تحقيق: محمد إبراهيم
تُعد فترة ما قبل الامتحانات النهائية لكل فصل دراسي، موسماً ذهبياً لنشاط سوق الدروس الخصوصية، التي تشكل سباقاً مشتعلاً بين المعلمين، مدعوماً بعروض مغرية وخصومات كبيرة على أسعار الحصص، لجذب أكبر عدد من الطلاب، لتستحوذ على الساحة في الوقت الراهن، وتصبح لاعباً رئيسياً في موسم الامتحانات.
عدد من أولياء الأمور أكدوا أن التنافس المتزايد بين المعلمين الخصوصيين، سواء بالحضور الواقعي أو التعليم عن بُعد، إلى جانب مراكز التقوية والمدارس، جعل الدروس الخصوصية متاحة للجميع، حيث لم تعد مجرد خيار إضافي، بل أداة فعالة لتحسين أداء الطلبة في مختلف المواد الدراسية، ودعامة قوية لدعمهم على المستويين التعليمي والمعنوي.
بويرى معلمون أن التنافس المتصاعد في سوق الدروس الخصوصية أمر طبيعي، خاصة بعد التقنين الأخير الذي نظم هذا القطاع وفتح المجال أمام شرائح متنوعة للانخراط في مجال التدريس الخصوصي، مؤكدين أن دروس التقوية أصبحت أداة فعالة تعزز مستويات الطلبة أكاديمياً ومهارياً، وتعدّهم بشكل أكثر كفاءة لخوض الامتحانات بثقة واقتدار.
أوضح عدد من مديري المدارس أن الانتعاش الملحوظ في سوق الدروس الخصوصية خلال هذه الفترة يُعد ظاهرة مألوفة مع اقتراب امتحانات نهاية الفصل الأول، وفي ظل هذا النشاط المتزايد، بادرت المدارس بتخصيص فصول دعم تعليمي تهدف إلى معالجة نقاط الضعف الأكاديمية لدى الطلبة، بما يسهم في تعزيز جاهزيتهم للامتحانات وتحقيق أداء أفضل.
مواكبة التطورات
فيما شدد خبراء على أهمية مواكبة التطورات السريعة في قطاع التعليم بتحديث اشتراطات وضوابط التدريس الخصوصي بشكل مستمر، مع ضرورة إنشاء فرق رقابية متخصصة لتقييم أداء الدروس الخصوصية ومراقبة جودة مخرجاتها، بما يضمن تحقيق أعلى معايير الكفاءة في دعم الطلبة وتحسين مستوياتهم التعليمية.
وحذر خبراء في التربية الاجتماعية والأسرية من خطورة اعتماد الطلبة المفرط على الدروس الخصوصية، مشيرين إلى وجود 10 أضرار رئيسية قد تنعكس سلباً على الطلبة، أبرزها غرس روح الاتكالية والتبعية، وضعف الاعتماد على النفس، وفقدان القدرة على تطبيق أساليب التعلم الذاتي.
منافسة محتدمة
«الخليج» تستعرض مع أطراف الميدان التربوي، خفايا المنافسة المحتدمة بين معلمي الدروس الخصوصية وتأثيراتها المباشرة على تحسين مستويات الطلبة، وتناقش الجوانب السلبية التي قد تترتب على اعتماد الطلبة المفرط عليها.
خصومات كبيرة
رصدت «الخليج» نشاطاً ملحوظاً في سوق الدروس الخصوصية مع اقتراب امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي الجاري 2024-2025، المقرر انطلاقها في 27 نوفمبر الجاري، وبرزت موجة تنافسية قوية بين المعلمين ومراكز التقوية، ما أدى إلى تقديم خصومات كبيرة على أسعار الحصص، حيث وصلت قيمة الحصة في بعض المراكز إلى 50 درهماً فقط للمواد المهمة مثل الرياضيات والفيزياء واللغات.
مبادرات المدارس
في ظل هذا الانتعاش الكبير في سوق الدروس الخصوصية، بادرت المدارس إلى اتخاذ خطوات داعمة للطلبة من خلال تخصيص فصول تقوية مجانية لطلابها، وركزت هذه الفصول على اكتشاف ومعالجة نقاط الضعف لدى الطلبة في المواد الدراسية المختلفة.
كما وضعت إدارات المدارس خططاً علاجية سريعة، تستهدف تحسين مستويات الطلبة التعليمية والمعرفية، لتجهيزهم بشكل أفضل لخوض الامتحانات، وهو ما يعكس دور المدرسة في تقديم الدعم التعليمي المتكامل.
إقبال واسع
لوحظ تزايد كبير في الإقبال على الدروس الخصوصية من قبل الطلبة في جميع المراحل الدراسية، خاصة طلبة المرحلة الثانوية، وقد توزع الطلبة بين خيارات متعددة، شملت التعاقد مع معلمين خصوصيين، أو التسجيل في مراكز التقوية، أو حتى الاستفادة من فصول الدعم المجانية التي تقدمها المدارس.
هذا التنوع في الخيارات منح الطلبة وأولياء الأمور مرونة أكبر في اختيار ما يناسب احتياجاتهم الأكاديمية.
خلق الفرص
أكد عدد من أولياء الأمور «سماح علي وسهام محمد وعبد الله حمدان وساجد منير»، أن وفرة الخيارات المتاحة في سوق الدروس الخصوصية مع التنافس الكبير بين المعلمين والمراكز، أسهم في جعلها أكثر سهولة للوصول وأقل تكلفة في بعض الأحيان.
وأشاروا إلى أن أبناءهم بحاجة ماسة إلى دروس تقوية، خاصة في مواد مثل الرياضيات والعلوم، لتحسين أدائهم الأكاديمي ورفع معدلاتهم النهائية، خصوصاً طلبة الصف الثاني عشر، الذين يعدّون هذا العام حاسماً في تحديد مسارهم الجامعي ومستقبلهم المهني.
تفاوت الأسعار
أوضحوا أن أسعار الدروس الخصوصية تختلف حسب نوع الخدمة والموقع، فالمعلم الخصوصي الذي يدرّس الطلبة في المنزل يعتبر الأغلى، حيث تصل تكلفة الحصة الواحدة إلى 100-150 درهماً، بينما تقل التكلفة عند التعلم عن بُعد إلى 75-100 درهم.
أما في مراكز التقوية، تتراوح تكلفة الحصة بين 50 و80 درهماً حسب المادة الدراسية وعدد الطلبة في المجموعة الواحدة، مما يوفر خيارات متعددة تلائم مختلف الفئات.
المنافسة والجودة
أكد عدد من المعلمين «إبراهيم حسين وسهام حمد، عبد الله علي وإبراهيم عدنان»، أن المنافسة المتزايدة بين مقدمي الدروس الخصوصية أسهمت في رفع مستوى الجودة، حيث يركز الجميع على تحسين طرق الشرح وإيصال المعلومات للطلبة بكفاءة عالية.
كما أشاروا إلى أن استخدام الوسائل الرقمية والتقنيات الحديثة أسهم في تعزيز تجربة التعلم، مؤكدين أن هذا التنافس يصب في مصلحة الطالب ويزيد من فرصته لتحقيق النجاح الأكاديمي.
خطط المدارس
من جهة أخرى، أكد مديرو المدارس «خلود فهمي وإليزابيث موريس وحميدان ماضي»، أن إدارات المدارس اتخذت خطوات موازية لسوق الدروس الخصوصية من خلال تخصيص فصول دعم مجانية، تركز على الطلبة الذين يعانون نقاط ضعف في بعض المواد الدراسية، مشيرين إلى أن هذه الفصول تتم عقب انتهاء اليوم الدراسي، مع تطبيق خطط علاجية تستهدف تحسين أداء الطلبة، إضافة إلى تدريبهم على التعامل مع أسئلة الامتحانات بفاعلية.
وأكدوا أن هذه الجهود أثمرت عن نتائج إيجابية ملموسة خلال الأسابيع الماضية، حيث أظهرت الفصول نجاحاً كبيراً في رفع مستويات الطلبة.
تحذيرات من الإدمان
من جانبها، حذرت المستشارة التربوية الأسرية أميمة حسين من الإفراط في الاعتماد على الدروس الخصوصية، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية على الطلبة، أبرزها ضعف قدرتهم على التعلم الذاتي وتطوير مهارات التفكير النقدي.
وأوضحت أن الاستخدام المفرط لدروس التقوية قد يخلق فجوة بين الطلبة ومدارسهم، ويزيد من اعتمادهم على الآخرين بدلاً من تنمية مهاراتهم الشخصية.
وأوضحت أن أبرز الأضرار الناتجة عن إدمان الدروس الخصوصية تتمثل في ضعف الدافعية للحضور المدرسي وتلقي التعليم الرسمي، وتعزيز الاتكالية والتبعية، وتقليل قدرة الطلبة على حل المشكلات بأنفسهم، وغياب الثقة بالنفس والشعور بالعجز عن تحقيق النجاح دون دعم خارجي، وارتفاع التكاليف المالية والاجتماعية، وانعزال الطلبة عن أقرانهم.
دعوات وتوصيات
شدد خبراء تربويون على أهمية تطوير ضوابط جديدة لمزاولة التدريس الخصوصي، بما يتماشى مع التطورات السريعة في قطاع التعليم، وأوصوا بتشكيل فرق رقابية متخصصة لمتابعة الدروس الخصوصية، وضمان توافقها مع معايير جودة التعليم في الإمارات.
كما دعوا إلى وضع خطط تدريبية لتأهيل المعلمين العاملين في هذا المجال، وتحديد أسعار الحصص بما يحقق التوازن بين جودة التعليم وتكاليفه.
نظرة مستقبلية
أشارت الخبيرة التربوية آمنة المازمي إلى أن الدروس الخصوصية باتت جزءاً أساسياً من المنظومة التعليمية، لكنها أكدت ضرورة تنظيمها بشكل أكبر.
وأوضحت أن وجود رقابة فعالة على هذا القطاع يضمن تحقيق أهدافه كأداة مساعدة تعزز من مستوى الطلبة وتتماشى مع معايير جودة التعليم التي تتبناها دولة الإمارات.
0 تعليق