الشارقة: عثمان حسن
تزينت أروقة ومعارض ملتقى الشارقة للخط في دورته الحادية عشرة «تراقيم»، التي اختتمت، السبت الماضي، بالكثير من النماذج الخطية التي شارك بها خطاطون من جميع أنحاء العالم، برزت فيها الكثير من الجماليات التي تبرز قوة الخط العربي، بوصفه أقدم وأبسط وسائل التعبير الفني؛ بل هو أساس الفنون الإسلامية جميعاً بما يمتاز به من قيم جمالية وتشكيلية في الفنون البصرية، ومن هذه النماذج تلك اللوحة التي شاركت بها الخطاطة التركية سيفيم بايزيت واستخدمت فيها جزءاً من الآية القرآنية «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا»( الإسراء-84)، حيث اكتفت سيفيم بالجزء «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ» ونفذتها بالخط الجلي تعليق.
تفيد الآية الكريمة في توصيل الكثير من المعاني الدينية والروحية، ففي أحد التفسيرات، تقترن كلمتي «قُلْ كُلٌّ» لتوجه الخطاب الديني إلى الناس «يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» أي: على ما يليق به من الأحوال، وفي أحد التفسيرات تدل (شاكلته) على طبيعته أو دينه، وذلك إن كان من الصفوة الأبرار.
*أناقة
الجلي تعليق هو التسمية التركية لهذا النوع من الخطوط الذي يسمى أحياناً «الجلي النستعليق»، و كان يكتب وبشكل واضح على الجدران والآثار المعمارية، ويقال إن الخطاطين الأتراك قد تفوقوا فيه.
وكان هذا الخط قديماً حاضراً بقوة في المخطوطات القديمة من قصائد وملاحم شعرية عديدة، وهناك من ينظر إلى هذا النوع من الخطوط بوصفه الأكثر أناقة على الرغم من صعوبة كتابته أو خطه، وهو أحياناً يدعى بـ «ملك الخطوط»، حيث تعود شهرته أساساً إلى كثرة انحناءاته التي تميزه عن غيره، وتلك الطريقة المرنة التي ينساب بها عبر صفحة الكتابة.
هذه الانحناءات أو الانثناءات، كما تسمى تحاكي ما هو موجود في الطبيعة، من نباتات وحيوانات، وهناك خاصية مميزه للتعليق هي انحداره من أعلى لأسفل، أي انه لا يوجد مستوى أو ارتفاع محدد وثابت لأي حرف فيه.
وهذا الخط حظي بشهرة واسعة، لأنه انتشر في العديد من الدول الإسلامية، وهناك إجماع على أن مبتكره هو الخطاط مير علي التبريزي في القرن الرابع عشر، وفي القرن السادس عشر، أصبحت المنمنمات تزين بهذا الخط، لا سيما في كتابة القصائد والأشعار وكلمات الحكمة.
*إبداع
كتبت الخطاطة سيفيم بايزيت، هذه الآية باللون الأسود على أرضية مذهبة، مبرزة جماليات الخط التعليق وما فيه شاعرية وإبداع، وقد حرصت على إبراز بعض خصائص التكوين الفني للتعليق، بتركيزها على حرف اللام في الكلمات (قل) و (كل) و (يعمل)، حيث جاءت اللامات الثلاثة متماثلة، ومتوازنة؛ بل متناغمة في شكلها على سطح اللوحة الخطية أفقياً وعمودياً، ومن جهة أخرى، فقد اشتغلت على كلمة (شاكلته) بتصميم لافت، حيث كتبت مقطعي الكلمة بتناسق جميل، ينعكس في عين المشاهد بكل تلقائية وراحة وإحساس بالجمال.
حرصت الخطاطة على إبراز دلالات اللون في لوحتها الخطية، حيث كانت خلفية اللوحة باللون الأصفر بما يعكسه هذا اللون من انطباع دافئ على المشاهد، والأصفر في دلالاته ومعانيه وفق الرؤية الثقافية والفكرية الإسلامية، هو الأقرب إلى النور والضياء والحكمة والتفاؤل والأمل، وهو من الألوان المحببة للأطفال. كما خطت سيفيم الآية القرآنية باللون الأسود، وهو اللون الذي يرتبط بدلالات كثيرة، ناهيك عمّا يرمز إليه هذا اللون من قوة وثقة.
*إضاءة
ولدت سيفيم بايزيت في عام 1973، درست أصول الدين وأتقنت فنون الخط من خلال اهتمامها بالرسم والحرف اليدوية، ثم تعلمت خط التعليق لدى الخطاط تحسين كورت وحصلت على شهادة في التعليق في 2013.
حازت سيفيم بايزيت، العديد من الجوائز في مسابقات محلية ودولية، منها الجائزة الثانية في المسابقة الدولية الثانية عشرة للخط التي نظمها مركز أبحاث فن وثقافة التاريخ الإسلامي «إرسيكا»، والجائزة الأولى في المسابقة الدولية للخط التي نظمتها مؤسسة البركة تورك.
قامت سيفيم بايزيت بتدريس خط التعليق في إسطنبول، وأنجزت العديد من التصميمات الفريدة من نوعها في فن الخط، وأعمالها منتقاة من قبل العديد من الجهات التركية والدولية.
0 تعليق