عميد كلية الإعلام بجامعة عدن يصدر كتابا عن العلاقات العامة
الثلاثاء 08 اكتوبر 2024 - الساعة:23:31:29 (الأمناء / مسعود عمشوش)
لا تزال مكتباتنا المحلية والعربية اليوم تعاني من شح المراجع والمصادر في مجال العلاقات العامة، الذي يعد أحد أهم الفروع التخصصية في مجال الإعلام. لهذا يعد كتاب (العلاقات العامة في اليمن، تكنولوجيا الاتصال وتطوير الأداء)، الذي أصدره في نهاية الشهر الماضي الدكتور وهيب مهدي عزيبان عميد كلية الإعلام بجامعة عدن، المتخصص في العلاقات العامة، إضافة نوعية في هذا المجال. وقد أشار المؤلف، في المقدمة، إلى أن الهدف من تأليفه للكتاب يكمن في سد النقص الكبير في الكتب والدراسات الخاصة بالعلاقات العامة و"الكشف عن الطرق التي تتم بها ممارسة العلاقات العامة في إدارة العلاقات العامة في كل من جامعة عدن والبنك الأهلي بعدن والمناطق الحرة بعدن". ص٣
وفي اعتقادنا أن المؤلف قد سعى في هذا الكتاب، الذي يقع في ٣٩٣ صفحة موزعة على اثني عشر فصلا، إلى الجمع بين التقديم التنظيري والتاريخ (أو التطوير) والتطبيق، هذا من جهة. ومن جهة أخرى حرص د. عزيبان في كتابه على ربط العلاقات العامة بتكنولوجيا الاتصال التي أصبحت اليوم الوسيلة الأولى لتنفيذ معظم المهام التي بات يؤديها هذا المجال الإعلامي الحيوي.
كما تحدث المؤلف في مقدمة كتابه عن أهمية العلاقات العامة في مختلف المؤسسات ودور الاتصال في نجاحها، قائلا: "هناك تلازم بين الإدارة العامة والعلاقات العامة، حيث تعد العلاقات العامة إحدى وظائف الإدارة، لكونها نشاطاً يسعى لكسب وتأييد الجماهير نحو أهداف وسياسات وإنجازات المؤسسة، وخلق جو من الألفة والتعاون بينها وبين جمهورها، من خلال مجموعة من الأنشطة الاتصالية والأعمال المخططة تهدف في الأساس إلى تحسين وبناء علاقات قوية ومتميزة بين المؤسسة وجمهورها من جهة، والمؤسسة والمجتمع المحلي الذي تعيش فيه من ناحية أخرى. وهذا كله يعتمد في الأساس على وجود سياسة سليمة وإعلام صادق على نطاق واسع. وعلى ذلك تقوم العلاقات العامة بالكثير من العمليات التواصلية من أجل التفاهم بين المؤسسة وجمهورها بشقيه الداخلي والخارجي، حيث أن كسب ثقة الجمهور ورضاء لا يمكن أن تتحقق إلا بوتائر مستمرة من الأعمال التواصلية التي تسعى من خلالها إلى تزويده بالمعلومات وكذا استقبالها منه والعمل على تطويرها، وتلبية احتياجاته واكتشاف رغباته وتحديد الخطوات المطلوبة لاستيعابها". ص١-٢
وقد كـُرّست الفصول العشرة الأولى للتقديم النظري للعلاقات العامة وتكنولوجيا الاتصال. ففي الفصل الأول تناول المؤلف مفهوم العلاقات العامة وأنماطها وأبعادها المختلفة؛ وبعد أن عرفها بأنها "وظيفة إدارية ذات طابع مخطط ومستمر تهدف من خلال المؤسسات والهيئات العامة والخاصة إلى كسب تعاطف وتأييد أولئك الذين تهتم بالحفاظ على ثقتهم عن طريق تقييم الرأي العام المتعلق بها وسياستها وإجراءاتها، وتحقيق تعاون مثمر أكثر وبلوغ الأهداف والمصالح بدرجة أكثر كفاءة عن طريق المعلومات ونشرها"، استعرض المؤلف عددا كبيرا من التعريفات التي أعطيت للعلاقات العامة. منها التعريف الذي تبنته الجمعية الأمريكية للعلاقات العامة في مؤتمرها الخامس والثلاثين الذي عُقِد سنة ۱۹۸۲، ويؤكد أن "العلاقات العامة وحدة إدارية متخصصة تقوم بتقديم خطط وبرامج الإدارة المؤسسة تتعلق بالعلاقات بين المؤسسة والرأي العام من أفراد واتجاهات وسلوك سواء لمن هم خارج المؤسسة أو داخلها، لتلبي المؤسسة حاجات جماهيرها ومنفعة المجتمع، كما تؤمن وسائل الاتصال بين الإدارة ومحيطها بتبادل المعلومات محققة الصالح العام، والسعي إلى التحديد وإدامة علاقات المؤسسة بجماهيرها".
وفي ضوء تلك التعريفات عمد المؤلف إلى توسيع تعريفه للعلاقات العامة بطريقة تربطها بتكنولوجيا الاتصال، إذ كتب: "العلاقات العامة تعبر عن أنشطة مستمرة ومرسومة ومخططة بهدف إيجاد تفاهم متبادل بين المنشأة وجماهيرها عن طريق استخدام الأنشطة الاتصالية والإعلامية المخططة التي تعتمد على الفن والعلم، كما أن هذا الأنشطة تتم مع جماهير نوعية وليست كمية، ولذلك تؤدي العلاقات العامة دورًا مهما في تحقيق التنمية التي تتمثل في توعية المجتمع وترقيته وتطويره. كما أنها تسعى من خلالها المنشآت باختلاف أنواعها إلى كسب تفاهم وتعاطف وثقة وتأييد الجماهير الداخلية والخارجية والحفاظ على استمراريتها؛ وذلك بدراسة الرأي العام وقياسه، للتأكد من توافقه مع سياسات المؤسسة أو المنشأة وأوجه أنشطتها، وتحقيق المزيد من التعاون الخلاق والأداء الفعال للمصالح المشتركة بين المؤسسات وجماهيرها باستخدام الإعلام الشامل والمخطط". ص۱۲
ويتناول د. وهيب عزيبان في الفصل الثاني من كتابه مختلف طرق الاتصال التي توظفها العلاقات العامة في سبيل أداء مهامها، وضمان نجاح التواصل بين الحكومة والمؤسسات من جهة والجمهور من جهة أخرى. أما في الفصل الثالث فقد تم التركيز على العلاقات العامة في إطار المؤسسات الحكومية، حيث أشار المؤلف إلى تزايد اهتمام الحكومات بإدارات العلاقات العامة، لاسيما بعد تعاظم دور الرأي العام وتأثيره في توجيه الأحداث واتخاذ القرارات وتحديد السياسات. وتطرق المؤلف في الفصل الرابع للعلاقة المتينة بين وسائل الاتصال والعلاقات العامة والجمهور، وقدم بعض أمثلة لوسائل الاتصال التي أصبحت اليوم واسعة الانتشار في مختلف بقاع العالم. وفي الفصلين الخامس والسادس تناول المؤلف بعض سمات العلاقات العامة بوصفها عملية اتصالية، وشرح البعد التواصلي ودوره في تحسين الأداء ورفع مهارات العاملين في مجال العلاقات العامة اليوم.
أما في الفصلين السابع والثامن فقد قدم المؤلف شرحا ضافيا لطرق التنظيم والبحث والتخطيط والاستراتيجيات والتقييم والتدريب في مجال العلاقات العامة، وأهميتها في تطوير قدرات العاملين فيها. وفي الفصل التاسع استعرض المؤلف طرق استخدام وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي في ممارسة العلاقات العامة، وتناول في الفصل العاشر كيفية استخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة في العلاقات العامة بالمؤسسات المعاصرة.
وفي الجزء الأول من الفصلين الحادي عشر والثاني عشر، اللذين يشكلان الجانب التطبيقي للكتاب، يستعرض المؤلف مراحل تطور العلاقات العامة في بلادنا، وأهميتها في المؤسسات الحكومية، مبينا أن مدينة عدن قد شهد الإرهاصات الأولى لممارسات العلاقات العامة في شكلها الحديث. ففي نهاية ثلاثينيات القرن الماضي شعرت الإدارة الاستعمارية في المدينة بضرورة تطوير وسائل الاتصال بالسكان المحليين للتأثير فيهم. ووضّح المؤلف ذلك على النحو الآتي "في سبتمبر ١٩٣٩، إثر اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية، اتخذت العلاقات العامة في مستعمرة عدن منحى جديدا، إذ طلب مكتب المستعمرات البريطاني من فريا ستارك أن تعمل في مكتب النشر العلاقات العامة بعدن بصفة خبيرة في شئون جنوب الجزيرة. وكانت مهمتها القيام بالدعاية "البروباجندا" بين أوساط العرب لصالح بريطانيا وبقية الحلفاء. وقد قامت فريا ستارك بالتوغل في بعض المناطق الشمالية من اليمن، واستخدمت الأفلام السينمائية لاستمالة الإمام وإقناعه بالوقوف إلى جانب الحلفاء أو على الأقل التزام الحياد. واضطلع المكتب ببعض مهام العلاقات العامة من خلال قيامه بوظيفية الاتصال بين سلطات الاحتلال والجمهور بعدن، وأداء مهمة محاولة إقناع الرأي العام لقبول توجهات الإنجليز، وذلك عبر إصدار النشرات والكتيبات المختلفة. التي تترجم مضمون تلك الأهداف. كما أسس مكتب النشر في العام نفسه مطبعة العلاقات العامة والنشر، وكانت تطبع أعمال المكتب من أجل الدعاية ضد الطرف الآخر في الحرب العالمية الثانية، وأعمال منظمة الوقاية من الغارات الجوية الإيطالية. وأصدرت في العام نفسه جريدة محمية عدن الرسمية. وفي العام ١٩٤٩ أصدر مكتب النشر العلاقات العامة مجلة سنوية باسم ميناء عدن port of Aden، وكانت تطبع في بريطانيا، وصدر العدد الأول منها في العام نفسه، احتوى على مقالات متنوعة عن تاريخ عدن وآثارها ومعالهما، وكذا إعلانات عن الشركات الموجودة آنذاك في المستعمرة وأنشئت إذاعة عدن عام١٩٥٥، وظهر التلفزيون في المدينة في 11 سبتمبر ١٩٦٤".
وعند تقديمه للبدايات الأولى للعلاقات العامة في جامعة عدن يكتب د. عزيبان "تشير الكثير من الدلائل والوثائق العلمية والتاريخية الخاصة بتأسيس جامعة عدن أن تأسيس إدارة العلاقات جاء متزامناً عقب صدور قانون تأسيس جامعة عدن في سنة ١٩٧٥ تحت مسمى (إدارة العلاقات الخارجية)، والتي كان أغلب نشاطها يندرج تحت إطار عمل ونشاط العلاقات العامة، بحيث كان لابد لجامعة ناشئة أن تتولى التعريف بنفسها في الوسط الأكاديمي الدولي، والإفادة من تجارب الجامعات الأخرى، والاحتكاك بها، وقد أنيطت بهذه المهمة بإحدى دوائر الجامعة وهي (دائرة العلاقات الخارجية). وقد بدأ الاهتمام بالعلاقات الخارجية في جامعة عدن خلال السنوات ٧٦-١٩٨١م من خلال التعريف بجامعة عدن على مستوى العالم الخارجي، ومن خلال عقد اتفاقيات ثنائية مع بعض الجامعات والمنظمات. وقد نصت المادة رقم (22) من لائحة تنظيم الجهاز الإداري لجامعة عدن لعام ١٩٧٦على أن دائرة العلاقات في الدائرة رقم (۲) في الجهاز الإداري المركزي الجامعة، وقد كانت هذه الدائرة تتبع - مباشرة - رئيس الجامعة، بخلاف كل الدوائر الأخرى التي كانت تتبع نواب رئيس الجامعة، وحسب المادة (٣٠) من اللائحة المذكورة فإن الدائرة كانت تتولى المهام الآتية: أ- تأمين العلاقات بين الجامعة وسائر الجامعات. ب- تأمين شؤون التبادل الثقافي الجامعي. ج- تولي شؤون الموفدين من قبل الدولة للتخصص في الخارج من بين طلاب الجامعة وأفراد الهيئة التعليمية فيها، وتولي شؤون الطلاب الوافدين. د- سائر المهام التي يكلفها بها رئيس الجامعة". ص292-293
ويلاحظ المؤلف أن العلاقات العامة في البنك الأهلي بعدن تدخل ضمن (دائرة التسويق) التي تضم قسم تطوير المنتجات وقسم إدارة المنتجات (الخدمات) وقسم الترويج والعلاقات العامة. ويذكر أن عمل هذه الإدارة الأخيرة "لا يقتصر على بناء علاقات فعالة مع الجمهور والموظفين فقط وإنما يهدف أيضا إلى تسويق خدمات البنك بهدف زيادة حصته السوقية. كما أن وجود برنامج قوي وفعال للعلاقات العامة، يعتبر أمرا ضروريا لبقاء واستمرار البنك في البيئة المحيطة به، ولذا العلاقات العامة الموجهة نحو السوق. وبوجه خاص كما هي في النشاط الدعائي. وضمن هذا السياق المتخصص تمثل العلاقات العامة أداة تسويقية ذات طبيعة ترويجية وأحد عناصر الجهد الترويجي للبنك لتكمل وتعزز العناصر الأخرى كالإعلان ووسائل تنشيط المبيعات للمصرف. كما أن من شأنها أن تتفاعل مع العناصر الأخرى وبصورة تكاملية". ص٣٣٢
أما بالنسبة للمنطقة الحرة في عدن فالعلاقات العامة فيها تدخل هي أيضا في إطار (إدارة التسويق والترويج). وقد ذكر المؤلف أن "الترويج للاستثمار هو أحد أهم المحاور الرئيسة والمهمة التي تقوم بها المناطق الحرة سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي، حيث يتمثل دوره في إيجاد الفرص الاستثمارية وتحديد أهمها وأهم القطاعات الواعدة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتشجيع المستثمرين المحليين نحو استقلال تلك الفرص للارتقاء بمستوى الأداء الاقتصادي ورفع معدلات النمو وتوفي فيس جديدة للمجتمع. ومما سبق يتضح الترويج للاستثمار ويقصد به التعريف والإعلام والتشهير بفرص ومجالات الاستثمار، وتوضيح كل الجوانب المتعلقة والمرابطة بالنشاط الاستثماري، التي تساعد في تسهيله، تطويره، وتنميته، ولذلك فإن عملية الترويج للاستثمار لابد أن تختلف من جهة إلى أخرى انطلاقا من البيئة المؤسسية التي يعمل فيها جهاز الاستثمار". ص364
وفي ختام هذا العرض الموجز لأبرز محتويات كتاب (العلاقات العامة في اليمن، تكنولوجيا الاتصال وتطوير الأداء)، لا يسعنا إلا نبارك لمؤلفه زميلنا الدكتور وهيب مهدي عزيبان نجاحه في تسليط الضوء على أحد أهم مجالات الإعلام الحديث: العلاقات العامة. ولا نشك في أن الكتاب سيعود بالنفع الكثير ليس على طلبة كلية الإعلام فقط، بل كذلك على كثير من مؤسساتنا الحكومية والأهلية التي ستجد فيه ما يساعدها على تطوير أقسام العلاقات العامة فيها.
0 تعليق