«الثلث الجلي».. العين بين سحر المبنى والمعنى - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن
اختار الخطاط السوري عاصم نواف الرهبان في واحدة من لوحاته المشاركة في الدورة الـ11 من ملتقى الشارقة للخط (تراقيم) الآية القرآنية: «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» وقد أنجزها بالخط الثلث الجلي، هذا الخط الذي يمتاز بجمالية بصرية ملحوظة، مستخدماً براعته في التكوين الخطي، ومستفيداً من آفاق روحانية النص القرآني ومحاولاً تحقيق ما يرمي إليه شعار الملتقى من قيم جمالية وروحية.
اجتهد الخطاط عاصم نواف في هذه اللوحة الخطية بتقديم تكوين خطي يمزج بين الحروف والكلمات، ولم ينس في غمرة انشغاله بهذا التكوين الجميل أن يحرص على ملء الفراغات بين الحروف والكلمات بالحركات، والشدات، وغيرها من النقاط والضمات، ليمنح المشاهد فرصة اكتشاف آفاق جديدة من الروحية والجمالية.
حرص الخطاط عاصم على توزيع الآية القرآنية على سطح اللوحة مرتباً إياها على ثلاث مراحل، مبتدئاً من نصها الأخير الذي يحمل لفظ الجلالة وهو «وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ» لكي يتسنم لفظ الجلالة «الله» رأس اللوحة تقديراً وعظمة لقدرة الخالق، ولما ينطق به هذا اللفظ من رفعة وشأن عظيم.
كما وسط الخطاط عاصم اللوحة بالجزء الأول من الآية القرآنية «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» جاعلاً القسم الأخير من هذه الآية وهو «لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوْرِ» في منتصف اللوحة، وخاتماً اللوحة بالقسم الأول من الآية «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ».
أول ما يلفت النظر في هذه الآية التي اختارها الخطاط عاصم هو ذلك البعد الديني الصريح فالله سبحانه وتعالى قد أخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان، وإنه سبحانه في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس، يزيح العلل والشبهات من خلال آيات ظاهرات وبينات لذوي العقول مصداقاً لكل ما جاء به وأنه حق اليقين، انتهاء برحمة الله بعباده، ومَن أكثر رحمة ورأفة بهؤلاء العباد سوى الله العزيز الرحيم.
* تكوين
يلاحظ كل من يشاهد اللوحة الخطية، براعة عاصم نواف في إبداع تكوين خطي جميل، جمع بين كلمات الآية القرآنية المخطوطة، هذه البراعة تكمن في قوة التخييل عند الخطاط في قدرته على تصميم الآية وتغيير أجزائها على النحو الذي يكسبها بعداً بصرياً أخاذاً، فقد حرص على دمج الحروف والكلمات المتشابهة في سياق واحد، كما لو أنها كلمات وحروف تتعانق في ما بينها، وهذا الشكل البديع في اللوحة قريب جداً من التكوين الهندسي الذي يعتمد الحروف العمودية الصاعدة والحروف المستقيمة والمدورة.
في هذه اللوحة يسقط نظر المشاهد على تكوين كلي وليس جزئياً، أما الحروف والكلمات فتُرى بنظرة شاملة وليست منفردة، وبهذا يكون الخطاط عاصم قد نجح في إكساب لوحته بعداً جمالياً، بما يحمله الشكل من توازن هندسي وتناغم موسيقي، عبر تعانق الحركات الخطية، وربما -ثقل وخفة الحروف- وامتلائها والفراغ من حولها.
ولد الخطاط عاصم نواف في 1985 وهو خطاط وفنان تشكيلي، خريج كلية الفنون الجميلة/ جامعة دمشق، مدرس الخط العربي الأصيل ومادة الرسم في الفن التشكيلي وتقنياته.
شارك في ملتقيات وفعاليات محلية ودولية كثيرة، وحاصل على جائزة تقديرية في مسابقة الفجيرة الدولية في فن الخط 2022.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق