ماذا نعرف عن الثقافة العربية في الخارج؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود

امتدت الحضارة العربية في الماضي لتشمل معظم دول العالم، وكان لها وجودها المؤثر والفعّال ثقافة وفكراً وآداباً، وكذلك على مستوى العلوم والمنجزات التي أصبحت ركيزة للكثير من الحضارات التي ظهرت فيما بعد سواء في الغرب أو بقية أنحاء الأرض، وتسربت تلك الثقافة في منجزات الحضارات الأخرى وإنتاجها الإبداعي والمعرفي والعلمي، ودائماً تتم الإشارة إلى مفكرين وعلماء وفلاسفة عرب كان لهم حضورهم الكبير في ثقافات الشعوب الأخرى، كان ذلك ماضياً زاهياً لا يزال العرب يتلفتون إليه بقلوبهم ووجدانهم في كل حيث، ولكن ما هي الجهود المبذولة للتنقيب عن مظاهر تلك الحضارة الآن في الخارج؟.
تبدو ثقافتنا في الخارج غابة مجهولة، وذلك الأمر في ما يبدو يحتاج إلى جهود كبيرة وحقيقية. فعلى الرغم من وجود معطيات على وجود مقتنيات ومؤلفات وآثار ثقافية عربية في مختلف أنحاء العالم، إلا أننا لا ندري عنها كثيراً، فأي ثقافة خارج الحدود تعرف من خلال منجزها وتأثيرها، فعلى سبيل المثال، رغم وجود عدد كبير من المخطوطات العربية في مختلف متاحف العالم، والغرب بصفة خاصة، إلا أنه لا توجد دراسة توضح عدد تلك المخطوطات ما عدا الأرقام التقديرية، كذلك لا يوجد إحاطة بحجم المادة المترجمة للأدب والفكر العربي في الخارج، وهذه أشياء لا يبدو أن هناك اتفاقاً حولها أو معلومة حقيقية أو رصد لها، ولا بد من دراستها لمعرفة زخم ثقافتنا خارج حدود البلدان العربية، ولابد من تضافر الجهود في هذا المجال حتى لا يظل الإنتاج الثقافي العربي متناثراً في الخارج، لا يدري عنه العرب شيئاً.
في هذا السياق تحدث إلى «الخليج»، عدد من الكتاب والباحثين عن أثر الثقافة العربية في الخارج بين الماضي واليوم، حيث أشاروا إلى حجم الكنوز الكبيرة للآثار العربية والإسلامية، كما تحدثوا عن أهمية الترجمة، وتناولوا المؤلفين والكتّاب العرب الذين يكتبون بلغات أخرى ودورهم في التعبير الثقافة العربية.

تغلغل
الكاتب القاص والروائي إبراهيم مبارك، تناول بصورة عامة ماضي الحضارة العربية وتغلغلها في كل العالم، والتي كانت شاهدة على مقدرة الإنسان العربي على التمدد في كل جغرافيا الدنيا ناقلاً معه تجاربه وثقافته ولغته ونمط عيشه إلى بقاع غريبة عنه، وصنع حياة ومعارف لم تلقَ اليوم اهتماماً كبيراً من قبل المؤرخين والمؤلفين والكتاب، لم تتحول إلى منتوج معرفي وأدبي، بالتالي صار حجم الثقافة العربية في الخارج أمر يجهله الكثيرون، على الرغم من وجوده الواضح في الكثير من المؤلفات الغربية سواء في الأدب أو الفلسفة والفكر، حيث إن التأثر يبدو واضحاً وقوياً، وذلك يلقي على عاتق المثقف العربي مسؤولية اقتحام ذلك المجهول والبحث فيه.
ولفت مبارك إلى أن الحضارة العربية في الخارج تعرضت للانتكاسة منذ سقوط الأندلس، وذلك أمر طبيعي حيث إن لكل حضارة انتكاساتها، ولكن بدلاً عن الاكتفاء بالبكاء على «الفردوس المفقود»، كان لابد من جهود لمعرفة أثر العرب على تلك البقاع في الماضي والحاضر.
وأوضح مبارك أن كثير من الكتاب الغربيين كتبوا عن الثقافة العربية في الغرب بمحبة، ولم تتم ترجمة أعمالهم إلى اللغة العربية، رغم أهمية تلك المنجزات التي تحدثت عن المخطوطات العربية، وكذلك عن حجم تأثير المفكرين والأدباء العرب في السابق والعصر الحديث، وذلك يشير إلى تقصير في جانب الترجمة كجانب مهم في هذه العملية المهمة المتمثلة في البحث عن أثر الثقافة العربية في الخارج.
ويواصل مبارك حديثه عن أهمية الترجمة من حيث معرفة أثر الثقافة العربية في الخارج، وكذلك في تعريفها ونقلها للإبداع والمنجز العربي خارج الحدود، وتلك عملية مهمة، إذ أن الترجمة هي وسيلة تواصل وتعارف مهمة بين الشعوب، موضحاً أن الترجمة كانت قد شهدت انتعاشاً كبيراً في السابق، لكن اليوم يوجد ركود كبير إلا من بعض الإشراقات هنا وهناك، وهذا الأمر يصنع ميزاناً مختلاً في حجم العلاقة بين العالم العربي والخارج، حيث إن عدد المؤلفات والكتب المنقولة من اللغات الأخرى إلى العربية، أكبر من المنقول من لغتنا إلى الألسن الأخرى.
ولفت مبارك إلى هناك العديد من الكتَّاب العرب في الخارج، لا يعلم الناس عنهم الكثير، يكتبون بلغات أجنبية خاصة الإنجليزية، ولا شك أن لهم الكثير من الأثر والجهود في إبراز الثقافة العربية عبر لسان غير العربي.
هوية
من جانبه التقط الروائي الكبير على أبو الريش الحديث عن الكتَّاب العرب في الخارج، والذين مارسوا فعل الكتابة بلغات أخرى، مشيراً إلى أن معظم هؤلاء الكتَّاب خرجوا من بلدانهم في ظل ظروف قاهرة ساد فيها التعسف وانعدام الحريات، وبالتالي حملت مؤلفاتهم سواء الإبداعية أو الفكرية بذرة النقمة على الثقافة العربية، وحملت الكثير من السلبية، ولأنهم أصبحوا جزءاً من حضارة جديدة، حاولوا أن يثبتوا ولاؤهم الجديد عبر نفي القديم، لكنهم في المجمل لم يستطيعوا أن يعبروا عن ثقافتهم الجديدة، ولا نجحوا، في الأغلب، في التعبير عن تلك القديمة التي تسري في عروقهم، لأنهم تخلوا عن هويتهم.
غير أن «أبو الريش»، يشير إلى بعض الإشراقات التي يصفها بالقليلة التي استطاعت بالفعل التعبير عن الثقافة العربية بلغات أخرى، كتبوا حكايات وقصص تعرض أبعاد عن الحياة العربية، وهنالك أمثلة معروفة عن عدد من هؤلاء الكتاب في عدد من بلدان الغرب تحديداً، وهؤلاء كان لهم أثرٌ إيجابيٌ في عكس الثقافة العربية في الخارج، ولكن عموماً هناك العديد من الكُتاب العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية، خاصة في المغرب العربي، لكن لا أثر يذكر لأعمالهم، حيث إن المهم في هذه العملية أن تتم كتابة الأدب العربي بلسانه، أي بالعربية لأنه يعبر عن الثقافة والواقع، مثلما فعل العديد من الكتاب العرب وعلى رأسهم نجيب محفوظ وغيره من الأدباء الذين ظلت أعمالهم راسخة لأنها عبرت عن الهوية والثقافة العربية واقعاً ولغةً.
ولفت أبو الريش إلى أهمية أن يكون الإنتاج غزيراً ونوعياً وقوياً في ذات الوقت من أجل أن ينتشر، وذلك الأمر هو ما جعل للمنتج العربي حضوراً في السابق، فنجد أن أعمال ابن رشد وابن خلدون، قد تمت ترجمتها على نطاق واسع، بعكس ما يحدث اليوم، حيث فقدت الثقافة العربية في الوقت الراهن التأثير.
مبادرات فردية
الكاتبة والناشرة مريم الشناصي أشارت إلى جهودها الفردية في تعزيز حضور الثقافة العربية في الخارج، وبصورة خاصة في آسيا، والهند على وجه التحديد، وهو مشروع تعمل عليه منذ ما يقارب العقد من الزمان، خاصة في مجال اللغة العربية والترجمة، حيث لفتت إلى أن هذا المشروع هو جزء من التواصل الثقافي كانت له انعكاسات كبيرة على مستوى التبادل الثقافي، وشهد الكثير من الإنجازات فهناك الآن عدد من الشعراء والمؤلفين الهنود يكتبون باللغة العربية، وفيهم من لم يحضر إلى العالم العربي، وذلك يدلل على مرونة الثقافة واللغة العربية وإمكانية انتشارها.
وأوضحت مريم الشناصي أن مبادرتها تلك خرجت من محطة تعليم اللغة العربية إلى العمل على تأسيس للأدب العربي، واليوم هناك دراسات من قبل الهنود عن الثقافة والمعارف والإبداع العربي، ومثل هذه المشاريع يمكن أن تعمم في بلدان أخرى وقارات مختلفة.
وذكرت أن وجود الآثار والمخطوطات العربية حول العالم لهو دليل وإشارات على وجود حضارة وتاريخ، ولكن من المهم أن يخدم الماضي الحاضر، وأن يكون هنالك انفتاح نحو المستقبل عبر جهود متواصلة من أجل الثقافة العربية هي عملية تتصدى لها مبادرات هي عبارة عن جزر متفرقة، ولابد من جهود أكبر في هذا الشأن.
بقايا
أما الكاتب الباحث فهد المعمري فقد قدم غوصاً عميقاً عن أثر الثقافة العربية في الخارج، مشيراً إلى أن تناول أثر الحضارة العربية في الماضي يبدو وكأنه يشير إلى «بقايا»، لتلك الثقافة العربية، ولكن في الحقيقة هي لم تنته بل لا تزال مؤثرة وفاعلة بشكل كبيرة، حيث إن جامعات أمريكا والغرب والشرق الأقصى، توجد بها الكثير من المخطوطات العربية، بل إن بعضها يمتلك الأصول، أي النسخ الأصلية والوحيدة.
ويتتبع المعمري أثر الثقافة العربية منذ وقت باكر إلى بداية العصر الحديث الذي ارتبط بالثورة الفرنسية، حيث دخلت الحداثة بشكل كبير وبدأت عملية إنشاء المكتبات وساد عصر التأليف، وبرزت في تلك اللحظة أهمية المخطوط العربي، حيث دخل بقوة في حركة التأليف، إذ تمت الاستفادة منه وتوظيفه من قبل الغربيين، بالتالي ذلك يبرز الأثر الذي لا يزال ماثلاً للثقافة العربية في عمق الحضارة الغربية.
ويلفت المعمري إلى حركة الاستشراق التي قامت من باب الاعتناء واستكشاف الثقافة العربية وهي العملية التي أنتجت الكثير من المؤلفات.
وأوضح المعمري أن هنالك العديد من الكتب والمؤلفات الغربية عن أثر الثقافة العربية، وفيها الكثير الذي لم يترجم، بل إن بعض هذه الكتب تحدثت عن المخطوطات العربية وأماكن وجود كل مخطوطة حول العالم.
وأشار المعمري إلى بروز كذلك اهتمام كبير في الغرب بالمثقفين العرب، حيث إن هناك أثراً كبيراً للمبدعين العرب في العديد من المؤلفات الغربية، فهناك «جحيم دانتي»، الذي استمدت مادته من مؤلفين رئيسيين هما «رسالة الغفران»، لأبي العلاء المعري، و«رسالة التوابع والزوابع»، لابن شهيد الأندلسي، حيث إن هذا الأخير تأثر بأبي العلاء، ليأتي دانتي ويتأثر بهما معاً.
واستعرض المعمري أسماء العديد من المؤلفات الأدبية التي كان لها أثرها الكبير في المنتج الأدبي والفكري الغربي فهناك «ألف ليلة وليلة»، و«كليلة ودمنة»، والكثير من المؤلفات التي ما زال السرد الغربي ينهل منها ويتأثر بها، بل إن قوة الأثر العربي كانت حاضرة منذ لحظة ميلاد الطباعة في الغرب فكانت هناك مؤلفات عربية ضمن أولى الكتب التي طبعت.

أخبار ذات صلة

0 تعليق