مارلين سلوم
كل تجربة شبابية في السينما مرحَّب بها، بل من الضروري دعمها وتسليط الضوء عليها وتفنيد أحداثها والملاحظات الإيجابية والسلبية عليها، ليس فقط من أجل دعم الشباب وتشجيعهم على العمل ولفتهم إلى نقاط ضعف ممكن تجنبها في التجارب التالية، بل من أجل المساهمة في تجديد دم السينما وخلق فرص وفتح أبواب أمام الأجيال الجديدة لتقديم أفكارهم والتحدث بلغتهم ولسانهم عن أحلامهم ومشاكلهم، وتقديم رؤيتهم الخاصة بروح الشباب وحماسه وحتى اندفاعه..
تجربة زينة عبد الباقي الأولى في الأفلام السينمائية الطويلة «مين يصدق» تستحق التوقف عندها لاسيما بعد أن انطلق عرضه في الصالات في مصر قبل عرضه في الخارج.
«مين يصدق» فيلم يمتد لساعتين وعشر دقائق، دخلت به زينة عبد الباقي عالم الإخراج السينمائي من أوسع الأبواب حيث عرض لأول مرة في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، وسريعاً انتقل إلى العرض الجماهيري في الصالات، من الطبيعي أن يرى البعض أن الفرصة التي أتيحت أمام زينة قد لا تتاح لمخرجين شباب آخرين، لأنها ابنة الفنان أشرف عبد الباقي، لكن هذه «الميزة» هي سيف ذو حدين، فمن جهة يعتبر وجود أشرف عبد الباقي بجانبها دعماً كبيراً لها، حيث يمدها بالنصائح ويرشدها للصواب، ويسهل عليها التعاون مع هذا العدد من النجوم الذين شاركوا كضيوف شرف وبعضهم مر أمام الكاميرا للحظات فقط، كما دعمها في ليلة افتتاح الفيلم في الصالات بحضور عدد كبير من نجوم السينما مثل أحمد حلمي وأمير كرارة وآخرين.. ومن جهة أخرى يلقي على عاتق زينة مسؤولية أكبر، إذ يتوقع منها الجمهور أن تكون انطلاقتها قوية مدوّية وكأنها هي صاحبة الخبرة والسنين الطويلة في عالم الفن مثلها مثل والدها، كما يعتبر البعض أن «الواسطة» موجودة وأبناء الفنانين يدخلون نفس مجال آبائهم من باب الاستسهال والأبواب المفتوحة والمقاعد الجاهزة لهم، ما يضع هؤلاء الأبناء في اختبار أصعب ويفرض عليهم أن يبذلوا جهوداً أكبر لإثبات ذواتهم وأنهم يستحقون فعلاً النجاح بفضل موهبتهم وإتقانهم لعملهم لا بفضل الوراثة و«المقاعد المحجوزة» لهم.. وهنا يجب الإشارة إلى أن زينة درست الإخراج في نيويورك والتحقت بورش في لندن، أي أنها سلكت الطريق من حيث يجب أن تكون البداية الحقيقية للاحتراف.
أول تجربة
الفيلم هو التجربة الإخراجية الأولى لزينة عبد الباقي في الأفلام الروائية الطويلة، وكان من المفترض أن يخرج إلى النور العام الماضي لتشارك به ضمن مهرجان القاهرة السينمائي لكنه تأجل مع تأجيل دورة المهرجان، أول ما يلفتك فيه أن زينة أسندت البطولة لنجمين شابين وجعلت «الكبار» في البطولة الخلفية أي المساندة، وكأنها تريد التأكيد على أن وجود النجوم هو دعم تستند والممثلون الشباب إليه ويحتاجونه ليكون كالدعائم التي يتكئ عليها أي مبنى كي يقف ثابتاً ومتيناً، لفتة ذكية تجذب الشباب وتؤكد أن العمل موجه إليهم أولاً ويحكي عن أبطال يشبهونهم، واختيار موفق للممثلَين: جايدا منصور ويوسف عمر.
جايدا سبق أن ظهرت في الجزء الثالث من مسلسل «ليه لا؟» العام الماضي وفي مسلسل «تيتا زوزو» الذي عُرض أخيراً، لكن هذا الفلم هو ظهورها السينمائي الأول ورغم ذلك تشعر وأنت تشاهدها في «مين يصدق» بشخصية نادين أنها صاحبة خبرة طويلة، ممثلة موهوبة وقادرة على تقديم الأدوار الصعبة إذا أتيحت لها الفرصة، أما يوسف عمر فسبق أن رأيناه في «أولاد حريم كريم» و«الحريفة» و«الحريفة 2» الذي انطلق حديثاً أيضاً عرضه في الصالات، كما شارك في مسلسلات عدة مثل «الكتيبة 101» و«أعلى نسبة مشاهدة» وغيرها.. وهو أيضاً ممثل لا بد من اختباره بأدوار تتجاوز حدود الشكل الوسيم والقامة الممشوقة، دوره في البطولة المطلقة يشير إلى قدرته على تحمل مسؤوليات أكبر شرط توفر النص والمساحة لمهمات أصعب، وفي «مين يصدق»، يمكن القول إن جايدا ويوسف نجحا كثنائي في البطولة، وتمكنا في بعض المشاهد من التعبير بصدق عن شخصيتي نادين رشدي وباسم النصابين.
القصة بمعانٍ اجتماعية
«مين يصدق» فكرة زينة عبد الباقي ومصطفى عسكر وحامد الشراب، سيناريو وحوار زينة عبد الباقي ومصطفى خالد بهجت، والإخراج طبعاً لزينة. القصة بسيطة لكنها تحمل معاني اجتماعية عميقة، تنطلق من نادين (جايدا) الفتاة المدللة التي تغير سياراتها بشكل مستمر بسبب تهورها في القيادة والحوادث المتكررة، وأول مشهد يكون لصدمها سيارة جارهم (يجسده الفنان أحمد رزق في لقطة سريعة)، دون أن يعني لها الأمر شيئاً، فوالدها رشدي عثمان (شريف منير) مشغول بأعماله، ووالدتها (نادين) دائمة السفر ولا تهتم إلا بمظهر ابنتها كيف ستبدو أمام الناس، لذلك تتعمد المخرجة عدم ظهور شخصية الأم إلا مرتين، مرة عائدة من السفر تلقي التحية سريعاً على زوجها وابنتها، ومرة مسافرة في نهاية الفيلم مودعة ابنتها بقبلة على رأسها مبتسمة وكأن ابنتها لم تمر بأحداث وكوارث وتتعرض لأزمات كبيرة.. نمط عيش يجعلك فوراً تتوقع كيف ستكون سلوكيات الفتاة وتصرفاتها وطريقة عيشها، دائمة السهر، تتعاطى كل أنواع المخدرات والمشروبات وتقود وهي مخمورة وتعود إلى منزلها في الصباح.. علاقتها بالمربية ومدبرة المنزل كريمة (عارفة عبد الرسول) والتي تناديها كوكي أقوى من علاقتها بوالديها، لكن رشدي عثمان يستغني عن خدمات كريمة فجأة لأنها أصبحت عجوزاً ومصابة بالزهايمر ويضعها في مأوى للعجزة ما يسبب صدمة لنادين.
نمط حياة
المخرجة تستعرض نمط حياة نادين وتقدم مشهداً معبّراً وحّدت فيه بين البيت والديسكو، حيث تأخذ نادين زجاجة خمر كبيرة وهي تقف وسط غرفتها تشرب منها، ومن قعر الزجاجة تبتعد الكاميرا لنجد نادين تشرب من نفس الزجاجة وسط الديسكو الصاخب.. إهمال من الوالدين وترف زائد يؤدي إلى انحراف الفتاة، التي تعود في الصباح وهي تقود سيارة والدتها فتتعرض لحادث بسيط، يحاول استغلاله السائق الآخر (محمد جمال قلبظ) حين يراها فتاة وحيدة ومستعدة لدفع أي مبلغ مالي طالباً منها 50 ألف جنيه، هنا يتدخل شاب من بين الموجودين يدعى باسم (يوسف عمر) ويساعدها فيتراجع السائق المتضرر مكتفياً بألف جنيه.. شهامة تلفت نادين فتمشي خلف يوسف لتعرف من يكون، يحكي لها قصة جدته المريضة في المستشفى والتي تحتاج إلى علاج لا يملك سوى القليل من ثمنه.. تصر على مساعدته فيأخذها إلى المستشفى حيث ترقد امرأة في غيبوبة، وينتهي المشهد بسحب جايدا مبلغ خمسة آلاف جنيه تعطيها لباسم الذي يختفي فور حصوله على المال.
تلك التفاصيل مهمة لأنها الباب الذي يفتح أمام الفتاة لتختار بداية جديدة لحياتها، للأسف بداية سيئة، لكنها متوقعة في مثل ظروف نادين التي هددت والديها بمغادرة المنزل بسبب وضع كريمة في دار للمسنين فلم يكترث والدها بينما سألتها والدتها مبتسمة: «هتروحي الجونة ولا الساحل؟».. نادين تصل إلى حيث يسكن باسم وتقرر الإقامة معه ومشاركته في عمليات النصب مقابل عدم فضحه والإبلاغ عنه.. العملية تجر عمليات نصب تزداد اتساعاً حتى تصل إلى قتل بغير قصد، وتتوالى الوجوه ومرور عابر لنجوم مثل نبيل علي ماهر وسليمان عيد ومحمد عبد العظيم وشريف حلمي، وطبعاً أشرف عبد الباقي.
بداية مبشرة
الفيلم جيد، وبداية مبشرة للمخرجة، القصة تحمل معاني كثيرة ورسائلها واضحة، لكنها لا تحتمل أن تتسمر في مقعدك لأكثر من ساعتين، كان من الأفضل أن تختصر زينة عبد الباقي وتحصر الأحداث لتقدمها في ساعة ونصف الساعة ليس أكثر، كما أن عمليات النصب وطبيعة القصة تستلزم إيقاعاً أسرع في الإخراج كي لا يتسلل الملل إلى المشاهد بل يبقى يقظاً مترقباً ما سيحصل، بينما الهدوء في حركة الكاميرا وفي أسلوب المخرجة جعلنا نتوقع بعض الأحداث ولا نفاجأ بها.
0 تعليق