كانا أناجاكي وسارا وايت- الفاينانشال تايمز ترجمة قاسم مكي
كاترين ميشو وزوجها جان إيف مناسبان تماما كما يبدو لأن يكونا جزءا من مجموعة المستهلكين المستهدفة لشراء السيارات الكهربائية؛ فهي محامية متقاعدة ولم تعد بحاجة للذهاب إلى مقر العمل. والزوجان يملكان منزلا يمكنهما فيه تعبئة بطارية سيارتهما في الوقت الذي يناسبهما وبتكلفة أقل. لقد جربا استئجار السيارات الكهربائية في قريتهما الفرنسية الصغيرة بالقرب من مدينة نيس في العام الماضي واستمتعا بالتجربة. مع ذلك تكلفة شراء السيارة الكهربائية نفَّرَتهما من شرائها. يقول ميشو: "الناس لن يتمكنوا أبدا من شراء السيارات الكهربائية. ذلك مستحيل."
ويرى زوجها أن التحدي يتمثل في التخلص من العادات القديمة. يقول: " لقد عشنا دائما داخل سيارات محرك الاحتراق الداخلي. إنها الخيارات التلقائية التي اعتدنا عليها فنحن نعلم أن هنالك محطات وقود على طول الطريق، أما (مع السيارات الكهربائية) فأنت عليك أن تفكر بشأن رحلتك وتخطط لها بعض الشيء ويلزمك تنزيل تطبيق هاتف جوال (لمعرفة أماكن محطات تعبئة البطاريات على سبيل المثال)."
العالم والسيارة الكهربائية
بعد 15 سنة من تدشين شركة نيسان أول سيارة كهربائية يتم إنتاجها على نطاق واسع في عام 2010 لايزال المستهلكون في معظم أجزاء العالم مترددون بشدة في الانتقال من سيارات محرك الاحتراق الداخلي إلى السيارات الكهربائية. هذا التحول الذي تبنته شركات صناعة السيارات في البداية كتطور ضروري أصبح باطراد أزمة وجودية لهذه الصناعة التي أنفقت عشرات البلايين من الدولارات لتطوير سيارات كهربائية وبطاريات بأمل أن يتجه المستهلكون إلى شرائها.
في الأسبوع قبل الماضي تقدمت شركة البطاريات الرائدة في أوروبا "نورثفولت" بطلب إشهار إفلاسها وأثارت بذلك تساؤلا حول مجمل الاستراتيجية الصناعية للقارة. ويوم الثلاثاء قبل الماضي أعلنت شركة فوكسهول مالكة ستيلانتس عن خطط بإغلاق مصنعها لإنتاج الشاحنات الصغيرة المغلقة في لوتون مما يهدد بالاستغناء عن 1100 وظيفة في بريطانيا وذلك بعد أسابيع فقط من تحذير فولكس واجن بإغلاقات غير مسبوقة لمصانعها. أيضا كشفت فورد مؤخرا عن خطط للاستغناء عن 4 آلاف وظيفة في أوروبا لمواجهة تباطؤ أقل من المتوقع في الطلب على السيارات الكهربائية.
ماتياس ميدرايش الرئيس التنفيذي السابق لشركة صناعة مواد البطاريات "يوميكور" والتي ستنضم إلى شركة زد إف فريدريشهافن لإمدادات السيارات في يناير يرجح أن تستمر شركات صناعة وإمداد السيارات الأوروبية في التركيز على التقشف في العام القادم بدلا عن بناء طاقة إنتاجية للتوسع في مبيعات السيارات الكهربائية. يقول: "سنة عودة السيارة الكهربائية ربما ستكون 2026 وليست 2025".
ومن المرجح أيضا أن تتخلف الولايات المتحدة أكثر في انتقالها إلى التقنية الخضراء بالنظر إلى وعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب بوقف الدعومات السخية للسيارات الكهربائية. وعلى الرغم من الهدف الطموح للرئيس جو بايدن بأن تشكل السيارات الكهربائية نصف كل السيارات الجديدة التي تباع في الولايات المتحدة بحلول عام 2030 إلا أن حصتها في السوق كانت 10% فقط في العام الماضي. من المتوقع أن تشهد طاقة تصنيع السيارات الكهربائية المزيد من الهبوط في العام القادم مع تقليص الشركات إنتاجها المستهدف في خططها بنسبة 50% في الولايات المتحدة و29% في أوروبا، وفقا لتقديرات شركة بيرنستين الاستشارية. كما يتوقع أن يصل معدل انتشار استخدام السيارات الكهربائية إلى 23% في أوروبا و13% في الولايات المتحدة عام 2025. في تقرير، ذكر دانيال روزكا محلل بيرنستين أن "توقعات إنتاج السيارات الكهربائية في عام 2025 تشير كما يبدو إلى اتجاه واحد وهو الهبوط".
أسباب تباطؤ النمو في مبيعات السيارات الكهربائية تتراوح بين التكاليف الأولية (الدفع المقدم) والمخاوف بشأن المسافة التي تقطعها السيارة قبل إعادة تعبئة البطارية والبنية الأساسية اللازمة لتعبئتها. لقد تلاشت الوعود بانخفاض أسعار الطاقة مع الحرب في أوكرانيا فيما رفعت أسعار الفائدة المرتفعة عالميا المدفوعات الشهرية لاستئجار السيارة. حسب تحليل للمنظمة غير الحكومية "النقل والبيئة" بلغ متوسط سعر السيارة في أوروبا حوالي 40 ألف يورو قبل الضرائب في عام 2020. وسعرها اليوم حوالي 45 ألف يورو. وتشير دراسة منفصلة بواسطة المفوضية الأوروبية إلى أن السعر الوَسَطي (في الوسط بين أعلى وأقل سعر) الذي يمكن أن يدفعه المستهلكون الأوروبيون للسيارات الكهربائية هو 20 ألف يورو ويشمل ذلك السيارات الجديدة والمستعملة. لكن مسؤولي شركات السيارات يلومون السياسة الحكومية أيضا في مختلف البلدان والتي لم تكن منتظمة على الرغم من الهدف المشترك في الأجل الطويل والمتمثل في
التخلص من انبعاثات الكربون.
يتوقع ماتياس شميدت وهو محلل مستقل لصناعة السيارات أن تتراجع مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 29% هذا العام في ألمانيا والتي هي أكبر سوق في أوروبا بعد سحب برلين فجأة دعوماتها المالية لمشتريات السيارة الكهربائية في أواخر عام 2023. كما تخطط فرنسا لتقليص هذه الدعومات بما يصل إلى النصف لبعض العائلات في العام القادم. يقول مايكل لايترس الرئيس التنفيذي لشركة ماكلارين إن الدعم الحكومي لشراء السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة أوجد طلبا مُصطنعا لم يكن قابلا للاستدامة. يقول: "لقد بالغنا في الدفع نحو السيارات الكهربائية التي تدار بالبطاريات. أعتقد أن التحفيز (على شرائها) ليس صحيا ولذلك شهدنا معدلات تسارع غير طبيعي في شرائها أعقبه هبوط. مسؤولو الشركات والمحللون منقسمون حول المزيج المناسب من الحوافز والدعومات الذي يبتدر مبيعاتها مرة أخرى. يشعر مسؤولو الشركات أن الحكومات في أوروبا تسحب الحوافز قبل أن يتحمس المستهلكون تماما لاقتناء السيارات الكهربائية. لكن الحكومات تدرك أيضا أن الإبقاء على الحوافز لفترة أطول مما يلزم يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر ومكلفا.
التجربة الصينية
وضعت بكين تصورا لمشروع وطني قبل عشرين عاما تقريبا لكهربة صناعة السيارات وهو يطرح ثماره الآن. فأكثر من نصف السيارات المباعة في الصين اليوم إما كهربائية أو هجين. والسيارات الكهربائية في معارض السيارات هناك تقترب أسعارها من أسعار سيارات البنزين. بالنسبة لبكين سياسة كهربة قطاع السيارات وضعت لمساعدة الصين على التخلص من التلوث الخانق في المدن ومعالجة مشكلة الاعتماد المؤذي على النفط الأجنبي. لكنها الآن تعتبر وسيلة لدعم خفض انبعاثات الكربون وأيضا لمنح الشركات الصينية مسارا للهيمنة العالمية. لقد توصل مسؤولو الحكومة الصينية في أواخر العشرية الأولى من هذا القرن إلى أن شركات السيارات الصينية بنهاية العشرية الأولى من هذا القرن لن يكون بمقدورها المنافسة ضد الشركات الغربية في مجال سيارات البنزين. لكنهم رأوا فرصة لهزيمة أمثال جنرال موتور وفولكس واجن في مجال السيارات الكهربائية. فالصين أنشأت سلسلة توريد لإنتاج بطاريات الليثيوم للهواتف النقالة بكميات كبيرة وتكلفة منخفضة. كما كانت لها أيضا، كبلد ينتج المعادن النادرة، ميزة في صناعة السيارات الكهربائية. بدأت بكين مشروعا تجريبيا في 10 مدن حول الصين للترويج لاستخدام السيارات الكهربائية في عام 2009 وبهدف طموح لاستثمار 100 بليون رينمينبي (13.8 بليون دولار) في "سيارات الطاقة الجديدة" خلال العقد التالي.
بعد عامين لاحقا تقدم البنك الدولي بمجموعة من التوصيات التي تحث على عدم اقتصار سياسة الصين على دعم مشتريات السيارات الكهربائية وتضمينها المزيد من الإجراءات الشاملة لتشييد البنية الأساسية لتعبئة البطاريات والاستثمارات في تطوير التقنية والطاقة التصنيعية. وذكر البنك أن المستهلكين "في الأجل الطويل سيلتزمون بشراء السيارات الكهربائية فقط إذا وجدوا قيمة فيها." ودعا إلى إيجاد سوق تمويل للسيارات ومشروع إيجار إلى جانب سوق ثانوية للبطاريات لخفض تكلفة الدفع المقدم لشراء السيارة الكهربائية. عندما طرح مجلس الدولة (مجلس الوزراء في الصين) خطة لصناعة السيارات في صيف عام 2012 كانت بكين قد تبنت معظم توصيات البنك الدولي مع استراتيجية لتطوير سلسلة توريد صناعة السيارات بأكملها من المكونات والبطاريات وإلى المواد ومرافق تعبئة البطاريات وشبكات ذكية إلى جانب طاقة متجددة، حسب تحليل للشركة القانونية "أكين غمب." يقول أندرو بيرغباوم المدير الإداري بشركة اليكس بارتنرز " سلسلة توريد السيارات الكهربائية أُدرجت بكاملها في استراتيجية صناعية جعلتها مترابطة من بدايتها إلى نهايتها. أوروبا ليس لديها أي شيء يماثل ذلك." لكن سوق أوروبا المتحررة من القيود لا يمكنها ولا تريد أن تتنافس مع رأسمالية الدولة على النمط الصيني. لقد اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على فرض رسوم جمركية تصل إلى 45%على واردات السيارات الكهربائية الصينية بحجة أن الدعومات الكبيرة للشركات المحلية تزيد من صعوبة المنافسة النزيهة للشركات الأوروبية.
