الناشر: دائرة الثقافة الشارقة
الشارقة - عثمان حسن
«سردية العجائبي في الرواية العربية» للباحث المغربي إبراهيم الكراوي، هو أحد الكتب المتخصصة الذي يعيد من خلاله المؤلف قراءته في سؤال المنهج وإشكالية التجنيس بغية إعادة التفكير في الأفق العجائبي للرواية العربية، وذلك ضمن قالب معرفي.
تأتي أهمية هذه الدراسة في كونها تُخضع النقد الأدبي إلى مفاهيم أكثر ارتباطاً بالأنثروبولوجيا الثقافية والتعامل معها كمنهج قادر على تفكيك النصوص الروائية وإبراز خصوصياتها وجمالياتها.
صدر الكتاب عن دائرة الثقافة بالشارقة وجاء في 255 صفحة واشتمل على قسمين رئيسيين: نظري وآخر تطبيقي، واشتمل كل قسم على ثلاثة فصول رئيسية على النحو التالي: تضمن القسم النظري الفصول التالية: (العجائبي: سؤال المنهج وإشكالية التجنيس، حدود العجائبي وقضية القرابة بين الأجناس، تشكل الظاهرة العجائبية: الجذور.. المرجعيات.. الآفاق) وتضمن القسم التطبيقي الفصول: (الخطاب الميكرو العجائبي والخيال الأنثروبولوجي، ميثاق الميكرو عجائبي وتحولات الشخصية من السيري إلى العجائبي، التخييل العجائبي كاشفاً لأنساق الثقافي.. الواقعي.. التاريخي).
* تخييل
يؤكد إبراهيم الكرواي أن التخييل العجائبي في الإنتاج الروائي يغذي التخييل السردي وينسج حكائية الرواية، وأن تمثل العجائبي في النص الروائي العربي ليس من باب الترف الخيالي، أو التجريد الذي يبتعد بالنص عن الواقع وقضايا الأمة، بل يحضر باعتباره كاشفاً للأسئلة التي تجلي علاقة الكتابة السردية بالراهن المجتمعي وقضاياه، ويضيء سؤال تأصيل الكتابة السردية العربية ورهاناتها المختلفة.
وبهذا المعنى يستخلص المؤلف أن الحكاية العجائبية انتقلت في الأصل من رحم الثقافة الشفوية، لتستقر بين أحضان المدون والمكتوب، وطقوس وتقاليد وفضاءات إنسانية موغلة في التاريخ، ولكنها ظلت متوجهة نحو المستقبل.
ويحاول إبراهيم الكراوي في بحثه لمقاربة الخطاب العجائبي في الرواية تطوير آفاق السرد الروائي العجائبي منطلقاً من منجز السرديات متحرراً من كل تلك النظريات الجامدة التي لا تواكب النص الروائي الجديد منفتحاً على مفاهيم الأنثروبولوجيا الثقافية والرمزية ومسترشداً كذلك بمنجزات نقاد حقل السرديات مثل سعيد يقطين، شعيب حليفي، محمد مفتاح، عبد الله إبراهيم، وغيرهم، وهو يشير إلى ريادة الناقد والروائي شعيب حليفي على صعيد دراسة العجائبي العربي وضبط المصطلح، والدقة المنهجية التي جعلت مباحثه في تحليل الخطاب العجائبي تصل إلى نتائج فعالة على صعيد الممارسة النقدية.
* المفهوم النظري
يشير إبراهيم الكراوي في المدخل النظري لكتابه الذي ينطلق من نظرية وتطور مفهوم الجنس الأدبي مدخلاً يفيد في مقاربة وتحليل مصطلح السرد العجائبي، إلى مسألة التجنيس كمعضلة أولى تواجه مقاربة ذلك المصطلح، فمنذ ظهور بعض الأعمال والكتّاب الذين ارتبطت أسماؤهم بـ«الفانتاستيك» أمثال ألان إدغار بو وإرنست غوتيير وهنري جيمس وبعد ذلك كافكا وبورخيس وغيرهم، بدأ المصطلح وما يوازيه من مصطلحات مجاورة، ينتشر ليدل على جنس من الأجناس الأدبية التي بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، ليعكس بذلك القلق الفردي والواقع الكابوسي الذي يعانيه الإنسان المعاصر.
يقول إبراهيم الكراوي: «إن عائلة أجناس السرد العجائبي تمثل المقولة الكلية والمثالية التي يتفرع عنها كل من الفانتستيك والغرائبي والعجيب والغريب، وقصص الخيال العلمي وغيرها، فقد كانت قصص الجن والمحكيات الشفهية، والمتخيل الميثولوجي والأنثروبولوجي وسير الأقوام السالفة منابع سردية تغذي التخييل العجائبي، وقد تطورت هذه النماذج التي اصطلح على تسميتها الأشكال السردية بفعل عوامل متباينة سواء ما ارتبط منها بأحداث وثقافة العصر وقضاياه، أو التحولات التي عرفتها رحلة الإنسان عبر العصور والأزمنة السحيقة».
* حدود المصطلح
يشير الكراوي تحت عنوان (حدود العجائبي وقضية القرابة بين الأجناس) إلى مجموعة إلى النقاد العالميين الذين قاربوا مفهوم «الفانتستيك» أو العجائبي مثل: لي روبرت، الذي يعتبره «خلخلة للنظام المألوف»، والمؤلف يسجل مجموعة من الملاحظات التي لا نعثر فيها على تمييز واضح بين الفانتستيك وأشكال أخرى من التخييل العجائبي، ويستنتج أن هناك بعض المغالطات التي سقط فيها التحديد، مثلما الأمر حين يخلط بين العجائبي والأساطير، كما يشير إلى أن «الفانتستيك» هو المتخيل، وهي صيغة ملتبسة، بما أن المتخيل يشكل أحد مكونات النصوص الأدبية، بغض النظر عن نوعها، وقد تنبه كثير من النقاد والباحثين عرباً وأجانب إلى إشكالية حدود المفهوم، ما حدا بالبعض إلى محاولة الحفر في نظرية تستجمع أشلاء السرد العجائبي عبر تاريخ السرد، ومنهم شعيب حليفي في «شعرية الرواية الفانتاستيكية» وسعيد يقطين في «ذخيرة العجائب».
ويقارب الكراوي مفهوم العجائبي بين مجموعة من النقاد مثل: بيير جورج كاستكس الذي قدم أطروحة «الحكاية الفانتاستيكية في فرنسا من نوديير إلى موباسان» سنة 1951، ولقي الكتاب بعد صدوره اهتماماً كبيراً في فرنسا بشكل خاص، وذلك باعتباره من أهم المؤلفات التي أسست النظريات الأولى في الأدب العجائبي، وتندرج مقاربته في إطار المقاربات التاريخية فهي ترصد ولادة السرد العجائبي وتطوره من خلال مجموعة من العوامل التاريخية التي مهدت لظهوره.
كما يشير إلى روجيه كايوا الذي يضع حدود العجائبي ضمن مفهوم القطيعة مع العالم المنطقي الذي يميز الواقع، والملاحظ أن مفهوم القطيعة الذي تبناه كايوا لا يوضح السمات الداخلية التي تمكننا من تمييزه عن السرد العجائبي عن قصص تنتمي إلى نفس العائلة، وهو يميز بين عجائبي قصص الجن وعجائبي الخيال العلمي.
* اللاوعي
يؤكد إبراهيم الكراوي في كتابه أن السرد العجائبي ينزع إلى إثارة أسئلة الذات والكشف عن اللاوعي الإنساني، وما يختزنه من ترسبات الواقع والصراعات المحتدمة بين الأنا والعالم الخارجي، فالعجائبي من هذا المنظور آلية لاستبطان النفس الإنسانية والكشف عن ترسباتها التي تعود إلى أزمنة غابرة في اللاوعي الفردي والجمعي، من هنا، فحضور العجائبي في السردية العربية قديمها وحديثها، يمثل كشفاً للّاوعي الجمعي وإثارة لأسئلة الواقع المرعب الذي تعيشه الذات العربية، ومختلف تحدياتها، وتشريحاً لوضعية هذه الذات في علاقتها بالواقع.
* خطاب
ويقارب إبراهيم الكراوي بعض النصوص للرواية التي اشتغلت على إنتاج خطاب تخييلي أنثروبولوجي ميكرو عجائبي، ويتتبع مقولة التحول والمسخ في هذه الروايات ويتوقف -على سبيل المثال- عند «سيرة حمار» للمغربي حسن أوريد، ويستخلص من خلالها نتائج تتجاوز حدود التمثل الجمالي للتخييل الأنثروبولوجي العجائبي إلى تمثل كيفية ترهين الخطاب السردي وإنتاج رؤية للعالم، في هذه الرواية التي تدور قصتها حول شخصية حمار يفكر كإنسان ويعيش في عالم يحكمه الانحلال الأخلاقي والفساد السياسي، وتتحول هذه الشخصية إلى رمز ينقل رؤية مختلفة عن الحياة والإنسانية. والرواية تتضمن قصصاً وتحليلاً للواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمع المغربي، وكذلك تمس الإنسانية الجامعة. هي رواية سياسية وفلسفية عن قسوة الواقع، وتعد من الأعمال البارزة في الأدب العربي المعاصر
* اقتباسات
* العجائبي حسب بيير كاستكس، هو ذلك السر الخفي الذي يخترق الحياة الواقعية.
* أحداث الرواية العجائبية تحدث داخل أجواء مرعبة.
* الفانتاستيك ينهض على الخيال المحض المتحرر من الحدود.
* طرحت الرواية العربية الأسئلة الكبرى، وحفرت في الثقافي والسياسي.
* الجنون إحدى الثيمات التي حركت الإنتاج الإبداعي القديم.
* اللاوعي آلية لتوليد السرد وتداخل الحقيقي والواقعي بالتخييل واللامنطقي.
*السرد العجائبي ينتج فوضى تعكس رمزية الوجود الإنساني وعلاقته بالعالم.
0 تعليق