الترجمة.. مساحة معرفية لفهم الآخر - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة - عثمان حسن

«الترجمة والآخر» للباحث المغربي عزيز العرباوي هو كتاب جديد يهتم بموضوع الترجمة بشكل مختلف، ويبرز أهميتها في الانفتاح على الآخر وخلق نوع من التفاعل الثقافي بين الشعوب المختلفة، وجاء اختيار هذا الموضوع نتيجة لكون الترجمة تشكل قضية أساسية في معالجة الصراعات أو على الأقل محاولة لفهم مختلف أوجه الصراع السياسي والثقافي والديني بين الشعوب والمجتمعات.
صدر الكتاب عن دائرة الثقافة بالشارقة وجاء 240 صفحة من القطع المتوسط واشتمل على مقدمة وثلاثة فصول رئيسية، يطرح كل فصل مجموعة من المحاور والأبحاث المهمة.
أما فصول الكتاب فهي: (الترجمة وتطور اللغة العربية، الترجمة والتعريب، الترجمة والحوار مع الآخر).
يتناول الفصل الأول موضوع الترجمة وتطور اللغة العربية من خلال عدة محاور، أبرزها مساهمة الغرب في ترجمة القرآن الكريم، والترجمة وتطور العربية، والترجمة وتعلم اللغات الأخرى، والحضارة العربية الإسلامية وتأثيرها في الثقافة العربية، كما يتطرق هذا الفصل إلى الترجمة في عصر النهضة الذي عرف تطوراً لافتاً أسهم في تقريب الفكر الغربي وعلوم الغرب إلى القارئ العربي.
أما الفصل الثاني فتناول عدة محاور متخصصة مثل الترجمة والتعريب، والتعريب العلمي، والتعريب والتغريب، الترجمة والفلسفة، وترجمة النصوص الأدبية.. بينما تطرق الثالث في تركيزه على الترجمة والحوار مع الآخر إلى عدة قضايا كالاختلاف الثقافي والحضاري، المستوى الحضاري للترجمة، الترجمة والانفتاح على الآخر، الذات في مرآة الآخر، والترجمة والمثاقفة، وختم الباحث كتابه بتقديم خلاصات وأفكار عامة من داخل البحث نفسه.
تحريك ثقافي
كتب عزيز العرباوي في مقدمة كتابه: «تشكل الترجمة مجالاً خصباً لتحريك عجلة التفاعل الثقافي بين الشعوب وأمم العالم قاطبة دون الوقوف على الخلافات السياسية والدينية المرتبطة أساساً بمدى قناعة كل طرف على حدة برأيه وموقفه من القضايا السياسية العالمية، من هنا، لا ينبغي على النخب المثقفة في العالم كله أن تلتفت إلى هذا الخلاف وتعمل على إزالة الحواجز بين المجتمعات والشعوب سواء كانت سياسية أو قومية أو عقائدية أو مذهبية.. إلخ، ويبقى للترجمة دور أساس في خلق نوع من التفاعل العالمي على جميع المستويات.. ونحن نؤمن بأهمية الترجمة في فهم الآخر، وفهم الذات أيضاً، كما يعد الحوار بين الثقافات الأداة الأساسية التي تحقق التطور الفكري وتغير الوجه العابس للعلاقات بين الشعوب والأمم، بل هو الوسيلة الناجعة لتغليب طابع السلم والتعايش بدل العنف والإرهاب والحقد، من أجل خلق نوع من الانفتاح على الآخر المختلف وفتح منافذ عليه وقنوات متعددة للحوار معه.
لغة متطورة
في الفصل الأول من الكتاب يؤكد الباحث العرباوي أن اللغة العربية هي لغة حاضنة للنصوص المترجمة وهي لغة متطورة من حيث رصيدها اللغوي، فهي تحتضن كل الموارد العلمية التي يبدعها الفكر الغربي سواء من الناحية العلمية أم من الناحية الأدبية والفلسفية، حيث أسهمت في إنتاج فكر جديد ارتبط بالترجمة والتعريب، وأسهم كل منهما في إغناء العربية بمصطلحات جديدة في شتى العلوم الآداب.
هذا الغنى وهذا الثراء، سبق وأشار إليه عدد من الأكاديميين المتخصصين بينهم محمد عناني الذي رأى أن خصوصية اللغة العربية التي تختلف عن اللغات الأوروبية الحديثة في كونها عريقة وحديثة معاً، ثم ينتقل الباحث ليتحدث عن المستشرقين الأوائل منذ القرن الثامن عشر الميلادي (وليم دونز) ومن تلاه في القرن التاسع عشر (ريتشارد بيرتون، رينولدز نيكولسون، آن بلنت وغيرهم) كانوا يركزون على تعلم اللغة التراثية، وندر من بينهم من أجاد مستويات أخرى للعربية مثل (إدوارد لين) فقدموا ما قدموا من ترجمات وفق التصور الاستعماري القديم الذي يقول بتفوق الجنس الأبيض، وتوقفوا عند القديم مع إساءة فهم في حالات كثيرة للصيغ العربية الأصيلة.
وفي هذا الفصل يتحدث العرباوي عن (الغرب وترجمة القرآن الكريم) هذه المسألة التي تفاوتت في مستوياتها العلمية ومراميها ومقاصدها السياسية والأيديولوجية، وصولاً إلى القرن العشرين الذي شهد ترجمات تتسم بالحيادية، حيث حاول العديد منهم نقل معاني القرآن الكريم بأمانة وصدق، ودقة علمية ولغوية، مثل ترجمة الفرنسي جاك بيرك في 1990، وأندريه شواركي، كما أشار لإدوارد سعيد الذي أورد بعض الإساءات التي لحقت بترجمات بعض المستشرقين لآيات القرآن الكريم التي تزخر بأخطاء فادحة في معناها ومبناها.
الترجمة والتعريب
يتحدث الباحث العرباوي عن الترجمة والتعريب، حيث يرتبط مفهوم التعريب بكل ما له علاقة باللغة العربية، بمعنى نقل النص الأجنبي إلى العربية مباشرة اعتماداً على منهج اللغة العربية ونسقها الخاص الذي يتناسب مع الفهم الواعي لها.
أما الترجمة، فهي نقل نتاج لغوي من لغة إلى أخرى، وهي مجرد آلية يتقنها المترجم العارف باللغتين، وبالعودة إلى التعريب فقد تطور في مرحلة أساسية من تاريخ الوطن العربي بكل أقطاره، حيث انخرط العديد من الباحثين والعلماء والمهتمين بالترجمة في ترجمة ما أنتجته الحضارة الأوروبية والثقافة الغربية عموماً.
وتحت عنوان «ترجمة النصوص الأدبية» يشير الباحث إلى الفرنسي إيتيان دولي (1546 - 1506) صاحب أول نظرية في الترجمة الذي لخص كل القوانين المتعلقة بالترجمة في قوله: «يجب على المترجم أن يفهم جيداً معنى ومادة المؤلف الذي يترجم له» وهو أي العرباوي يتحدث عن ترجمة الشعر، الذي يعتبره من أخطر أنواع الترجمة، لأنه لا ينفصل عن أصوله الجمالية والفنية والموسيقية، وأن عملية نقله إلى لغة جديدة، تحتاج من المترجم الجيد أن يدرك معنى القصيدة وغاية الشاعر وإحساسه الآني أثناء كتابة القصيدة.
ويؤكد الباحث ضرورة اختيار النصوص الأدبية التي ترشح للترجمة، لأنه بهذا الاختيار يكون المترجم قد أسهم في نشر القيم الأخلاقية والإنسانية السامية.
حوار
«ترتبط العلاقة مع الآخر بالضرورة بمدى احترام الخصوصيات والهوية الجماعية لكل طرف على حدة».. بهذه العبارة يستهل العرباوي حديثه عن موضوع «الترجمة والحوار مع الآخر»، ويشير إلى الاختلاف الثقافي والحضاري، والتي تعتبر من المسائل الشائكة التي تعترض طريق المترجم، من حيث اختلاف دلالات الأشياء في العالم العربي مقارنة بالعالم الغربي. وهناك المستوى الحضاري للترجمة الذي يميزها عن غيرها، وهذا يسهم في تحديث اللغة العربية، لتكون وسيطاً إيجابياً في التفاعل الحضاري الحديث وفي الحوار مع الآخر والتفاعل معه في إطار من الندية الإيجابية والمنافسة الشريفة، حيث تلعب الترجمة دوراً كبيراً وجذرياً في الانفتاح على ثقافة الآخر، ولقد أسهمت الترجمة وما زالت تفعل في تأدية أدوارها المتقدمة في حماية التعدد الثقافي والتنوع الفكري بين الأمم، وتدعيم المثاقفة والتعايش بين الناس وبين الحضارات المختلفة، وأصبحت توفر الأرضية المتينة والقوية للإقلاع الحضاري والتنموي من خلال تأسيس مساحة معرفية لفهم الآخر.

اقتباسات
الترجمة فضاء مختلف لقراءة الواقع والقيم الإنسانية.
التعريب هو إبداع وابتكار وارتباط بالواقع اليومي للمجتمع العربي.
ترجمة الفكر الفلسفي الغربي ضرورة للبناء الثقافي والفكري العربي.
ترجمة النماذج الأدبية الأجنبية إلى العربية مادة غنية للقراء والنقاد.
العقل السليم وسيط تواصلي للحوار الثقافي بيننا وبين الآخر.
الترجمة بوابة نحو مرحلة التثاقف بكل آفاقها وممكناتها.

أخبار ذات صلة

0 تعليق