يرد شون شو الرئيس التنفيذي لعلامتي أومودا وجيكو بشركة "شيري" بأن نجاح شركات السيارات الصينية لم يكن نتيجة لسياسة الحكومة فقط. يقول " كل العلامات الصينية وخصوصا العلامات الكبيرة استثمرت أموالا كثيرة في تطوير تقنية جديدة." وأشار إلى أن التقنيات الداخلية للسيارات الكهربائية والهجين تدفع المستهلكين الآن إلى شرائها مثلما يدفعهم إلى ذلك أي جانب من الجوانب الأخرى للسيارة. وأضاف قائلا: "هذا النوع من الابتكار التقني يمكن أن يحقق منفعة للمستهلكين ويمكن أن يحدُث ذلك أيضا في أسواق بريطانيا وأوروبا."
الحوافز النرويجية
الإمكانيات المحتملة والأخطار الكامنة للإسراف في الحوافز يمكن مشاهدتها في النرويج وهي البلد الأوروبي الذي نجح في الانتقال إلى السيارات الكهربائية. في أكتوبر كانت 94% من السيارات التي بيعت في النرويج كهربائية. وهذا وضعها في مسار يقودها إلى بلوغ هدفها بعدم شراء سيارات ركاب جديدة مزودة بمحرك احتراق داخلي في العام القادم. لكن النرويج التي ترتكز ثروتها على الوقود الأحفوري حققت هذا الازدهار بمستويات إنفاق وإعفاءات ضريبية فاقت بها كثيرا ما قدمه أي بلد آخر في أوروبا. فإلى جانب انخفاض رسوم مواقف السيارات واستخدام الطرق حصل النرويجيون على حوافز ضريبية سخية لكي يفضلوا السيارات الكهربائية على سيارات البنزين. كما تنتشر البنية الأساسية لتعبئة السيارات ويعود ذلك جزئيا إلى دعم الحكومة. مع ذلك حتى في بلد يملك صندوق ثروة سيادية ضخما اتضح أن هذا المستوى من الدعم غير قابل للاستدامة. فمع بلوغ تكلفة دعومات "الكهربة" 4 بليونات دولار في عام 2022 بدأت النرويج في سحب الفوائد اعتبارا من العام الماضي. لكن الحكومة ظلت تصارع لفطام المستهلكين من الحوافز الكبيرة.
تقليل التكلفة
في بريطانيا تدرس الحكومة تيسير بعض المطلوبات من شركات صناعة السيارات لبلوغ أهداف مبيعات السيارات الكهربائية. وتحشد الشركات الأوروبية الدعم للضغط على الاتحاد الأوروبي لتمديد الفترات الزمنية المقررة للوفاء بأهداف خفض ثاني أكسيد الكربون. ويواصل البعض في صناعة السيارات تفاؤله بأن ثورة السيارات الكهربائية لاتزال في المتناوَل حتى دون أن تكون هنالك تغييرات درامية في الدعم الحكومي. يأمل مسؤولو الشركات في أن يتغير مستقبل صناعة السيارات مع تخطيط الشركات من رينو وإلى ستيلانتس وفولكس واجن وتويوتا وهيونداي لطرح عشرات السيارات الكهربائية في العام القادم للوفاء بمتطلبات قوانين جديدة أكثر تشددا في الاتحاد الأوروبي للحد من الانبعاثات. وستكون بعض الموديلات الجديدة رخيصة جدا بأسعار تقل عن 25 ألف يورو. استبعدت بعض المسوحات أن يعود المستهلكون إلى سيارات البنزين بعد تحولهم إلى استخدام السيارات الكهربائية. إلى ذلك السيارات التي تدار بالكهرباء أكثر هدوءا إلى حد بعيد وتتسارع مثل السيارات الرياضية ويمكنها توفير المال في الأجل الطويل.
في الأجل القصير سيكون التركيز على تطوير سيارات بأسعار معقولة حتى إذا كان ذلك يعني الاعتماد على شركات البطاريات الصينية لخفض تكلفة البطاريات. يقول ماتياس ميدرايش "الآن المستهلكون يرغبون في شراء سيارة جيدة ولا يهمهم إذا كانت كهربائية أم لا. لذلك في الوقت الحالي التكلفة هي ما يهم كل شركات صناعة السيارات."
0 تعليق