عُمان .. سياسات ناجحة لإدارة التحديات ورسم مسارات المستقبل - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

خمسة أعوام مرت على انطلاقة نهضة عُمان المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم.. أعوام من المنجزات والتحولات التاريخية التي تؤسس لغدٍ أكثر ازدهارا ونماء، أعوام أعلت شعار "أساس متين لمستقبل مكين" فالخطط المحكمة والخطى المتئدة والرؤى المدروسة جميعها عوامل مهمة للدول التي تنشد الثبات والحكمة في إدارة التحديات ورسم مساراتها. وبناء الأوطان وازدهارها، مشروع طويل يتطلب جهودا متواصلة، وخططا فعالة، ولقد حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق، منذ اعتلائه العرش في الـ11 من يناير عام 2020، على إرساء أسس قوية تقود عمان إلى مستقبل مشرق. لم يكن الأمر سهلا آنذاك في ظل التحديات الاقتصادية العاتية التي هددت المركز المالي للدولة، وبفكره الفذ وقيادته الحكيمة أدرك جلالته أن تحديث الاقتصاد ضرورة حتمية لتصحيح المسار وتحقيق الاستدامة، فكان ذلك محورا أساسيا في رؤيته الشاملة، وتجلى ذلك في إجراء عملية إصلاح واسعة ووضع خطط اقتصادية طموحة شملت العديد من المبادرات الهادفة إلى تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط مصدرا رئيسيا للدخل.

ولأن جلالة السلطان ـ سدد الله خطاه ـ على يقين وثقة بأن المستقبل يحمل لعُمان آفاقا واعدة، في ظل ما تتمتع به من موارد وإمكانات وعلى رأسها الإنسان العماني؛ حرص جلالته على إشراك المواطنين في كل خطط البناء والتطوير، ليكون لهم الدور الرئيسي في تحقيق الغاية العظمى وهي الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتهم في كل المجالات.

والمتأمل في "رؤية عمان 2040"، التي أشرف جلالته على كل مراحل إعدادها ويتابع بنفسه تحقيق مستهدفاتها وتهيئة كافة الممكنات لإنجاحها، يدرك أن تطوير الاقتصاد في فكر جلالته يبدأ بالتغيير والإصلاح في كافة الجوانب التنموية، وأن النتائج المحققة يجب أن تنعكس على التنمية الشاملة بتحسين جودة الحياة، وضمان العدالة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل، ورفع تنافسية الاقتصاد وقدرته على مواكبة كافة المتغيرات والتطورات في العالم.

كان الدعم السامي شاملا لكل ما من شأنه الدفع بتوجهات التنويع من برامج وخطط للدفع بالقطاعات غير النفطية، وتعظيم دور القطاع الخاص في قيادة الاقتصاد، وتحسين البيئة الاستثمارية وإطلاق الحوافز والمزايا المشجعة لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

ومن أبرز الخطوات للسعي بعمان نحو التكامل الاقتصادي مع دول العالم - بل أبرزها على الإطلاق- الزيارات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ للعديد من الدول واستقباله لملوك ورؤساء دول خلال زيارتهم لسلطنة عمان، فكان لهذه الزيارات دور ملموس في تعميق العلاقات الاقتصادية، وبناء شبكة من الشراكات الاستراتيجية، وكان التعاون الاقتصادي والاستثماري محورا أساسيا في مباحثاته، بل إن جلالته يحرص على الالتقاء برجال الأعمال في تلك الدول، ويطلع على التجارب الناجحة، ويدوّن مرئياته وملاحظاته للاستفادة منها في النهوض بالاقتصاد العماني. وتوجت تلك الزيارات بالعديد من الاتفاقيات لتفتح آفاقا جديدة أمام القطاع الخاص، بإنشاء صناديق استثمارية مشتركة، والدخول في شراكات استراتيجية تدعم الاقتصاد الوطني وتنمي التجارة والاستثمار.

وبالنظر فيما تحقق في مسار العمل الوطني على مدار فترة تنفيذ رؤية عمان يتجلى بوضوح ثمار تلك الجهود المتواصلة من مؤشرات إيجابية للاستدامة المالية والاقتصادية، وتنفيذ المستهدفات الاجتماعية بإطلاق منظومة شاملة للحماية الاجتماعية، وتوسعة الدعم الموجه لتحسين مستويات المعيشة، وتطوير متواصل لكافة الخدمات من تعليم وصحة وإسكان.

فعلى الصعيد المالي كان من أبرز النتائج، التي تحققت بفضل برامج ومبادرات ضبط الإنفاق، وخفض حجم الدين العام إلى 14.4 مليار ريال عماني ليمثل نحو 34 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي كنسبة آمنة وفق ما حدده قانون الدين العام، والذي كان من أهم الخطوات لتحديد سقف الاقتراض والاحتياجات التمويلية للميزانية بما يتوافق مع متطلبات الاستدامة المالية.

وقادت جملة المبادرات المالية إلى أهم مستهدفاتها بتقوية المركز المالي للدولة ورفع تصنيف سلطنة عمان إلى أولى درجات الجدارة الاستثمارية وسط تحسن متواصل في التصنيف من قبل جميع وكالات التصنيف الائتماني العالمية، وإشادة دولية ليس فقط بجدية ونجاح جهود الضبط المالي، بل أيضا بالتقدم المتواصل في تنفيذ توجهات التنويع وفق "رؤية عمان 2040"، ما أدى لتغير إيجابي في الوضعين المالي والاقتصادي وزيادة الثقة في الاستثمار، بعد تعزيز الاستدامة وتطوير التشريعات والقوانين، ورفع التنافسية الدولية، وتحسين جاذبية بيئة الأعمال من خلال ومبادرات تحفيز القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل وتبسيط إجراءات تأسيس المشروعات.

تحول كبير في التنويع الاقتصادي

وتحول واقع التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان بشكل كبير من حيث نوعية المشروعات الجديدة والروافد التي تعزز استمرار نمو الاقتصاد والزخم المتزايد للاستثمارات المحلية والأجنبية، وتوالى افتتاح مشروعات استراتيجية كبرى، كان العديد منها في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة التي تعد قاطرة نمو الاقتصاد والصناعات التحويلية، ومنها ميناء الصيد البحري، ومصفاة الدقم كصرح صناعي يعزز نمو الصادرات ويزيد من مصادر دخل الدولة، إضافة للعديد من الأنشطة والصناعات المتطورة في المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة، ودخول صناعات جديدة بعضها هي الأولى من نوعها في سلطنة عمان مثل صناعة المركبات ومكوناتها وأشباه الموصلات، ومراكز البيانات الضخمة.

وامتد التطور الذي يشهده الاقتصاد العماني ليشمل كافة الأنشطة والقطاعات من خلال مشروعات الثروة السمكية والزراعية، والأنشطة اللوجستية التي تستعد لواحد من أهم المشروعات التي تنفذ حاليا لإنشاء أول سكة حديدية تربط بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولا شك أنه سيكون نقلة كبيرة تدعم النمو الواعد للأنشطة اللوجستية في ظل تطوير منظومة الموانىء والتسهيلات الواسعة في الإجراءات الجمركية وانضمام الرافعات الحديثة التي تسهل عمليات المناولة وحركة الصادرات والواردات، فضلا عن تشغيل مرافق لوجستية جديدة مثل مدينة خزائن الاقتصادية، والتي اجتذبت أحجاما جيدة من الاستثمارات.

تمكين القطاع الخاص

لقد كانت المبادرات والبرامج التي تسهم في تمكين القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ركيزة لإنجاح توجهات التنويع، وكان من أهمها تأسيس صندوق عمان المستقبل الذي أعلن خلال العام الماضي الحزمة الأولى من المشروعات التي سيتم تمويلها بقيمة إجمالية تتجاوز 832 مليون ريال عماني من بينها نحو 600 مليون ريال من الاستثمارات الأجنبية الجديدة، وإطلاق البرنامج التحفيزي للقطاع الخاص لتشجيع الاستفادة من إمكانيات التمويل في سوق رأس المال والإدراج في بورصة مسقط، والتوسع في الاستفادة من المحتوى المحلي كأحد أهم التوجهات التي تعزز التقدم في جهود التنويع، وتمكين القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ورفع كفاءة الإنفاق العام.

خطوات نحو عالم الفضاء

في ظل الزخم الذي تشهده سلطنة عمان وطموحاتها الكبرى لتشمل كافة المسارات، تمضي اليوم نحو دخول عالم الفضاء وتشجيع الاستثمار الجريء، وتنفيذ البرامج التي تعزز الاستفادة من التقنيات والابتكار والذكاء الاصطناعي في الجهات الحكومية والخاصة، وتسهم في تحويل الاقتصاد الرقمي إلى رافد جديد للنمو ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وفي خضم تسابق الدول في صناعة الهيدروجين الأخضر أطلقت سلطنة عمان خططا طموحة تستهدف مكانة دولية رائدة في هذا القطاع الواعد، واجتذبت استثمارات ضخمة وشراكات دولية، ما يمهد لإيجاد أحد أهم الروافد للنمو وزيادة الإيرادات العامة ودعم الوصول للتحول الصفري الكربوني بحلول عام 2050.

الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي

وتواصل سلطنة عمان رحلتها نحو مسيرة التقدم والبناء وتحقيق مستهدفات رؤيتها بخطى مدروسة، ومع انطلاقة العام الجديد 2025 أكدت الميزانية العامة للدولة استمرار الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، وإعطاء أولوية قصوى لتوفير فرص العمل ودعم مستهدفات التنويع والتشغيل، وعززت الميزانية العامة الأولويات الاجتماعية بمخصصات تتجاوز 5 مليارات ريال لخدمات الصحة والتعليم والإسكان والضمان والرعاية الاجتماعية، وتؤكد الحكومة على استمرار خطة التوظيف في القطاعين العام والخاص، ودعم مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل في القطاع الخاص.

وللدفع بالتنويع الاقتصادي، تتضمن الميزانية العامة للدولة إجمالي استثمارات 4.4 مليار ريال، ليتواصل نمو حجم الاستثمارات التي يشهدها الاقتصاد، استرشادا بالتوجيهات السامية لعاهل البلاد المفدى بالتركيز على العوامل الإيجابية التي تحفز النمو الاقتصادي وتسهم في توفير فرص عمل للمواطنين، وضرورة تعزيز التعاون ومضاعفة الجهود من كافة الجهات لضمان التنفيذ الناجح لرؤية عمان، ودعوته للقطاع الخاص بالاستفادة من مبادرات التنويع.

ومع ما تشهده سلطنة عمان في مسيرة التقدم والنماء، نستحضر مقولة عالم الاقتصاد الأمريكي وارن بينس: "تتمثل قدرة القيادة في تحويل الرؤى إلى حقيقة".. لتلخص جوهر نجاح التنمية المستدامة، ودور القيادة الذي نلمسه في ظل الحكم السديد لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - وهو يحوّل التطلعات والخطط إلى واقع، ويدفع نحو استغلال كافة الموارد والمقومات، والاستفادة من التطورات الإيجابية، للوصول بعمان إلى مصاف الدول المتقدمة وتحقيق طموحات أبنائها الأوفياء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق