«أنماط الفكر».. الفلسفة توأم الأدب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود

هناك الكثير من الفلاسفة الذين قدموا أطروحات مميزة، وبرعوا في صناعة مفاهيم قدمت إضاءات مهمة حول العديد من المواضيع، ولهم مقولات تردد من دون أن يعرف الناس عنهم شيئاً، أمثال هؤلاء المفكرين لم ينالوا قدراً كبيراً من الاهتمام، رغم عطائهم الكبير والواضح، ربما لأنهم عاشوا في زمن أصبحت فيه الفلسفة أكثر تخصصية عن ما سبق، لكن ظهورهم في هذا الحقل المعرفي المهم، كان بمنزلة قدر محبب، أعاد للتفلسف توهجه القديم، وأعلن أنه لا يخبو أو يتوارى.
كتاب «أنماط الفكر»، للفيلسوف المفكر وعالم الرياضيات الإنجليزي ألفرد نورث وايتهيد، الصادر في نسخته العربية عن دائرة الثقافة في الشارقة، يعد من أهم المؤلفات الفلسفية والفكرية في الوقت الراهن، فهذا الفيلسوف قدم أطروحات غاية في الأهمية في واقع المعرفة المعاصر، حيث يتجول الكتاب في أبرز تلك المنجزات التي قدمها وايتهيد الذي يكتسب في عالم الأفكار اليوم مكاناً مميزاً وشديد الخصوصية، خاصة أنه عمل بقدر الإمكان على تحويل المفاهيم والرؤى والمصطلحات الفلسفية إلى مادة يمكن أن يتعاطاها القراء بشيء من اليسر، فالفلسفة عنده باتت قريبة من الأدب، تحرض القراء على الإقبال عليها، وفهم الروابط بين الأشياء مهما كانت خفية.
فتوحات
تبرز أهمية وايتهيد في حقل الفلسفة، باعتباره من القلة التي حاولت أن تعيد إلى الفلسفة طبيعتها الكلية الموسوعية في زمن سادت فيه التخصصية، فلئن كان عهد «الأنساق الشاملة»، في الفلسفة قد غربت شمسه في وقت باكر منذ عهود «هيجل»، و«كانط»، و«نيتشه»، وغيرهم من كبار المفكرين الغربيين، إلا أن فلسفة وايتهيد عبرت بالفعل عن مولد «نسق فلسفي شامل»، وهو الأمر الذي وجد قبولاً واسعاً وكبيراً داخل حقل العلوم الفلسفية، وبفضل ذلك الأمر عُدَّ وايتهيد من كبار المفكرين في العصر الحديث، وإليه يعود الفضل في توهج الفلسفة مجدداً، غير أن هذا الرجل لم ينل ذات شهرة المفكرين المعاصرين الذين أصبحوا نجوماً من أمثال: جيل دولوز، وميشيل فوكو، وجاك دريدا، ونعوم تشوميسكي، وغيرهم من أسماء لمعت في سماء الفكر الغربي، حيث ظلت شهرة وايتهيد داخل الحقل الفلسفي نفسه، وتمدد أثره إلى الكثير من المنجزات المعرفية والعلمية، ولعل موضوع الكتاب يركز على تلك الفتوحات الكبيرة التي أحدثها ظهوره النادر في عالم الفلسفة الحديثة، حيث وجدت أفكاره وتصوراته طريقها، في الوقت الحالي، للتطبيق في مجالات عدة بما في ذلك الإيكولوجي «علم البيئة»، والتربية والفيزياء والبيولوجيا والاقتصاد والسيكولوجيا وغيرها.
محتويات
يقع الكتاب في 323 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على عدد من المواضيع والمحاضرات التي ألقاها وايتهيد، ويقع في 4 أجزاء، جاء الأول بعنوان: «الحافز الإبداعي»، ويتضمن 3، محاضرات حول «الأهمية»، و«التعبير»، و«الفهم»، أما الجزء الثاني، فهو يشتمل على محاضرات بعناوين: «المنظور»، و«صيغ الصيرورة العلمية»، و«الكون ذو الطابع الموضوعي»، بينما يتناول الجزء الثالث محاضرات عن: «الحياة والطبيعة»، و«الطبيعة غير الحية»، و«الطبيعة الحية»، أما الجزء الرابع فهو عبارة عن خاتمة يستعرض فيها وايتهيد خلاصة أفكار الكتاب ويتناول قضية «الهدف من الفلسفة»، وهو مضمار تتجلى فيه براعة المؤلف خاصة في مقارنته بين الفكر والإبداع.
لحظة
ترصد مقدمة الكتاب لحظة الفلسفة في مسيرة وايتهيد بعد أن سنوات قضاها في حقل العلوم والرياضيات إلى أن أصبح أستاذاً للفلسفة في جامعة «هارفرد» الأمريكية وبقي هناك حتى موته عام 1947، وعرف عنه أنه كان معادياً لما يسمى بالعلم المادي أو المادية العلمية مطوراً منهجية، بعيدة عن المسار العلمي والمسار الفلسفي الذي كان سائداً آنذاك، وهي منهجية ذات بعد تجريدي عميق تناولت بالمناقشة والبحث، مفاهيم الطبيعة الأساسية.
وظيفة الفكر
يطلق وايتهيد في الكتاب العنان لأفكاره ولخياله الجامح في رصد العلاقة بين الأشياء والمواضيع، يتجلى ذلك الأمر بصورة أساسية في حديثه المميز عن أهمية الفلسفة، فهو يحدد بشكل مفصلي متى يحتاج العالم إلى التفلسف، ويشير إلى أن «المستقبل كبير، مملوء بإمكانات الإنجازات الإبداعية، وفي الوقت نفسه هو مملوء بالمآسي والآلام، وضمن هذا المشهد من الفكر الإبداعي تلتقط الفلسفة وظيفتها المميزة.
الشعر
يتوهج الكتاب بتلك الأطروحات التي يقدمها وايتهيد حول الفلسفة عبر الكتابة عنها بلغة شاعرة حالمة عامرة بالدلالات والمعاني، فهو يرى أن: «استخدام الفلسفة يكمن في إدامة ما هو متجدد في مجال الأفكار الأساسية التي تقوم بدور المصابيح وسط ظلام الأنظمة الاجتماعية». إن الفلسفة نزعة صوفية، متجهة صوب الإلهام المباشر وداخلة إلى ميادين من التعبير لم تعرفها البشرية سابقاً. والفلسفة ذات علاقة قوية بالشعر، وهو يؤكد أن الفلسفة فعل إبداعي.
إضاءة
ولد وايتهيد «1861 -1947»، وهو من أهم الفلاسفة المعاصرين، حاز على وسام «ميريت»، وزمالة الجمعية الملكية وزمالة الأكاديمية البريطانية، يُعرف بكونه الشخصية الأساسية في المدرسة الفلسفية المعروفة باسم «فلسفة الصيرورة»، في بداياته كتب بشكل أساسي في الرياضيات والمنطق والفيزياء. لعل أهم عمل له في تلك المجالات العلمية هو كتابه الذي يقع في مجلدات ثلاثة «مبادئ الرياضيات»، وكتبه مع الفيلسوف الكبير برتراند راسل.

اقتباسات
«أنت في كل لحظة إنسان جديد».
«يتوجب البحث عن الحقيقة الفلسفية، ليس في ظاهر اللغة، بل في المعاني».
«الفلسفة على علاقة حميمية بالشعر كلاهما يعبران عن الوعي».
«المفاهيم العمومية ليست لها تعريفات محددة».
«هناك شيء من الحذلقة في جميع حالات الفكر».
«الطيور المغردة تصدر أصواتاً جميلة، لكن لا يمكننا نعتها بالمتحضرة».
«إن تصادم الفكرتين لا يمنعهما من أن تحتاج كل واحدة منهما إلى الأخرى».
«الأدب الجيد يتحاشى السقوط في أحضان التعميم الفلسفي».
«الأدباء، في الأغلب، يمتنعون عن الاستخدام المبهم للكلمات».

أخبار ذات صلة

0 تعليق