حماية أم عرقلة لعصر أمريكا الذهبي؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إيدن غروغان*

في خطاب التنصيب، تعهد الرئيس دونالد ترامب بإصلاح نظام التجارة الأمريكي لحماية العمال والأسر. وبالفعل، لم يتردد في اتخاذ الإجراء اللازم، ففرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على الصين، وأخرى بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم، وماضٍ في فرض المزيد على كندا والمكسيك وغير ذلك.
في الواقع، إن مثل هذه التدابير ليست سوى محاولات جديدة لتكرار السياسات الحمائية الضارة التي تبناها ترامب في ولايته الرئاسية الأولى، ولن تؤدي إلا إلى عرقلة وعده ببناء «العصر الذهبي لأمريكا»، من خلال رفع الأسعار، وتقليص فرص العمل وإثارة الفساد.
وكشف تقرير اقتصادي في عام 2019، أن التعريفات الجمركية ضد الصين لم تحقق النتيجة المرجوّة منها. وبدلاً من تغيير ممارساتها، أعلنت الصين تعريفات جمركية انتقامية على السلع الأمريكية.
ووفقاً لدراسة أجراها مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي، شهدت الصناعات التحويلية الأمريكية الأكثر تعرضاً لتأثيرات التعريفات الجمركية انخفاضاً في العمالة بسبب ارتفاع كلف المدخلات والتعريفات الجمركية الانتقامية. وربما أنتجت حماية الواردات زيادات هامشية في العمالة في قطاع التصنيع، لكن هذه التأثيرات الإيجابية قابلها ارتفاع الأسعار والانتقام، ما أدى إلى خسارة صافية للوظائف.
وبسبب التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم في عام 2018، تأثرت الصناعات التي تعتمد على هذه المواد كمدخلات للإنتاج سلباً بارتفاع أسعار الصلب والألمنيوم المحلية. وبحلول منتصف عام 2019، كان هناك ما يقرب من 75000 وظيفة تصنيع أقل بسبب هذه التعريفات.
كما أدت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى انخفاض بنسبة 1.4% في العمالة ضمن قطاع التصنيع. وتشير تقديرات «أوكسفورد إيكونوميكس» إلى فقدان 245 ألف وظيفة في مختلف أنحاء الاقتصاد الأمريكي، وانخفاض الدخول الحقيقية بنحو 675 دولاراً لكل أسرة.
ولأن التغيير التكنولوجي كان السبب الرئيسي وراء انخفاض العمالة في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، وليس الاستعانة بمصادر خارجية، فإن الأسعار المرتفعة من خلال التعريفات الجمركية قد تشجع المزيد من الشركات على تقليص قوتها العاملة البشرية وذلك عبر الاستعانة بالأتمتة.
هذا لا يعني أن الحمائية أمرٌ غير مبرر أبداً على أسس تتعلق بالأمن القومي، أو أن التهديد بالتعريفات الجمركية لا يمكن أن يكون في بعض الأحيان بمثابة تكتيك تفاوضي فعال. فقد ركز ترامب على النقطة الأخيرة عندما أجبر كولومبيا والمكسيك وكندا على تقديم تنازلات سريعة بشأن أمن الحدود الأمريكية، بعد التهديد بفرض تعريفات باهظة على كل دولة.
ومع ذلك، فإن الإضرار بالاقتصاد الكولومبي أو المكسيكي، كما قد تحققه التعريفات الجمركية في المستقبل القريب إذا فُرضت، لن يؤدي إلا إلى تحفيز المزيد من موجات الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وتقويض الغرض الكامل من فرض تلك التعريفات.
وكتب عرّاب التجارة الحرة آدم سميث، في كتابه ثروة الأمم، «الدفاع أكثر أهمية بكثير من الثراء». وبينما نعطي الأولوية لأمننا القومي، يجب أن نظل حذرين ولا نستفز حروباً تجارية غير ضرورية مع خصومنا أو حلفائنا، ما يضعف أمننا ويزيد من احتمالات الصراع العسكري.
إضافة إلى ذلك، يجب أن نحذر من الشركات الملتوية التي تضغط من أجل فرض تعريفات جمركية من شأنها أن تفيد صناعتها الخاصة، مستشهدة بمخاوف الأمن القومي. في كثير من الأحيان، تنتج هذه الشركات سلعاً قد يشهد أي أمريكي عاقل بأنها ليست حيوية للأمن القومي، مثل السكر.
وكما قال دانييل دريزنر، أستاذ السياسة الدولية بجامعة تافتس، في مجلة «فورن بوليسي»: «إذا عُرّف كل شيء على أنه أمن قومي، فلن يكون أي شيء أولوية للأمن القومي».
إن الحمائية تمنح الحكومة الفيدرالية بطبيعتها سلطة اختيار الفائزين والخاسرين، لمنح امتيازات لقطاعات معينة من الاقتصاد على قطاعات أخرى. وهذا يتيح المحسوبية والفساد وعدم الكفاءة على أعلى المستويات، وبالتأكيد لا يخدم الصالح العام للأمريكيين، الذين يجب أن يتحملوا وطأة ارتفاع الأسعار.
ونظراً لأن إدارة ترامب ملتزمة ب«تجفيف المستنقع»، وخاصة من خلال وزارة كفاءة الحكومة التي يقودها إيلون ماسك، فيجب أن يكون هدفها تفكيك نظام التعريفات الجمركية البيروقراطي وغير الفعال في الولايات المتحدة، وليس توسيعه وتمكين جماعات الضغط من ممارسة نفوذها لصالح مصالحها الخاصة.
نعم، إن فرض التعريفات الجمركية ضروري لأي غرض، مثل الأمن القومي، وينبغي أن تكون هذه التعريفات قرارات تشريعية وليست تنفيذية. وبموجب الدستور، يتمتع الكونغرس بسلطة فرضها، وليس الرئيس. ولحماية العمال والأسر الأمريكية حقاً، يتعين على الأخير ألا يكرر الأخطاء نفسها التي ارتكبها سلفه.
يبدأ الطريق إلى العصر الذهبي لأمريكا بتنمية بيئة عمل أكثر ودية، وهو ما يتطلب نظاماً ضريبياً وتنظيمياً أقل إرهاقاً، وتذليل العقبات أمام التجارة والاستثمار. ومن الضروري بمكان أن نفكر في ما هو أبعد من السنوات الأربع المقبلة، بعد الموجة الحالية من الشعبوية المندفعة، وأن نُعبر عن رؤية متماسكة ومقنعة طويلة الأجل. فتجنب الركود الاقتصادي يتطلب حرية حركة رأس المال والسلع والخدمات لدعم سبل الرخاء.
*مسؤول تواصل الجهات المانحة في المعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية «ريل كلير ماركيتس»

أخبار ذات صلة

0 تعليق