د. عبدالعظيم حنفي
تُجمع كافة التحليلات الاقتصادية، على أن نجاح النماذج الاقتصادية في العالم، يتوقف عن مدى مواكبتها لعصر التكنولوجيا الحديثة، التي أصبحت تتغلغل بصورة متزايدة في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية، وباتت تؤثر بصورة أو بأخرى في حياة البشر، بل إن امتلاك أدوات التكنولوجيا والقدرة على توطينها أصبحا من المعايير المهمة في قياس مستوى تطور الدول، فالدول التي تكتفي بشراء الآلات والمعدات الحديثة، لا تمتلك القدرة على تطوير ما تستورده من تكنولوجيا، أو حتى معرفة أسرارها، وذلك لأن السيطرة على التكنولوجيا تتم من خلال المعرفة، ومن خلال نظم البحث والتطوير وليس بالامتلاك الشكلي للتكنولوجيا، ولهذا كان شبه اتفاق بين خبراء التنمية على ضرورة أن تتحرك الدول التي ترنو إلى التقدم. لمواكبة عصر التكنولوجيا الحديثة، وامتلاك أدواتها، والاستثمار في المعارف والعلوم التي تعزز من مواكبة تكنولوجيا العصر. وانطلاقاً من هذه الرؤية ينظر العالم بشغف وإعجاب إلى النموذج الإماراتي الناجح في مواكبة تكنولوجيا العصر واستيعاب أدواتها وعلومها.
أدركت دولة الإمارات منذ نشأتها الأهمية البالغة للتكنولوجيا باعتبارها أهم مظهر من مظاهر استخدام العلم في مجال التقدم والتنمية. وباعتبار التكنولوجيا هي المعرفة والنشاط المنظم الذي يستغل عادة في العمليات الصناعية، والقابل للتطبيق في الواقع على أي نوع من أنواع النشاط العملي بدرجات متفاوتة من الكفاية. باعتبار أن التكنولوجيا تعنى بالأدوات والوسائل والطرق الفنية التي تستخدم في تنفيذ هذه الخطط والمشروعات. ويستلفت النظر أنه عند الحديث عن نجاح النموذج الإماراتي إدراك، أن الوسيلة الأساسية لانتشار العلم والتكنولوجيا وقيامهما بدورهما في تغيير مجتمع ما، هي التعليم والتدريب. ومن هنا فقد كان الحرص على تدريس العلوم الأساسية، والتدريب الفني والمهني، باعتبارهما من أهم وجوه العمل العلمي. ويكون ذلك عن طريق المدارس والجامعات والمعاهد ومراكز التدريب الفني والمهني. وباعتبار أن للعلم ثلاثة وجوه: وجه بحثي، ووجه تطبيقي، ووجه تربوي، والتقدم لا يكون إلا بالعمل في هذه المجالات الثلاثة معاً.
إن النموذج الإماراتي الناجح في التعامل مع التقنيات الحديثة في الحاضر والمستقبل، تستند إلى مقومات عديدة، سواء فيما يتعلق بالاهتمام بالابتكار والإبداع، أو الاستثمار في التعليم، وجعله يواكب عصر العلوم والتكنولوجيا الحديثة، أو في إعداد أبناء الوطن للتعامل مع متطلبات تكنولوجيا المستقبل، هذا فضلاً عن امتلاك الإمارات لبنة أساسية ومعرفية تعزز من مساهمتها في مسيرة التقدم الحضاري العالمي، وخاصة في مجال التكنولوجيا، إذ إنها وضعت سياسة عليا في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، واستحدثت مجموعة من الوزارات التي تعزز من دورها في هذا المجال، كما تمتلك استراتيجية واضحة تستهدف إدماج التقنيات الحديثة في كل مجالات الحياة، ولهذا فإن هذه التجربة تمثل مصدر إلهام للعالم النامي في اللحاق بعصر التكنولوجيا، والمشاركة في مسيرة التقدم العالمي. ولذلك ترى تحليلات أن الإمارات تمثل القاطرة التي تقود العرب للانخراط في عصر التكنولوجيا المتقدمة، لأنها تمتلك مقومات ذلك. فدولة الإمارات تعدّ من الدول الأبرز في الشرق الأوسط والعالم، في تركيزها على الصناعات المرتبطة بالتكنولوجيا، التي شهِدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة لاسيما بعد إطلاق استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة في سبتمبر 2017، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات بصفتها مركزاً عالميّاً للثورة الصناعية الرابعة.
وما يميز ذلك النموذج الرائد أنه وعلى الرغم من توترات التجارة العالمية وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ووفقاً لبيانات «الأونكتاد» لا تزال دولة الإمارات أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر الداخلي في المنطقة، كما تمكّنت الدولة من الحفاظ على الابتكار، خاصة في توليد براءات الاختراع علاوة على ذلك، نجحت دولة الإمارات في الحفاظ على تكاليف رأس المال المعتدلة والبنية التحتية الرقمية المتقدمة، ودفع النمو الاقتصادي رغم حالة عدم اليقين العالمية.
*أكاديمي مصري
0 تعليق