«الكوفي الفاطمي».. الخط توأم المعمار - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يمنح التنوع الأسلوبي الموجود في فن الخط العربي الخطاطين العديد من الفرص، للكشف عن المزيد من تلك الأساليب والأنواع من جهة، ولإثبات قدراتهم الفنية من جهة أخرى، مستعينين في ذلك بما تتيحه الظروف عبر عصورهم من فنيات، لا تغير في أصل الخط بقدر ما تخفي بعض العيوب التي قد لا تنتبه إليها العين المجردة، خاصة في عصرنا الذي ذهب بعيداً في التطور، ومن الخطاطين الذين يبدعون في ذلك المنحى العماني أحمد بن طالب المريخي.
يحترف أحمد بن طالب المريخي الكتابة بخطوط الديواني والديواني الجلي، والكوفي، والنسخ، والرقعة، بالإضافة إلى الحروفيات، ورغم إتقانه للخط اليدوي التقليدي إلا أنه يلجأ أحياناً إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة لإظهار المميزات الجمالية لأعماله، حيث يسعى من خلال توظيف هذه التقنيات إلى خدمة فن الخط العربي، مع المحافظة على هويّته الأصيلة والعريقة، بوصفه أحد أهم الفنون الإسلامية الخالدة في الثقافة العربية، ومن أمثلة ذلك التوظيف ما قام به في هذه اللوحة التي نتناولها هنا.
* مميزات
اختار المريخي لهذه اللوحة جزءاً من نص الآية 82 من سورة البقرة، حيث يقول تعالى:{أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وهو تكملة لبدايتها التي يقول فيها جلّ جلاله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، أي الذين آمَنُوا بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وَعَمِلُوا الأعمال الصالحة، والتي لا توصف بذلك إلا إذا كانت خالصة لوجه، وملتزمة اتِّباعَ سنة رسوله الكريم، وتشير الآية إلى حكم الله الثابت بأنّ الذين صدّقوا به وبرُسله تصديقاً خالصاً، وعملوا الأعمال المتفقة مع شريعته التي أوحاها إلى أولئك الرسل، سيخلدون في الجنة يوم الآخرة، حيث سيلازمونها ملازمةً دائمةً لا تنقطع، ويجدون فيها ما وعدهم من نعيمه المُقيم الذي لا يحولُ ولا يزول.
وقد كتب اللوحة بالخط الكوفي الفاطمي، وهو خط جميل مُتفرّع من الخط الكوفي الأصيل، ظهر في عهد الدولة الفاطمية، حيث كانوا يستخدمونه في كتابة القرآن الكريم، كما استخدموه في العمارة الإسلامية على الحجر والسيراميك والأعمدة المزخرفة من خلال نقش وكتابة الآيات القرآنية، وغيرها من النصوص العربية، بالإضافة إلى استخدامه في عدة عملات، مثل عملات السلاجقة والعثمانيين، ورغم كونه أقرب إلى الخط الكوفي المضفور في شكله، إلا أن الفاطمي يتميز عن الخطوط الكوفية الأخرى ببعض المميزات البسيطة، حيث يحتوي عدداً أكبر من المنحنيات والحلقات، كما يتميز بزخرفته الفريدة من نوعها بين الحروف؛ كانبثاق الزخارف النباتية من الحروف، بشكل يُظهر أن الزخرفة قد نبتت من الحرف، كما يُتّبع فيه أحياناً نمط زخرفة الأرضية بزخارف نباتية متشابكة وجميلة، يكتب فوقها بالخط الكوفي، بالإضافة إلى كونه يكتب بحروف عريضة، وسمكية وشديدة الاستقامة مع استثناء حرفي الراء والواو من هذه القاعدة، وهي الخصائص التي يبدو الكثير منها جلياً في هذا اللوحة.
* تكوين معماري
صمّم المريخي لوحته الخطية في تكوين معماري، يعكس للمشاهد – من الوهلة الأولى – ملامح الفن الإسلامي الأصيل، وذلك من خلال تجسيد نمط الخط الكوفي الفاطمي بأدق خصائصه المميزة، التي تشي ببهاء هذا الفن وجماله، فكتب نصه بشكل أفقي، حيث بدأ بكتابة «أولئك» ضافراً الألف واللام في قوس أنيق حول حرف الواو، وهو ذات الشيء الذي فعله مع رأس حرف الكاف الذي ضفره مع ألف كلمة «أصحاب» الموالية في تقويس مماثل لسابقه، إلا أنه يكبره قليلاً، في ما كتب بقية الكلمة بشكل مُبسّط، وقد رسمها بأسلوب الرسم القرآني، الذي لا يجعل الألف ملتصقة بالحرف الذي تَمُدُّ نطقه، تاركاً للمشاهد إدراك ذلك، انسجاماً مع معنى «أولئك»، ثم كتب «الجنة» في منتصف الشكل، مانحاً إياها هيئة بديعة، لتماثل في بعض مستوياتها الأقواس السابقة، إلا أنها تتميز بالرأس الشجري، الذي يوحي بمعنى الجنة، ثم كتب «هم» منفردة كذلك وواضحة للتأكيد على ما ينتظر أصحاب الجنة، ثم كتب «فيها» متفنناً في هائها، وضافراً ألفها مع الكلمة الموالية «خالدون»، التي كتبها بالرسم القرآني آنف الذكر، وكأنه بربط الكلمتين يشير إلى أن نوع الخلود الموعود للذين آمنوا وعملوا صالح الأعمال، هو الخلود «فيها» أي الجنة.
ويلاحظ المشاهد لهذا العمل أنه يشكل تناظراً بصرياً في هيئته العامة، من خلال جانبي اللوحة المتشابهين، في تصميم أقواسهما، ومركزية شكل كلمة «الجنة»، بالإضافة إلى ما أضفته عليه الزخرفة النباتية، ولوني الحبر: البُني والأخضر، والخلفية من إشراقة توحي بدلالات وصف الجنة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق