الشارقة: عثمان حسن
عرضت مساء، الأحد، في منطقة الكهيف بالشارقة ثالث عروض مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، في نسخته الثامنة، وهي المسرحية الأردنية «الديرة» عن نص للكاتب وسام البريحي، وأشعار أحمد الفاعوري، ومن تقديم فرقة «رف» للفنون الأدائية، ومن إخراج الفنان محمد الضمور.
العرض مستلهم من البيئة الأردنية بعاداتها وقيمها الأصيلة، و«الديرة» بهذا المعنى هي الفضاء أو المكان الذي يعيش فيه البدوي، وفيه ينتسب إلى قبيلة أكبر، ينتمي إليها ويذود عنها، ويتشرب قيمها وعاداتها النبيلة.
المسرحية تحكي قصة فارسين من ذات القبيلة هما (رداد) و(عقاب)، غير أن رداد هو ابن رجل (فداوي)، أي أقل شأناً من حيث النسب من رفيقه وصديقه (عقاب) وهو ابن شيخ القبيلة.. ورغم فروسيتهما وشجاعتهما، تشاء الأقدار أن يعشقا ذات البنت الجميلة في القبيلة واسمها (العنود)، التي تلتزم بوصية والدها الذي زكاها كزوجة لـ رداد، لأن الوالد بما تمتع به من فراسة يعرف معدن الرجال، وكان يرى في رداد كل صفات النبل والأصالة، أكثر من غيره من فرسان القبيلة.
* الحكاية
تبدأ حكاية العرض من مشهد سباق خيل بين الفارسين (رداد) و(عقاب)، بعد أن تفتح الإضاءة على بيوت شعر مترامية، حيث يتجول الناس في الساحة، الرجال يمارسون أعمالهم المعروفة في القبيلة، من إشعال النيران وتحميص القهوة، والبنات كعادتهن مزهوات بقبيلتهن، ولهن أحلامهن الجميلة في الزواج من الفرسان، فيهجسن بأحلامهن وهنّ واردات على نبع الماء، على أنغام القصيدة: «وانده بالصوت العالي رجال القبيلة»، وهي أغنية تراثية أردنية معروفة غناها المطرب الراحل توفيق النمري، وفيها تلخيص لعادات وقيم القبيلة، تتجمع البنات وبينهن (العنود) و (الهنوف)، فيما الجميع يشاهد من كثب نتيجة السباق بين فارسي القبيلة (رداد) و(عقاب) التي تنتهي بفوز رداد، الذي يبادر صديقه عقاب بالقول:«صحيح سبقتك هذه المرة يا عقاب، لكن أشهد الله إنك فارس عنيد وما هو سهل الفوز عليك»، ويرد عقاب:«ما عليك زود يا رداد وانت بعد فارس شديد بيطلعلك تفوز عليّ، (ممازحاً) لكن النوبة الجاية أنا اللي ودّي أسبقك لكن ما هو بسبق الخيل، ودّي أسبقك بالزواج». ويتواصل الحوار، رداد:«يا ليتها الساعة المباركة، ألف مبروك.. ها، ومن هي سعيدة الحظ اللي نالت قلب عقاب.. فارس الديرة»، عقاب:«أقلك، حين يجي الوقت، ثم يتحرك نحو البيت، ويتقدم رداد نحو معشوقته العنود، بقوله: قوك يا لنشمية».
* رغبة
وتنتقل الصورة إلى خيمة ثانية ليستمع الجمهور إلى حوار بين عقاب ووالدته وشقيقته الهنوف، حيث تلاحظا أن عقاب شارد الذهن ويود أن يبوح بشيء ولكنه متردد، تنظر له أمه وتشجعه أمه على البوح، فيما تناكفه شقيقته وتسرّي عنه بقولها:«هلحين أجهز لك الزاد يا قلب خيتك»، عقاب:«لله يا خية، النفس صاده عن الزاد».
يبوح عقاب لوالدته بأنه يهوى العنود، ويريد الزواج بها، تفرح الوالدة والأخت بهذا الخبر فرحاً شديداً، لا سيما وأن العنود معروفة بحسبها وجمالها، في المقابل نشاهد رداد وهو جالس وحده أمام وهج النار ويشرب قهوة، ويقول الشعر، واصفاً حال حبه للعنود، وهو يهجس:«أنا، أنا الفارس الفارق، يا سعد حظك يا رداد، العنود تختارك، العنود اللي منت تهاب تنطق اسمها حتى مع روحك (العنود) ثم يقول الشعر واصفاً محاسن محبوبته ومن ذلك:
شعرك سواد الليل وعيونك السود
والشمس وجهك والخصر عود مياس
العين عين الما على يا يابس العود
والنون نايد فوق عن باقي الناس.
أما العنود فتشاهد وهي تتبختر أمام مرآتها وتسرح شعرها، وهي شاردة أمام لحظة عشقها لرداد كما تقول الشعر، وكأنها ترد على قصيده رداد:
رداد رد الخيل والفعل مشهود
طودٍ منيعٍ طيب العرق والساس
عزم الشباب وحكمة الشايب العود
الوافي اللي فيه فزعة ونوماس.
* صدمة
تذهب الهنوف إلى نبع العين لتجس ردة فعل العنود، لكنها تكتشف أن العنود تعشق رداد، وحين يصدمها الخبر، ترد عليها العنود بأنها تلتزم وصية والدها ولا تحيد عن اختياره، فينشأ نزاع لفظي بين الهنوف والعنود وتتدخل البنات لفض النزاع، وتغادر الهنوف إلى خيمتها لتفاجئ بدورها شقيقها عقاب، طالبة منه الكف عن التفكير بالعنود، حيث سمعت منها ما يثبت عشقها لرداد الذي تصفه بكامل الأوصاف ومن ذلك (الفارس الفارق)، أي يحمل السيف البارق.
تتواصل مشاهد العرض، ونحن نتابع غضب عقاب، الذي يتوعد رداد بالذبح، تتدخل والدته لتهدئته وألّا يجعل الغضب يفقده صوابه، ويذهب إلى بيت رداد فتلحقه والدته وأخته، وحين يلتقي رداد، يوجّه عقاب إليه كلاماً قاسياً يحط من شأنه، في إشارة إلى نسبه (ابن فداوي) وأن العنود له ما بقي حياً. فيرد عليه رداد بكلام يليق به، قائلاً: «ابن فداوي وأتشرف، أنا أبوي الفداوي رباني ع الشهامة وأنت تعرف قبل الكل من هو رداد».
ويبدأ كل منهما بتحدي الآخر والاعتداد بنفسه شعراً، وفروسية، وشهامة، وحين يطلبه عقاب للمبارزة، يحاول رداد أن يثنيه عن غضبه، لكن دون جدوى، فتبدأ المبارزة، وينتصر فيها رداد، ويكون على وشك أن يذبح عقاب، وحين يثبت سيفه على عنقه، يطلب منه عقاب أن يذبحه، لكن رداد يبادره بكلام الفارس الشهم،«ما هو رداد اللي يذبح ولد ديرته وفارس من فرسانها».
وهنا، تتوجه والدة عقاب نحو ولدها، وهي في حالة من الغضب الشديد، ونوجّه له توبيخاً حاداً، لأنه بادر إلى الغضب والتسرع، وهذه ليست من شيم الفرسان.
* مكيدة
وتتواصل المشاهد، وهذه المرة، نحو الهنوف أخت عقاب، التي تدبر مكيدة لرداد، انتقاماً لأخيها، وبالفعل، يسمع في الليل صوت امرأة تستنجد، ويحصل هرج ومرج في القبيلة، وحين يسمع صوتها رداد، يبادر بكل ما أوتي من شهامة ونبل لنجدتها، وحين يسأله تجيبه أن أفعى لدغتها، فيقترب منها ليساعدها، وتبدأ هنا بالصياح مرة أخرى على مسمع القبيلة متهمة رداد بالتحرش بها. ويقبض الرجال على رداد، ويطلب الوجهاء قاضي القبيلة ليحكم عليه، وحين يستمع القاضي إلى الهنوف، تصر على أقوالها، فيطلب منها شهوداً على الحادثة، وحين تقول له بأنه لم يكن هناك شهود، يطلب منها حلف اليمين، فتوافق، فيذكرها القاضي بنتائج حلفها لليمين الكاذب، الذي يمحق الكاذب، ويعاقبه، وحين توشك الهنوف أن تحلف اليمن، تدخل والدتها وتزجرها وتكشف سرها أمام القاضي والقبيلة، فيبرئ القاضي رداد، ويصدر حكمه عليها إما بقطع لسانها أو حرقه، فيتدخل شقيقها عقاب ليفتدي أخته بماله وحلاله، وهنا، يتدخل رداد، مناشداً القاضي الصفح على الهنوف على مسمع من القبيلة بأكملها بقوله:«أهل لسماح ملاح، وعقاب يستاهل الجود، أنا عفيت وسامحت».
وينتهي العرض بطقس احتفالي حيث تبتهج القبيلة بزواج رداد والعنود، فيما تذبح الذبائح، وتتراقص النساء ويزغردن، ويتسابق فرسان القبيلة على خيولهم، فيما يقوم الرجال بالابتهاج وترديد الأهازيج الفلكلورية البدوية المعروفة.
0 تعليق