عبد الفتاح كيليطو يتكلم جميع اللغات بالعربية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القاهرة: الخليج
في كتابه «أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية» (ترجمة عبد السلام بنعبد العالي) يشير الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو إلى أنه حتى سن السابعة لم يكن يعرف إلا العربية، جاء إلى الدنيا معها، كانت في انسجام مع العالم، الذي ترعرع فيه، عالم المنزل، والأسرة، والحي، كان العالم حينئذ مكتفياً بذاته، منغلقاً، مكتملاً.
يقول: «درست اللغة الفرنسية بسبب عثرة من عثرات التاريخ، أو الجغرافيا بالأحرى، لو أنني ولدت شمال المغرب، لكنت درست لغة ثيرفانتس، وأعتقد أن مساري العلمي وقدري كانا سيتخذان منحى آخر، توجهت نحو اللغة الفرنسية؛ لأنني ولدت في الرباط، في المنطقة التي تخضع لحماية فرنسا».
يصف كيليطو الرحلة اليومية إلى المدرسة، من الفضاء الأسري المألوف إلى الفضاء الأجنبي الغريب، وهي أيضاً رحلة من الشفوي إلى المكتوب، فرضت الفرنسية نفسها عليه كلغة لا تنفصل عن الكتابة، تعلمها وتهجّي حروفها ودوّنها، درسها لا ليتكلمها وإنما ليقرأها ويكتبها.
*نقطة مشتركة
بتكوينه تعوّد كيليطو أن يقرأ النصوص التي كتبت بالفرنسية أو بالفصحى، ويرى أن بين اللغتين الفرنسية والفصحى نقطة مشتركة، وهي كونهما لغتي التدوين، وبالتالي لغتي الأدب، عن طريقهما تمكّن من الاستمتاع بلذة قراءة النصوص الأدبية، هما – كما يقول – لغتا لذة.
ينتقل كيليطو من سؤال إلى آخر: كيف يمكن للمرء أن يكون وحيد اللغة؟، كانت الفرنسية لغة المعلم، لغة الكتاب المدرسي، والواجبات المدرسية، ويعبر كيليطو عن دهشته أثناء رحلة قضاها في إسبانيا، عام 1964، إذ لم يعثر على إسباني واحد قادر على أن يفهم ما يقوله بالفرنسية، فما بالك بالعربية، ويقول: «كانوا يبدون لي وحيدي لغة سعداء، لا يشعرون بأية حاجة إلى تعلم لغة أخرى».
لكن كيليطو عند تجواله كان يجد أسماء بعض المتاجر، وعناوين بعض الصحف، والإعلانات، فكان يعجب من فهمه لدلالة بعض الكلمات، وهي كلمات من أصل عربي، إنها لغة تكشف عن بقايا لغة قديمة: «حتى الآن لا أستطيع أن أصادف عبارة إسبانية من غير أن أعتبرها لغزاً، فأسعى من غير أن أفلح في أغلب الأحيان أن أردّها إلى أصل عربي».
يقول أيضا: «يعرف المغاربي عن طريق التجربة أن الحياة تكون أقل صعوبة، عندما تؤازر اللغة الفرنسية العربية؛ لذا فهو في حياته اليومية مزدوج اللغة فعلياً، أو افتراضياً، بناء على ذلك فاللغة الفرنسية لا تمثل بالنسبة إليه فعلاً لغة أجنبية أو لنقل إنها ليست حقاً كذلك».
يشير إلى أن الفرنسي الذي يحل بالرباط أو الدار البيضاء لا يشعر أبداً أنه بعيد عن موطنه؛ إذ لابد أن يعثر على من يتكلم لغته، وسرعان ما يكشف له كشك الجرائد عن الازدواجية اللغوية، التي تميز البلد، تتجلى الازدواجية في المذياع والتلفاز، مثلما تظهر في التعليم والإدارة، أسماء الأزقة مكتوبة باللغتين، مرسومة بحرفين.
*سؤال
لماذا تكتب باللغة الفرنسية؟ سؤال يطرح عادة على الكاتب الذي ينشر كتبه بتلك اللغة، وهو سؤال من شأنه أن يثير قلقه وشعوره بالذنب، وعند رده يظهر لباقة ورهافة، يذكر التاريخ، كما يذكر التكوين الذي تلقاه.
يقول عبد الفتاح كيليطو، إن هذا الكاتب لن يعترف دوماً بأن الكتابة بالفرنسية تحقق له بعض الحظوة، وتمنحه اعتباراً، وتمكنه من جمهور مضاعف، وانتشار واسع، يمكن تصور افتراض آخر: الكتابة تجاوز للذات، حتى إن اقتضى الأمر أخذ مسافة مع اللغة الأم، فباستطاعة الكاتب أن يختار، لو توافرت له الإمكانات اللغة البعيدة، الغريبة الأجنبية، كي يقترب من ذاته.

أخبار ذات صلة

0 تعليق