ أنْتَ؟ قلت عَليلُ
سَهَرٌ دائمٌ وحُزْنٌ طويلُ
حذف «أنا» لضيقِ المقام.
وللمُحافظة على الوزن، كقول البصري:
على أنَّني أرْضى بأنْ أحمِلَ الهَوى
وأخلُصَ منهُ لا عَليَّ ولا لِيا
أي لا عليَّ شيءٌ، ولا لي شيءٌ.
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
تَناصُرُ الشيبِ
التطيلي الأعمى
(بحر البسيط)
تَناصُرُ الشّيْبِ في فَوْدَيْهِ خِذْلانُ
إنَّ الزيادةَ في النُّقْصان نُقْصانُ
لا تغْتَرِرْ بعيونٍ يَنْظرونَ بها
فإنّما هيَ أحْداقٌ وأجْفانٌ
كَمْ مُقْلَةٍ ذَهَبَتْ في الغَيِّ مَذْهَبَها
بِنَظْرةٍ هي شانٌ أو لها شانُ
رَهْنٌ بأضْغاثِ أحْلامٍ إذا هَجَعَتْ
وربَّما حَلِمَتْ والمَرْءُ يَقْظانُ
فانْظُرْ بِعَقْلكَ إنّ العَيْنَ كاذِبةٌ
واسْمَعْ بِحِسِّكَ إنّ السَّمْعَ خَوَّانُ
ولا تَقُلْ كُلُّ ذي عَيْنٍ له نَظَرٌ
إنَّ الرُّعاةَ تَرى ما لا يَرى الضّانُ
دَعِ الغِنى لِرِجالٍ يَنْصَبُونَ له
إنَّ الغِنى لِفُضولِ الهَمِّ مَيْدانُ
واخلعْ لَبُوسَكَ مِنْ شُحٍّ ومِنْ أَمَلٍ
لا يَقْطَعُ السَّيْفُ إلّا وهو عُرْيانُ
إنّي اسْتَجَرْتُ على رَيْبِ الزّمانِ فَتىً
إلّا يَكُنْ لَيْثَ غابٍ فَهو إنْسانُ
من أسرار العربية
ثلاثُ كلماتٍ، يستخدمها بعضُهم يريدون بها معنىً واحداً، لكن هناك فروق بينها: السَّخاءُ والجُودُ والكَرَمُ: السَّخاءُ: العطاءُ بعدَ السؤال (الطلب) بشيءٍ من اللينِ والسهولةِ. يُقال: سَخَوْتُ الأديمَ (التراب) إذا ليّنته. وسَخَوْتُ النار أَسْخوها سَخْواً: إذا أوقدتَ فاجتمع الجمرُ والرماد ففرَّجْتَه؛ قال المرار بن مُنقذ:
ويرْزِمُ أن يَرى المَعْجونَ يُلْقى
بسَخْيِ النّار إِرْزامَ الفَصـيلِ
(يصف رجلاً نَهِماً إِذا رأى الدَّقيقَ المَعجونَ يُلْقى على موضعِ إيقادِ النار يصوّت كالفَصيل).
الجُود: كثرةُ العطاءِ منْ غيرِ طلبٍ أو سؤال، ومن دون معرفة المُعطى. ومنها «أجادَ في الأمر»، أي أحكمه بدقةٍ وإتقان. وتقول: جادتِ السَّماءُ، أي أنزلتْ مطراً غزيراً.
الكرَمُ: العطاءُ عن طيبِ نفسٍ، وحُسْن تصرّف، قليلاً أو كثيراً، وبغرض رفع شأن المُعطى، ومنه «تكريم فلان» أي إعطاؤه ما يرفع شأنه. ويقال: رزقٌ كريمٌ، أي لا امتهان فيه، ولا منّة. والتَّكَرُّمُ تكلف الكَرَم؛ قال المتلمّس:
تكَرَّمْ لتَعْتادَ الجَمِيلَ، ولنْ تَرى
أَخا كَرَمٍ إلّا بأَنْ يتَكَرَّما
هفوة وتصويب
يقول بعضهم «تغرّب فلانٌ عن وطنه»، أي هاجر، وهي غير دقيقة والصواب «تَغرّب فلان»، ففي صحيح اللغة: التّغريبُ: النّفيُ عن البلد. وغَرَبَ أَي بَعُدَ؛ ويقال «اغْرُبْ عنّي»، أَي تباعَدْ ويقال: أَغرَبْتُه وغَرَّبْتُه إِذا نَحَّيْتَه وأَبْعَدْتَه. والتَّغَرُّبُ البُعْدُ. والغُرْبةُ والغُرْبُ: النُّزوحُ عن الوَطَن والاغْتِرابُ؛ قال الـمُتَلَمِّسُ:
أَلا أَبْلِغا أَفناءَ سَعْدِ بن مالكٍ
رِسالةَ مَن قد صار، في الغُرْبِ جانِبُهْ
من حكم العرب
لَيْس اليَتيمُ من انتهى أبوَاهُ من
هَمِّ الحياةِ وخَلَّفاهُ ذليلا
إنَّ الَيتيمَ هو الذي تَلْقَى له
أمّاً تَخَلَّتْ أو أباً مَشْغولا
البيان لأحمد شوقي، يقول فيهما إن اليتيم الحقيقيّ، ليس الذي فقد أباه أو أمه، بل هو الذي انشغل عنه أبواه، بتفاصيل الحياة التي قد لا تكون ضرورية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق