الشارقة: علاء الدين محمود
لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، موقعه الخاص في الفعل الثقافي والمعرفي، ليس في الإمارات والعالم العربي فحسب، بل وعلى الصعيد الدولي كذلك، حيث إن الدعم الذي ظل سموه يقدمه للحراك الثقافي في كل مكان لم يقتصر على الجوانب المادية فقط، رغم أهميتها الكبيرة، خاصة مع تراجع الأوضاع الاقتصادية للكثير من الشعوب العربية، فهناك جانب شديد التوهج والإشراق وهو المتعلّق بدعم سموه للفكر والثقافة من خلال التأليف والكتابة والبحث والتقصي، حيث رفد المكتبة العالمية بالعديد من المراجع والقواميس والمؤلفات التي تُرجمت إلى معظم لغات العالم الحية، وكان لها تأثيرها الكبير، وكذلك الكتب ذات الطابع الإبداعي في السرد والمسرح، إضافة إلى كتابة المقال، وجميعها حقول قدّم فيها صاحب السمو حاكم الشارقة بذلاً إبداعياً وجمالياً برافعة الفكر والفلسفة والإبحار في التاريخ من أجل إفادة الواقع الراهن والمستقبل.
لعل الذي يبدو واضحاً في هذا العطاء الفكري والأدبي الممتد من قبل صاحب السمو حاكم الشارقة، أنه ينهض على موقف يدافع فيه عن التاريخ والحضارة والثقافة العربية والإسلامية في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى حقيقة أن التاريخ العربي الإسلامي تعرض للكثير من التزوير وسوء الفهم من قبل كثير من الكتَّاب والمستشرقين الذين صدّروا أفكاراً وآراءً رسخت في أذهان البشر في أجزاء واسعة من العالم، خاصة في الغرب، وشكّلت صورة نمطية عن الإنسان العربي والمسلم، ولعل تلك الجهود التي بذلها سموه في هذا الجانب والمجال المهم، هي من أجل إجلاء الصدأ الزائف الذي تراكم كثيراً وشوه التاريخ العربي، فكان أن تصدى سموه لذلك الأمر عبر مؤلفاتٍ ومراجعَ وكتبٍ أنتجها عبر البحث المتواصل والتقصي المضني من أجل الحقيقة، حيث قام بزيارات لمواقع بحثية ومتاحف من أجل فعل التنقيب والتثبت من مخطوطات ومراجع أصلية، لذلك تتميز تلك البحوث والدراسات التي أجراها بالدقة، وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً على الأعمال الإبداعية التي تنهض هي الأخرى برافعة البحث والتنقيب في التاريخ فذلك هو المجال الأكثر توهجاً في المسيرة المعرفية لصاحب السمو حاكم الشارقة.
قاد ذلك المجهود الكبير إلى الكشف عن الكثير من الحقائق التي حسمت المغالطات التاريخية سواء المتعلقة بالوقائع أو الشخصيات التي تناولها سموه حيث استطاع أن يقدّم صورة مغايرة عن تلك التي انطبعت في العقول، ويمكن القول من دون تردد إن الكتابات في تلك الحقول المختلفة من جانب صاحب السمو حاكم الشارقة، تُعدُّ منعطفاً جديداً وصفحةً عنوانها العريض «الحقيقة ورد الاعتبار».
غوص عميق
تتميز الكتابة والبحث في التاريخ من قِبل صاحب السمو حاكم الشارقة، بالغوص العميق في الوقائع والأحداث والإحاطة بها من حيث التحليل والتفسير والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بها، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تسقط عند المؤرخين والكتَّاب، لذلك لطالما كانت مؤلفات سموه بمثابة محاكمة أو «إعادة محاكمة»، لأحداث يريد أن يلقي عليها الضوء مجدداً، وذلك لأن لتلك الوقائع الزائفة والتي يتم التعامل معها باعتبارها حقيقة مطلقة، تأثيراً كبيراً على صُعُد كثيرة، وهناك العديد من المواقف بُنيت على مثل تلك المعلومات المغلوطة، ولعل الملاحظة الجديرة بالذكر في كتابات سموه، أنها لا تخاطب الغرب فقط، بل وكذلك المسلمين والعرب، لذلك فهي تعتمد على لغة مباشرة بسيطة سلسة، بحيث لا يقع أي لبس يؤدي إلى تفسير غير ما يحمله الكتاب من معلومات ورؤى وأفكار، وتلك أسلوبية مختلفة عن التي يتبعها الكثير من الكتَّاب والباحثين والمؤرخين في العالم العربي على وجه الخصوص، حيث يميل البعض منهم إلى الغموض الذي من شأنه أن يضيع الحقائق ويوقع القارئ في متاهة التأويل والتفسير.
ثراء وتنوع
هناك الكثير من الكتب والمراجع لصاحب السمو حاكم الشارقة يعيد فيها تشكيل الوقائع، وهناك عدد من الكتب الجديدة في مسيرة لم تتوقف تتسم بالثراء والتنوع، فلا يكاد يمر عام من دون أن تصدر «منشورات القاسمي» مؤلفاً جديداً ومن دون أن تستقبل المكتبة مرجعاً أو كتاباً في مختلف فروع المعرفة، وبصورة خاصة تلك الكتب ذات الطبيعة البحثية، ومن الإصدارات الجديدة خلال هذا العام والأعوام القليلة السابقة، هناك كتاب «مختارات من جرون نامه»، يحقق فيه سموه مخطوطاً فارسياً قديماً، والكتاب يحوي مجموعة من الموضوعات، المقدمة، فالتمهيد، والفصل الأول يتحدث عن احتلال «قشم»، من قبل الإنجليز والفرس، والفصل الثاني يتحدث عن الفرقة العسكرية من الأكراد في الجيش الفارسي، والفصل الثالث يتحدث عن حصار هرمز وسقوطها في أيدي الإنجليز والفرس، والفصل الرابع يتحدث عن احتلال الفرس مدن الساحل الشرقي لعمان، وهو كتاب يحوي عدداً كبيراً من الهوامش، والكتاب يقف شاهداً على تلك القدرة في تحليل وتفسير الوقائع وتفكيكها لمصلحة الحقيقة وهذا من السمات المشتركة في جميع مؤلفات سموّه، حيث نجد أن الكتابة لا تركن فقط لحشد واستعراض المعلومات، بل تحليلها إنصافاً للماضي وخدمة للراهن، وكذلك من الملاحظات المهمة أن صاحب السمو حاكم الشارقة يركز على الوقائع والأحداث التي لا يزال أثرها ممتداً ويشتبك مع الراهن، الأمر الذي يوفر إمكانية كلمة جديدة.
وثائق
وكذلك صدر حديثاً عن منشورات القاسمي كتاب «تاريخ عُمان من الاستيطان البشري إلى نهاية الدولة الإباضية»، وهو ضمن عقد الموسوعة التاريخية لتاريخ عُمان، وقد اختار سموه لها اسم «سلطان التواريخ» ومعناه: حجة التواريخ، وتتألف الموسوعة من أربعة أجزاء، وهي على النحو الآتي: الجزء الأول، يتحدث عن تاريخ عُمان من الاستيطان البشري إلى نهاية الدولة الإباضية، وأما الجزء الثاني ففيه عرض لتاريخ الملوك النبهانيين في عُمان 1154م-1622م، وأما الجزء الثالث فيكشف عن تاريخ اليعاربة في عُمان 1622م -1747م، وتختتم الموسوعة بالجزء الرابع الذي يبرز تاريخ أئمة البوسعيد في عُمان 1749م-1856م، والموسوعة تأتي مدعمة بالملاحق التي تتضمن وثائقَ نادرةً وخرائطَ فريدةً وصوراً لعملات وقطع أثرية نادرة ونفيسة تم العثور عليها في الشارقة، وتُعتبر الموسوعة من الكنوز المعرفية، حيث مارس فيها سموّه مهمة الكشف عن الوقائع التاريخية والأماكن الأثرية، والأحداث التي وقعت على أرض عُمان والساحل العربي، وبما أظهرته من الحقائق، وما أبرزته من المنعطفات في تاريخ عمان، وهي تقف شاهدة على الاهتمام بالبحث العلمي الرصين، وقوة الحجج، والغوص العميق في قلب التاريخ.
محاكمة وإدانة
ومن هذه المؤلفات التي أثارت الاهتمام بصورة كبيرة، هناك كتاب «إني أدين»، ولعل القارئ سيتوقف كثيراً عند هذا العنوان الذي يُحيل إلى الرغبة الملحة في محاصرة التاريخ الرسمي الزائف، والمعلومات المغلوطة، والوقوف ضد الممارسات التي تمت ضد المسلمين والعرب وتاريخهم العريق، حيث يتناول أحداثاً تاريخية مؤلمة لا يزال أثرها مقيماً في وجدان العرب والمسلمين، وهي تلك المأساة والإجرام الذي مورس من قبل الإسبان ضد المسلمين الموريسكيين عقب سقوط غرناطة في الثاني من أبريل من عام 1492، وكان آخر ملوكها هو «أبو عبد الله الثاني عشر» المعروف باسم أبي عبد الله الصغير، «1460– 1527»، وقد كان ملكاً على غرناطة، وهو من بنى نصر من ملوك الطوائف، وقد استسلم لفرديناند الثاني، وأطلق عليه الإسبان وصف «el chico»، أي الفرخ، بينما سماه أهل غرناطة «الزغابى»، وهو ابن «مولاي أبو الحسن»، الذي حكم مملكة غرناطة في الأندلس، فترتين بين عامي «1464–1485»، حيث يُعد الكتاب بمثابة محاكمة وإدانة بوقائع وأدلة واضحة لا لبس فيها لتلك الجرائم التي ارتُكبت في ذلك الوقت ضد المسلمين، إذ يستند المؤلف إلى عشر وثائقَ تحمل الحقائق، فسموّه يتبع في الكتاب منهجاً يقوم على وضع الإدانات وتوضيحها الواحدة بعد الأخرى، إلى جانب سرد الوقائع المتعلقة بكل إدانة، وإرفاق المستندات والصور والوثائق التاريخية الداعمة باللغتين الإسبانية والعربية، من أجل إقامة الحجة والدليل القاطع الذي لا يأتيه الباطل من أي مكمن.
مجاهيل مظلمة
ومن الكتب التي شهدت كذلك بذلاً بحثياً كبيراً من قِبل صاحب السمو حاكم الشارقة، كتاب «محاكم التفتيش.. تحقيق لثلاثة وعشرين ملفاً لقضايا ضد المسلمين في الأندلس»، فهو الآخر مرجع ضخم يقع في جزأين، وهو يتناول محاكم سرّية، تمارس الإعدام والحرق، وأموراً كثيرة في حق المسلمين في الأندلس، ويحتشد بالمخطوطات التي تحمل في طياتها التاريخ المأساوي، والتي ظلت محفوظة في سرية، وهو يؤكد على فظاعة تلك الجرائم، والحرص على إخفاء أي أدلة متعلقة بتلك الفظائع التي ارتُكبت في ذلك الوقت، حيث يتضمن الكتاب أكثر من 23 مخطوطة في صورة ملفات محاكمات، وهو بمثابة حفر وتنقيب في تلك المجاهيل المظلمة في التاريخ السري لإسبانيا، حيث محاكم التفتيش بكل قسوتها، والتي غابت عنها قيم القانون وتحري العدالة، ويكشف الكتاب عن تلك المحاولات غير الإنسانية والمتمثلة في الإرادة القسرية للكاثوليك في تحويل المسلمين عن دينهم تحت مختلف أنواع الترهيب والتهديد، وتجدر الإشارة كذلك إلى أن هذا الجهد الفكري والبحثي الكبير يسهم كثيراً في ما يُعرف ب«حوار الحضارات»، حيث إن التلاقي بين الثقافات المختلفة يجب أن يقوم على قاعدة من الحقائق لا الأكاذيب، وكذلك فإن الرغبة في صناعة علاقات دولية قائمة على التسامح والمحبة والسلام والتعاون، من المهم أن تجري وفق حقائق التاريخ وليست التصورات الذهنية المغلوطة.
عطاء مستمر
عديدة هي المؤلفات ذات الطابع البحثي الدقيق الذي لا يترك مجالاً للشك، فهي تقف شاهدة على ذلك البذل الكبير لصاحب السمو حاكم الشارقة وطريقته المختلفة في تناول المواضيع التاريخية، ومن تلك الكتب هناك «نظم الفوائد في سيرة ابن ماجد»، وهو الكتاب الذي يستكمل فيه سموه جهده البحثي في تصحيح التاريخ العربي والإسلامي، خاصة في ما يتعلق بسيرة البحار العربي أحمد بن ماجد، وهنالك أيضاً كتاب «تحت راية الاحتلال»، و«رحلة بالغة الأهمية»، و«صراع القوى والتجارة في الخليج 1620-1820م»، و«زنوبيا ملكة تدمر»، و«مراسلات سلاطين زنجبار»، و«القواسم والعدوان البريطاني (1797-1820)»، وغير ذلك من مؤلفات تاريخية ثمينة أثبت فيها سموه حقيقة أن التاريخ لا يكتب بالأهواء.
أبو الفنون
أولى صاحب السمو حاكم الشارقة، المسرح عناية خاصة، من حيث دعمه والاهتمام به والحرص على تطويره وتوفير البنية التحتية اللازمة للحراك في مجال «أبو الفنون»، وهو العطاء الذي كان له أثره الثقافي في جميع الدول العربية، حيث باتت المقولات التي يطلقها سموه في المناسبات المسرحية بمثابة إلهام للكتَّاب والمخرجين والممثلين والجمهور وكل المشتغلين في صناعة المسرح، وهناك أقوال بعينها ظلت تردد وتُقتبس من قِبل كل عشاق المسرح، لما تحمل من مدلولات ومعانٍ عميقة، منها: «نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة»، وكذلك قول سموه: «إن المسرح مدرسة للفضيلة والأخلاق، ومن الأمانة المحافظة عليه»، «رسالة لا بد من الاهتمام بكيفية توصيلها، وإلى من نرسلها، وما هو محتواها إلى مجتمعاتنا»، وكذلك قوله: «يا أهل المسرح: لقد حملت هموم المسرح على عاتقي وأعاهدكم بأني سأحملها وإلى الأبد، فإن أخطأت فأرشدوني، وإن وهنت فأعينوني، وإن قضيت فاكتبوا في سيرتي: كان رجلاً عاشقاً للمسرح»، ولعل كل تلك المقولات لا تحكي فقط عن قصة عشقٍ وحبٍ، بل تبيّن بصورة عميقة أهمية «أبو الفنون»، وأثره في الإنسان والحياة، فهو أحد أهم الإبداعات الإنسانية التي تخاطب البشر في كل مكان وتحمل رسالة الوعي والجمال والإبداع، وكان الإسهام الأكبر لصاحب السمو حاكم الشارقة، هو التأليف والكتابة المسرحية.
بقيت أعمال صاحب السمو حاكم الشارقة راسخة في أذهان الناس في كل مكان، تحفل بالمواضيع المتعددة، وتنتصر لقيم العروبة والإسلام وهي مؤلفات مسرحية احتشدت بالأفكار والمعاني، وجالت في التاريخ، وحرصت على أن تطل على الواقع الاجتماعي، حيث إن «مسرح سلطان»، هو بمثابة خشبة تروي التاريخ وتحاكمه وتطل على الحاضر لتفسره وترصد كيف يكون المستقبل، ونسبة لكل ذلك صار سموه يحمل لقب «رجل المسرح»، بفعل تلك الجهود المبذولة في هذا المجال، وبصورة خاصة أعماله المسرحية والتي تحمل الرؤى والأفكار والتصورات والرسائل المختلفة والمتنوعة، التي تستدعي التاريخ من أجل استجلائه واستنطاقه ومحاكمته، وطرح المزيد من الأسئلة حوله.
وتبرز تلك الأعمال والمؤلفات القيم العربية النبيلة والأخلاق الرفيعة المتمثلة في الشجاعة والإقدام والكرم وغير ذلك مما يصلح أن يكون قدوة للأجيال، كما أن الفعل الإبداعي الذي يستند إلى التاريخ هو دعوة للتمسك بالهوية وروح الانتماء للحضارة العربية والإسلامية، وفي الوقت ذاته رافعة لتطور المجتمعات العربية والنهوض بها، وتحمل كذلك العديد من الرؤى والمواقف الفكرية والجمالية، كما تنفتح نصوص سموه المسرحية على الإنسانية، فهي تتضمن دعوة لعالم جديد بقيم المحبة والسلام بديلاً للحروب والصراعات، وتعلي من فضيلة الحوار بين الثقافات.
إطلالة
ومن الأعمال المسرحية الحديثة لصاحب السمو حاكم الشارقة «مجلس الحيرة»، والتي عرضت العام الماضي ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، وهي من إنتاج مسرح الشارقة الوطني وبطولة عدد من نجوم المسرح الإماراتي والعرب وإخراج محمد العامري، وتحمل تفاصيل نص ماتع يلعب فيه الشعر دوراً رئيسياً في توثيق الأحداث، حيث يكشف العمل عن مكانة الشعر في إمارة الحيرة في العصر الجاهلي، بوصف هذه الإمارة كانت من أقوى الحواضر، وأكثرها استقراراً وأطولها عمراً، وهي ذات تأثير كبير في حياة عرب ما قبل الإسلام سواء في المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو العمراني، تلك المستويات التي كان من نتائجها قيام نهضة أدبية كان لعرب الحيرة وأمرائها أبلغ الأثر فيها، والمتابع لهذا العمل الكبير يجد نفسه في دهاليز تاريخ قديم، فهو يصنع الصور والمشهديات التي تعكس الحياة الأدبية في ذلك الوقت، والشخصيات المؤثرة حينها خاصة في «مجلس الحيرة»، مثل الملك النعمان بن المنذر، الذي تدور في مجلسه في الحيرة، تفاصيل كثيرة تضيء على سطوع مجدٍ عربيٍّ رفيعٍ، بما فيه من حكمة وشجاعة وفروسية، وما اكتنزته هذه الفترة من قيم خالدة وساطعة على مر التاريخ.
ومن الأعمال المهمة لصاحب السمو حاكم الشارقة، مسرحية «داعش والغبراء»، التي صدرت في عام 2016، وتجري أحداثها في منطقة القصيم، حيث قبيلة غطفان بفرعيها عبس وذبيان، وذلك قبل خمسين عاماً من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتتحدث المسرحية عن أسباب الحرب الطويلة التي قامت بين بني عبس وبني ذبيان والتي استمرت لأربعين عاماً، ليظهر بعدها نور الإسلام الذي دعا إلى نبذ العصبية، وهناك أيضاً مسرحية «كتاب الله: الصراع بين النور والظلام»، التي صدرت في عام 2018، وتتناول الصراع الأزلي بين الخير والشر، من أجل تسليط الضوء على الواقع الحاضر، إذ تناول العمل حال الأمة الإسلامية وتنازعها بين النور والظلام وشخّصت واقع أمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرورة التمسك بكتاب الله تعالى.
تقصٍّ
وأيضاً هناك مسرحية «النمرود»، التي صدرت عام 2008 والعمل يتناول بصورة أساسية الطغيان والظلم في العصور الماضية، في ما يشبه التقصي لجذورهما والعوامل والأسباب التي كونتهما، أما مسرحية «طورغوت»، الصادرة عام 2011، فهي عمل يحمل رؤية تسلّط الضوء على الإخفاقات ومكامن الخلل، وتقدم العبر والدروس، التي تأخذنا إلى الحاضر المر، لمواجهته، ولكي نتعلم من الماضي ونختبر قوتنا في ضوء ما عشناه، وهناك أعمال حاكمت التطرف وانغلاق العقول مثل مسرحية «الحجر الأسود»، التي صدرت في عام 2012، فهي تتناول أخطر القضايا التي واجهت الأمة العربية مؤخراً وهي قضية الإرهاب التي تعاني منها الأمة كلها، وأيضا هناك مسرحية «علياء وعصام»، التي صدرت عام 2015، وتتميز بكونها مسرحية شعرية تروي حكاية قبيلة عربية بدوية اسمها «رولا»، في البادية بين حماة والشام، وإلى جانب الأعمال المسرحية، فقد رفد صاحب السمو حاكم الشارقة المكتبة بالدراسات والكتابات التي تبحث في تاريخ المسرح مثل مؤلفه «التاريخ على خشبة المسرح الفرنسي»، عام 2019، والذي يقدِّم تجارب كتّاب فرنسيين برعوا في تحويل المادة التاريخية إلى فعل مسرحي، وهنالك مؤلفات أخرى مثل: «كلمات في المسرح»، و«أيام الشارقة المسرحية».
إشراقات سردية
ويتوهج قلم صاحب السمو حاكم الشارقة في مقام السرد، إذ أن أعماله تأتي معبرة عن جهد بحثي وتوثيقي كبير، كما تحتشد بالأفكار والمعاني والرؤى الجمالية، كما أن روايات سموه ليست مجرد سرد للتاريخ، بل تحليل وتأويل لوقائعه برافعة التقصي والبحث، لكنه لا يتوقف عند لحظة التاريخ فقط، بل يقدِّم رؤية ومقاربة ومعالجة للراهن وأحداثه ووقائعه ومشاكله، وهو الأمر الذي يسهم في تقديم الإجابات وتوفير الحلول من أجل حياة أفضل لكل البشرية، حيث ينهض المشروع السردي لسموه بروافع عديدة، ويستند على حقول معرفية متنوعة حيث يبرز التاريخ والتراث والفلسفة والفكر، إذ أن سموه يطرح من خلال الأعمال الروائية رؤيته حول الواقع والتاريخ بُغية تنقيته من شوائب الزيف ودفع الافتراء وتصحيح المعلومات المتعلقة بالواقعة التاريخية، والإسهام في إعادة صناعة الواقع العربي والإسلامي الراهن بشكل مختلف، وكذلك من أجل صناعة علاقة مع الآخر من خلال هزيمة الوعي الزائف والصور النمطية المختلقة، حيث إن الحقيقة هي التي تحرر الجميع.
ضد الزيف
ومن الروايات الحديثة لسموه هناك رواية «الجريئة» وكذلك رواية «سيرة سلاطين كلوة»، وقد صدرتا عام 2022، حيث يسجل فيهما زيارة جديدة للتاريخ، ويوفر للقارئ وجهة نظر مختلفة ومحققة، يمسح من خلالها صوراً ومعلوماتٍ ووقائعَ قديمة ويثبت أخرى جديدة، كما يمارس عبرها قلب المفاهيم والتصورات التي رسُخت في أذهان الناس، ليشكِّل بالتالي وعياً جديداً لم يعهده القارئ في الروايات والسرديات التاريخية المحملة بالوقائع الزائفة، حيث تتحدث رواية «الجريئة» عن بطلتها ماري بيتي الملقبة بالجريئة وعلاقتها بالبعثة الدبلوماسية إلى بلاد فارس، والرواية تضعنا أمام سرد يتعمق في التاريخ ويبحث عن حقائقه.
أما رواية «سيرة سلاطين كلوة»، فهي تتناول بأسلوب شائق وبتوثيق دقيق أحداثاً حقيقية لسيرة سلاطين كلوة، حيث يتعرّف فيها القارئ إلى سبب هجرة هؤلاء السلاطين العرب إلى جزيرة «كلوة» في شرق إفريقيا والأحداث التي حدثت لهم والمحن والفتن على حكمهم.
أما في عمله السردي الرائع «الأمير الثائر»، فيقدم لنا، صاحب السمو حاكم الشارقة، متعةً بصريةً وفضاءً تأملياً، من خلال وقائع حقيقية جرت في الماضي، والمتمثلة في قصة الأمير مهنا بن ناصر بن حمد الزعابي، ذلك الفارس العربي الذي ثار ضد سيطرة الفرس على العرب القاطنين في ساحل فارس، أما رواية «بيبي فاطمة وأبناء الملك»، فهي مزيج ساحر بين السرد والتاريخ، وتقف عند مرحلة مهمة في التاريخ العربي، وتتناول بعض ظواهر الهوس الديني المتفشي آنذاك في أوروبا، وهي تحكي عن تاريخ مملكة هرمز ابتداءً من العام 1588 حتى 1622 بانتهاء الاحتلال البرتغالي وهزيمته أمام الإنجليز، وفي رواية «الشيخ الأبيض»، نقف على تفاصيل قصة حقيقية واقعية حدثت في التاريخ في بداية القرن التاسع عشر، وتحكي عن شخص أمريكي أسره أحد العمانيين «محمد بن عقيل»، وهو طفل في التاسعة وتبناه كابن له.
وهناك العديد من مثل هذه الأعمال التي تؤكّد على أن المشروع السردي لدى سموه هو تنقيب في الماضي من أجل البحث عن حقيقة ما حدث، ومن تلك الأعمال الخالدة: «رأس الأمير مقرن»، و«فيليب العربي»، «والحقد الدفين»، «حكم قراقوش.. مبحث في حكم التاريخ»، وغير ذلك من كتابات سردية توفر المعرفة والجمال.
سِيَر
كما برع سموه، في مجال إبداعي مهم، وهو كتابة السيرة وسرد الذات، وهو من الأجناس الإبداعية ذات الخصوصية في الأدب، حيث يهتم بالشخوص والأماكن، ومن المؤلفات الحديثة في هذا الجانب هناك كتاب «ذكريات مصرية»، وصدر خلال هذا العام ويشتمل على مجموعة من الأحداث ذات الصلة بمصر وأهلها، تضم ذكريات عزيزة، ويروي فيها سموه أحداثاً عاشها ومواقف عايشها بمداد من الوفاء ومن ذاكرة القلم، وفاءً بحق مصر عليه، وإبرازاً لمكانتها لديه، وقد رواها بأسلوب سردي رائع، تخالطه المشاعر والعواطف الصادقة. وفي مؤلفه «سيرة مدينة»، يأخذنا سموه في تفاصيل رحلة باذخة الجمال ووفيرة المتعة، خاصة أنها تتعلق بإمارة الشارقة، حيث يعمل الكتاب على رصد تاريخها وإبراز جمال أماكنها، كما تظهر الكتابة المشوقة، قدر المحبة الكبيرة التي يحملها سموه تجاه هذه الإمارة التي شهدت أجمل وأنضر تفاصيل حياته، وهي ليست مجرد سرد فقط عن المدينة وجغرافيتها، بل وكذلك الدور الذي لعبته في التاريخ، وفي مقاومة الاحتلال البريطاني للخليج العربي، وفي كتاب «سرد الذات»، نعيش تفاصيل مزيج رائع بين الأدب والفكر والسرد، فهو يحمل توثيقاً للكثير من التفاصيل الحياتية، ففيه يتحدث صاحب السمو حاكم الشارقة، عن نفسه كشاب طموح، خاض غمار الحياة بكل تفاصيلها الممتعة والقاسية، وتفاصيل رحلته في الحياة قبل توليه مقاليد الحكم وكذلك يسرد قصة مسيرة الشارقة الإمارة الحبيبة عاصمة الثقافة والفعل الإبداعي العربي.
مكانة محببة
لم يغب الشعر عن كتابات صاحب السمو حاكم الشارقة، بل احتل مكانة محببة شديدة الخصوصية، فقد ألّف العديد من الكتب في هذا المقام، وله مؤلفات ذات طابع توثيقي عن جده الشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي حاكم الشارقة «1924 1951م»، مثل: «نشيج الوداع القصائد الأخيرة للشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي». و«مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر وصديقه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصديقي»، و«الطيب في قصائد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي»، وسموه من خلال تلك المؤلفات يُبحر في عوالم التجربة الشعرية لجده، ويُعيد تسليط الضوء عليها، خاصة أنها أشعار امتازت بالفصاحة والجزالة والأصالة العربية، ويأتي الاهتمام بها في سياق المجهودات المبذولة في نشر الأدب الإماراتي المتصل بالقرن العشرين، وهي عملية لها أهميتها الكبيرة في الحفاظ على المنتج الشعري لمبدعي الإمارات، خاصة في مجالي النظم الفصيح والنبطي، وكذلك في مجال حفظ اللغة العربية، عبر التوثيق لتلك الأعمال التي تحتشد بالمفردات والألفاظ الأصيلة، ولقد بذل صاحب السمو حاكم الشارقة، جهداً توثيقياً ومعرفياً كبيراً في هذا الصدد، فقد عمل على تحقيق تلك الأعمال وشرحها بطريقة أدبية ممتعة ورفيعة تشجع القارئ على الاطلاع عليها. كما حظيت اللغة العربية باهتمام أكبر من قبل سموه وهو الذي ترجمه إلى إصدار غير مسبوق تمثل في «المعجم التاريخي للغة العربية»، وهو المشروع المعرفي الأكبر للأمة، حيث يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر.
علاقة قديمة
علاقة صاحب السمو حاكم الشارقة بالصحافة قديمة، وتؤكد على أهمية الكلمة عنده، ولديه العديد من المقولات في هذا الجانب ولعل الجميع يذكر تلك الكلمات التي أطلقها عن أهمية العمل الصحفي عندما قال: «إن الكلمة الصادقة والهادفة تعزز من مصداقية الصحافة، وعلى كل صاحب قلم أن يحرص على تدوين الكلمة الطيبة ويبتعد عن كل كلمة منفرة وأن يحرص كذلك على كتابة الكلمة التي تحث على التعاون والترابط ويبتعد عن كل كلمة يمكن لها أن تحدث شقاً في الصف»، وقد أدلى سموه بذلك القول عام 2019، أمام حضور حفل افتتاح معهد التدريب والتكنولوجيا الذي أقيم بمكرمة سخية من سموه ضمن مبنى نقابة الصحفيين الواقع في العاصمة المصرية القاهرة، وقد أشار سموه في تلك المناسبة إلى قصة بداية عمله الصحفي التي ذكرها في كتابه «سرد الذات»، وفي الوقت الراهن يمارس صاحب السمو حاكم الشارقة فعل كتابة المقالة الصحفية، وتتميز مقالاته بالغوص في التاريخ العربي والإسلامي، وكشف العديد من الحقائق التي غابت عن أذهان الكثيرين، وتحمل مقالاته عناوينَ مباشرةً تحمل الفكرة ولا تخلو من الإثارة، فهي تحرّض القارئ على القراءة بما تحمل من معلومات وأفكار ومن هذه المقالات التي لفتت الانتباه إلى العديد من القضايا المهمة تلك التي حملت عنوان «الخنجر المرهون»، وهو مقال من جزأين ويتطرق إلى تفاصيل عن حياة سموه، وهناك أيضاً مقالة بعنوان «من القاتل»، وهي عن مقتل الإمام عبد العزيز بن محمد آل سعود في سنة 1218ه، الموافق عام 1803م، وتتناول الكثير من الأحداث المهمة، وأخرى تحمل عنوان «حقيقة تاريخ عُمان»، يسجّل خلالها زيارة مختلفة إلى التاريخ، ويخرج بالكثير من العبر والدروس، ويتوقف عند «مفهوم الحقيقة»، حيث يؤكّد سموه على أن الحقيقة هي «ما يجب على الإنسان أن يحميه، وحقيقة تاريخ عُمان، واجب عليَّ قمت بتحقيقه بكل أمانة».
وهناك العديد من المقالات الأخرى التي تكتسب أهميتها من حجم وكمية المعلومات التي فيها، كما أن سموه في هذه المقالات يعيد تعريف العديد من المفاهيم، فالكتابة الصحفية عند سموه تتسم بالمصداقية والتنقيب في التاريخ بما يخدم الحقيقة والعصر.
0 تعليق