القاهرة: الخليج
كيف تعمل الأفكار؟ لماذا تمتلك بعض الأفكار قدرة أكبر من بعضها الآخر؟ ما سر «الفكرة القاتلة» كما يسميها الأنجلوسكسون؟ كيف نبلغ أقصى حدود أفكارنا؟. يعدّ كتاب «الفكرة القاتلة.. السياسة، الأعمال، الثقافة.. إصرار الأفكار الخالدة» لنيكولا بورداس (ترجمه إلى العربية د. نزار شقرون) من الكتب التي لاقت انتشاراً واسعاً في فرنسا وأوروبا؛ لما تتضمّنه من أفكار جديدة ومهمة، وذلك حين صدرت طبعته الأولى عام 2009 وتنطلق فكرة الكتاب من تحليل لمعنى الفكرة ومراحل نموها، وعوامل تساعدها على البقاء والتأثير، حتى تكتسب عناصر السيطرة، والامتداد.
الكاتب من خلال خبرته في مجال الإعلانات وصناعة الأفكار يخبرنا بأن قدرة الفكرة على البقاء، تكمن في قدرتها على التواصل الدائم مع العالم المحيط بها، وهو يقول: أنا مولّد أفكار، تتمثل مهنتي منذ خمس وعشرين سنة في توليد الأفكار، ثم السهر عليها، لتكبر وتتكاثر، الأفكار كائنات حية، تعيش بيننا، كلها تولد وتحيا وتموت، ففي كل يوم تنبثق مليارات الأفكار، لا يرى جلها النور، ويطويها النسيان، وفجأة تبرز إحداها، لتظهر للوجود.
تساؤلات
الكاتب كصانع أفكار يطرح في هذا الكتاب تساؤلات حول قدرة الفكرة على الاستمرار، سواء كانت الفكرة جيدة أم غير جيدة، وإذا ما عرفنا هذا السر نستطيع أن ننهض بالأفكار الجيدة، لتطغى على نقيضها، ويكون ذلك بتسييرها في المسارات والمراحل التي يحددها الكاتب، فهناك أفكار عظيمة لم يحالفها الحظ، في هذا العالم، وهناك أفكار ليست بالمستوى الرفيع إلا أنها استطاعت أن تشق طريقها وتنمو وتتطور، حتى تصل إلى مرحلة الإقناع والقبول، فبين نمو الأفكار وبقائها وانتصارها صراع دائم.
وبعد دراسة وخبرة طويلة أتمّها الكاتب في عالم الأفكار يجيب هنا عن كيفية عمل الأفكار، وما أفضل الوسائل لترويجها وضمان نجاحها، إن الفهم العميق لكيفية ولادة وبقاء وموت الأفكار أمر مهم لأولئك الذين يسعون إلى نشر أفكارهم، وفي هذا العالم حيث التواصل مستمر، تستطيع الفكرة الناجحة أن تؤثر على مستقبلنا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، محدثة في ذلك تغييرات كبيرة، فالأفكار نتاج الإنسان تارة، وتنتج الإنسان تارة أخرى.
صراع
إن صراع الأفكار لا يتوقف، تتحرك الأفكار في محيط، عادة ما يكون معادياً لما هو جديد، فهي بذلك نتاج بيئتها، بقدر ما هي ثمرة خيال أحد، كم من مرة يحدث أن يعبّر أحدهم عن فكرة سبق لها أن جالت في خاطرك!.. ذلك هو أثر روح العصر، وعلى الرغم من أن الأفكار التي تتحرك بطلاقة لا تكاد تدركها، فهي حاضرة.
تصبح الفكرة وجهة نظر فردية أو جماعية تشمل الأقلية أو الأغلبية، وحتى تفرض نفسها كسائر الكائنات الحية كان عليها أن تتحول وفقاً لطبيعتها الإحيائية ومواجهتها للآخرين، ومثلما تعلم الإنسان كيف يسيطر على البيئة، ليبقى على قيد الحياة، فإن الانتقاء الطبيعي للأفكار يحصل عبر المواجهة، ويقول جورج براك: «يجب أن يكون للمرء فكرتان على الدوام، إحداهما لتقتل الأخرى».
يهدف هذا الكتاب – كما يقول المؤلف - إلى «تقاسم المعرفة بهذه الأفكار التي اكتسبتها من خلال خدمتي، في مجال العلامات التجارية حيث يشكل التواصل الإعلاني عالماً مصغراً يعكس بامتياز عالم الأفكار، ويقدّم معارف ضافية حول طريقة بثها واشتغالها، إن إيصال الأفكار لغايات تجارية يتيح ممارسة عملية بثها بشتى أنواعها وفهمها، ويكمن الفارق الرئيسي في قدرة الأفكار الإعلانية على الحصول على «الوقود»، أي المال لتجد طريقها إلى البث في وسائل الإعلام.
قواسم مشتركة
يرى المؤلف أن العمل اليومي على الأفكار يتيح فهماً أفضل لطريقة عملها منذ نشأتها حتى اندثارها المحتمل، وإذا كانت كل فكرة تدعي أنها فريدة فإن الحمض النووي لكل واحدة منها يشبه بعضه بعضاً، توجد قواسم مشتركة كثيرة بين الأفكار الفلسفية أو الدينية الكبرى وبين سائر الأفكار الاعتيادية اليومية، وإذا كانت أغلبية الأفكار تولد حرة ومتساوية في الحقوق فإن أشدها نمواً وتفتحاً، مرتبط بقدرته على عبور المنظومة الإعلامية.
0 تعليق