«ترامب الثاني» وسنوات استعراض القوة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: محمد كمال
في استعراض واضح للقوة وعلى متن الطائرة الرئاسية «إير فورس وان»، أثناء توجهه لمشاهدة مباراة رياضية، قرر دونالد ترامب إعلان التاسع من فبراير يوم «خليج أمريكا»، بعد أن قرر تغيير اسمه من «خليج المكسيك»، وذلك تزامناً مع عبور الطائرة فوقه، ولم يكن ذلك كل شيء، حيث قال للصحفيين المرافقين إنه لن يتراجع عن مخطط شراء غزة وتهجير أهلها، ثم أجج الحروب التجارية باعتزامه فرض رسوم جمركية على واردات أمريكا من الصلب والألومنيوم.
الموجات المتتالية من أوامر وتصريحات ترامب الرئاسية المثيرة للجدل لم تتوقف منذ عودته مجدداً إلى البيت الأبيض، حيث تكشف تناقضاً صارخاً مع إدارته الأولى، فمن غزة إلى خليج المكسيك وقناة بنما، مروراً بأطماعه في ضم جزيرة غرينلاند من مملكة الدنمارك، والسيطرة على قناة بنما، كل ذلك وغيره من طرف واحد ودون الرجوع إلى باقي الأطراف المعنية، في نسف للقوانين والأعراف الدولية.
ويرى مراقبون في الولايات المتحدة أن التحركات المبكرة لترامب، سواء داخلياً، بالعمل على تقليص الحكومة الفيدرالية وطرد المهاجرين، والسعي لتوسيع الأراضي الأمريكية، تمثل تقلبات أيديولوجية كبيرة حتى لو كان بعضها يأتي امتداداً لولايته الأولى، إذ يعمل بنهج أكثر عدوانية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية وأمريكا وحتى العالم، وفق صحيفة نيويورك تايمز.
النظر إلى الولاية الأولى لترامب، والتي شهدت جائحة كورونا، فإن الرئيس ال45 لم يكن محافظاً على الإطلاق، فقد كان ينفق بغزارة مثل العديد من الرؤساء الديمقراطيين، لدرجة أنه ترك مع نهاية ولايته الأولى عام 2020، أكبر حكومة أمريكية في وقت السلم على الإطلاق، لكن الآن أطلق الرئيس السابع والأربعون العنان لإيلون ماسك لإخضاع الحكومة الفيدرالية، من خلال ما وصفه باستراتيجية «قطاعة الخشب»، التي تمر على كل وكالة تلو الأخرى، لتقليصها بل بتر بعضها أحياناً، وبينما قال إن الهدف من ذلك هو الوصول إلى «ميزانية متوازنة»، فإنه تعهد خلال حملته الانتخابية بمحاربة ما أسماه «الدولة العميقة».
وبالمثل، سعى ترامب في ولايته إلى إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط لتركيز موارد البلاد داخل حدودها، لكنه يبدو في الولاية الثانية، عازماً على توسيع تلك الحدود عن طريق السيطرة على الأراضي الأجنبية، بما في ذلك غزة، وهو ما وصفه مراقبون بالقول إنه «يزيح سياسة أمريكا الأولى الانعزالية من أجل أحد أشكال «إمبريالية أمريكا أولاً»، وفق ما أورد التقرير.
ويقول جوليان زيليزر، وهو مؤرخ من جامعة برينستون: «إن ترامب في ولايته الأولى مختلف تماماً عن الرئيس الحالي»، ويضيف أنه «إذا نظرنا إلى تلك الفترة (2020:2016)، فقد كان على سبيل المثال ضد الحكومة، لكنه لم يفعل الكثير حيال ذلك، أما الآن، فهو «ترامبي لأقصى درجة».
ويعيد المؤرخ الذي ألف كتاباً عن ترامب التدقيق في توجهاته السياسية، حيث قال إن «ترامب لم يكن متجذراً بشكل خاص في أيديولوجية واحدة، حيث قام بتغيير الأحزاب السياسية خمس مرات قبل أن يترشح لأول مرة للرئاسة كجمهوري في عام 2016، وفي مرحلة أو أخرى كانت هذه التقلبات تعود لأسباب مثل حقوق الإجهاض، أو السيطرة على الأسلحة، وزيادة الضرائب على الأغنياء قبل أن ينقلب على كل ذلك».

الجميع يخدع أمريكا

لكن الخط الأكثر ثباتاً، هو الذي يعود إلى أيامه كمطور عقاري في الثمانينات من القرن الماضي، حيث ظل مقتنعاً بأن الولايات المتحدة تتعرض للخداع من قبل الحلفاء والخصوم على حد سواء، وهو ما أسهم في تشكيل وجهات نظره بشأن التجارة والأمن والتحالفات. وبخلاف ذلك، كان على استعداد لتغيير الاتجاه إذا كان ذلك يناسب مصالحه.
وقال جيريمي شابيرو، المسؤول السابق بوزارة الخارجية في إدارة باراك أوباما، والذي يعمل الآن في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «من الواضح أن ترامب لم يتغير.. ما تغير هو فريق إدارته، حيث اختفت حواجز الحماية وغادر الكبار»، وأضاف: «إننا نشهد الآن نسخة أكثر نقاءً من ترامب، وأقل تصفية من قبل المستشارين التقليديين والمؤسسات الأمريكية»، وهو ما دفعه لتبني أيديولوجية «استعراض السلطة».

غزة أصدق مثال

ترامب أظهر الأسبوع الماضي «استعراض السلطة» بوضوح، عندما اقترح خطته المثيرة للجدل والمفاجئة لسيطرة الولايات المتحدة على غزة، والتهجير الكامل لسكانها البالغ عددهم نحو مليوني فلسطيني»، كما جاءت الخطة بعد أن أعرب مراراً وتكراراً في الأيام الماضية عن رغبته في شراء غرينلاند والاستيلاء على قناة بنما، وجعل كندا الولاية رقم 51 لأمريكا، وهي تصريحات لم يتطرق غليها خلال الحملة الانتخابية.
وعلى الرغم من أنه طرح فكرة شراء غرينلاند في فترة ولايته الأولى، فإنه أسقطها عندما رفضتها الدنمارك، ولم يذكرها قط في أي من خطاباته العامة أو مقابلاته خلال حملة عام 2024، كما لم يقترح قط خلال الحملة أن تصبح كندا جزءاً من الولايات المتحدة، ولم يذكر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ولو مرة واحدة، لكنه قرر إغلاقها بطريقة صادمة.
ويقول بعض الخبراء إن قرار إغلاق وكالة التنمية الدولية يتعارض تماماً مع تصريحاته عن إعادة إعمار غزة، فلو كان يرغب حقاً في الخير للقطاع المدمر وأهله الذين عاشوا ظروفاً مأساوية على مدار 15 شهراً، فكان بإمكانه توجيه جهود هذه الوكالة لتسريع عمليات بناء القطاع بدلاً من الحديث عما وصفه ب«ريفيرا الشرق الأوسط»، والذي أعاده البعض إلى عقلية «المطور العقاري لا السياسي».
وكذلك بخصوص بنما، فإنه لم يقترح قط خلال حملته الانتخابية الأخيرة نقل السيطرة عليها إلى الولايات المتحدة، وعندما طرح مثل هذه الأفكار الاستفزازية خلال فترة ولايته الأولى، سعى الجمهوريون والجنرالات المتقاعدون المقربون منه إلى ثنيه عن ذلك، ثم قال خلال ولايته الثانية إنه نادم على الاستجابة لنصيحتهم، وغالباً لن يسمع مجدداً لمثل هذه النصيحة من المقربين الآن، حيث حرص على تشكيل إدارته بناء على توافق التوجهات والآراء.
ومن بين الأوامر التي أحدثت دوياً، إلغاء حق المواطنة بالولادة المنصوص عليه في التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، لكنه لم يفعل ذلك قط في مواجهة المعارضة الجمهورية، لكن هذه المرة تجاهل ترامب التحذيرات من أنه ليس لديه سلطة دستورية للقيام بذلك، ووقّع أمراً يحظر هذا الحق في الساعات الأولى من ولايته الجديدة، على الرغم من أن المحاكم منعته حتى الآن.
وخلال ولايته الأولى، دعا ترامب بصوت عالٍ إلى حظر تطبيق TikTok، قائلاً إن ملكيته الصينية تشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، ولكن بعد اكتشاف مزايا الوصول إلى الناخبين الشباب من خلال التطبيق خلال حملته الانتخابية، قرر ترامب أن يلجأ إلى هذا التطبيق، ثم جمد قرار حظره، تمهيداً لعقد صفقة بخصوصه.
وعلى نحو مماثل، هاجم بشكل منتظم أباطرة التكنولوجيا في ولايته الأولى ودعا إلى سن تشريعات للحد من سلطة فيسبوك، وجوجل، وتويتر، وغيرها. ولكن بعد أن اشترى ماسك تويتر وأعاد تسميته «إكس»، واستثمر 288 مليون دولار لدعم حملته الانتخابية، احتضن ترامب شركات التكنولوجيا الكبرى، ويشير جيريمي سوري، المؤرخ الرئاسي في جامعة تكساس، إن ترامب يميل بمرور الوقت إلى تجاهل النصائح التي لا يريد سماعها لصالح المشورة التي تعزز توجهاته، بينما أصبح يعتمد على دائرة أقرب وأكثر محدودية، وربما تتسبب في عزله عن الواقع وأصوات الرفض العالية.

تحدي الدستور

ووصلت التحذيرات في الولايات المتحدة، إلى أن نطاق تحدي ترامب للنظام الدستوري الحالي، من خلال هجمات الأوامر التنفيذية الخاطفة، التي يتجاهل الكثير منها بشكل صارخ السوابق والتشريعات الراسخة، إلى البلاد في طريقها نحو القيصرية، أو التغيير الشامل للولايات المتحدة، على شاكلة ما حدث عند التأسيس، أو عقب الحرب الأهلية أو حتى فترة الكساد العظيم، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.
وكثيراً ما يطلق على الرئاسة الأمريكية لقب الإمبراطورية، حيث تحررت السلطة التنفيذية منذ فترة طويلة من معظم القيود الدستورية المفروضة على سلطتها في شن الحرب، ومثل ترامب فقد تجاوز الرؤساء الجدد نطاق السلطة التنفيذية، بما في ذلك سلطة باراك أوباما في توفير الحماية للمهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا وهم أطفال، والرئيس جو بايدن في الأمر بإعفاء بعض القروض الطلابية.
ومن المرجح أن ترامب سوف يأخذ هذه الاستثناءات ويجعلها القاعدة الجديدة، حيث سيتسلح بسلطة تنفيذية شبه الإمبراطورية، ويسمح بتحدي الهيئة التشريعية بشأن الإنفاق وغيره، ويرى العديد من مؤيدي أجندة ترامب أنهم ينقذون أو يستعيدون دستوراً تم انتهاكه لفترة طويلة، ولكن من الواضح أن هذه الولاية قد تشهد لحظة دستورية جديدة لأمريكا بغض النظر عن مخاطر ذلك.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق