الولايات الأرجوانية.. الحصان الأسود في الانتخابات الأمريكية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. أيمن سمير
ليست زرقاء أو حمراء، هواها متقلب، تارة يميل قلبها للديمقراطيين، وتارة أخرى تختار بعقلها الجمهوريين، يراها البعض «متأرجحة»، بينما ينظر إليها الآخرون على أنها «أرجوانية»، أي ما بين الأزرق وهو لون الديمقراطيين، والأحمر وهو لون الجمهوريين، قضاياها دائماً محور الخلافات بين المحافظين الذين يمثلهم الجمهوريون، وبين الليبراليين واليساريين الذين يمثلهم الديمقراطيون، كل الأنظار سوف تتجه إليها مساء يوم 5 نوفمبر القادم، لأن سيد البيت الأبيض الجديد أو سيدته لا بد أن يمرا من هناك.
أتحدث عن الولايات الأمريكية الست التي يطلق عليها «الولايات المتأرجحة» أو ما يطلق عليها «swing states» التي تحسم السباق الانتخابي سواء على المستوى الرئاسي أو الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ أو حتى على مستوى «حكام الولايات»، والولايات المتأرجحة هي تلك الولايات التي يتمتع فيها الجمهوريون والديمقراطيون بنوايا دعم انتخابي متقاربة ويطلق عليها أحياناً «الولايات المتعادلة» أو «ولايات الصراع»، وهي ولايات ليست مثل الولايات «المحسومة مسبقاً» أو «الولايات الآمنة» مثل كاليفورنيا التي تعتبر محسومة للديمقراطيين، وأوكلاهوما المحسومة سلفاً للجمهوريين، وتعد «الولايات الأرجوانية أو المتأرجحة» حاسمة في نتائج الانتخابات، لأن لها 66 صوتاً في «المجمع الانتخابي» الذي يضم 538 صوتاً، ويحتاج الفائز للحصول على 270 صوتاً ليجلس في المكتب البيضاوي، ويتشكل «المجمع الانتخابي» من 538 مندوباً يصوتون لاختيار الرئيس الجديد ونائبه، وهو عدد يساوي إجمالي 435 مقعداً في مجلس النواب مخصصة للولايات الخمسين، و3 مقاعد مخصصة للعاصمة واشنطن ومقاطعة كولومبيا، و100 مقعد في مجلس الشيوخ الذي تتمثل فيه كل ولاية بمقعدين.
وتعد ولاية فلوريدا أكثر الولايات المتأرجحة تأثيراً في نتائج الانتخابات لأن لها 29 صوتاً.


في المجمع الانتخابي، وفاز بها المرشح الجمهوري جورج بوش الابن على المرشح الديمقراطي آل جور في نوفمبر عام 2004 بفارق لا يزيد على 537 صوتاً، تأتي بعدها ولاية كارولينا الشمالية التي لها 15 صوتاً في المجمع الانتخابي، وأريزونا التي لها 11 صوتاً، ثم نيفادا التي لها 6 أصوات ونيوهامبشير ب 4 أصوات، ونبراسكا ذات الصوت الواحد، والمرشح الذي يحصد «الأغلبية البسيطة» من أصوات الناخبين في أي ولاية أمريكية، يحصل على «كل» أصوات هذه الولاية في المجمع الانتخابي ما عدا ولايتي ماين ونبراسكا، حيث يحصل كل فائز على النسبة التي تعكس الأصوات التي حصل عليها بالفعل في صناديق الانتخابات، ولهذا سوف تركز كامالا هاريس ونائبها على البطاقة الانتخابية الديمقراطية تيم والز، وكذلك دونالد ترامب ونائبة جي دي فانس على الولايات المتأرجحة في الأسابيع القادمة من السباق
لكن المدقق في نتائج وأرقام الانتخابات الأمريكية خلال العقدين الماضيين يتأكد له أن «حزام الولايات المتأرجحة» بات يتسع ليشمل ولايات أخرى باتت متأرجحة مثل «ميشيغان وأوهايو وحتى بنسلفانيا، فعلى سبيل المثال فاز ترامب بولاية ميشيغان وأصواتها الستة عشرة في المجمع الانتخابي في انتخابات عام 2016، بينما فاز بها الرئيس الحالي جو بايدن في نوفمبر 2020، وهناك صراع محتدم حالياً بين هاريس وترامب في هذه الولايات التي باتت متأرجحة في السنوات الأخيرة، فما هي القضايا التي يمكن أن تحسم السباق الانتخابي بين ترامب وأنصاره من جانب، وهاريس وداعميها من جانب آخر؟ وما علاقة الولايات المتأرجحة 
بما يسمى«ولايات الصدأ»و«الجدار الأزرق»؟
لماذا التأرجح؟
تعود ظاهرة«الولايات المتأرجحة»إلى عدد من العوامل أهمها:
أولاً: الانقسام السياسي، فمن يحلل الخطاب السياسي الأمريكي خلال العشرين عاماً الأخيرة يتأكد أنه «خطاب إقصائي» للآخرين، وغياب«المساحات المشتركة» وتنامي الخلافات الأيديولوجية بين الحزبين الكبيرين خاصة حول ظواهر مثل الإجهاض والتلقيح الصناعي والاقتصاد والحدود وانتشار العنف والميليشيات المسلحة وعدم القدرة على السيطرة على الجريمة، ووصول الخلافات إلى الجوانب الشخصية بدلاً من مناقشة القضايا التي تهم الناخب الأمريكي، ولهذا يرسم الحزب الديمقراطي صورة للمرشح الجمهوري دونالد ترامب بأنه خطر على الديمقراطية، بينما يصور الحزب الجمهوري كامالا هاريس بأنها شيوعية يسارية متطرفة»، وكل هذا أدى إلى غياب «التسامح السياسي» بين القواعد الناخبة للحزبين، الأمر الذي يقود إلى التقارب الشديد بين هؤلاء وهؤلاء، وعدم القدرة على توقع اتجاه الولاية المتأرجحة حتى فرز آخر صوت.
ثانيا: انتقال السكان
تشهد الولايات المتحدة حركة دائمة وانتقال للسكان من ولاية إلى أخرى، لكن الأكثر تأثيراً في الولايات المتأرجحة هو أن سكان المدن دائماً ما يصوتون للديمقراطيين، بينما سكان الأرياف والبلدات الصغيرة المحافظة يصوتون للجمهوريين، وكلما زاد عدد سكان المدن، زادت فرصة الديمقراطيين، بينما زيادة عدد سكان الريف خاصة من البيض يصوتون لصالح الجمهوريون


ثالثاً: المهاجرون غير الشرعيين
هناك يقين لدى الجمهوريين بأن جزءاً من خطة الديمقراطيين للفوز بالولايات المتأرجحة هو السماح بوصول أكبر عدد من المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة، ووفق المؤسسة الجمهورية التابعة للحزب الجمهوري، فإن نحو 20 مليون لاجئ غير شرعي دخلوا الولايات المتحدة خلال الفترات الرئاسية الثلاثة للديمقراطيين منها ولايتان للرئيس الأسبق باراك أوباما، والولاية الحالية للرئيس بايدن، ولهذا تعهد المرشح الجمهوري دونالد ترامب ونائبة جي دي فانس بطرد 20 مليون من المهاجرين غير الشرعيين خارج الأراضي الأمريكية
رابعاً: إعادة تقسيم الدوائر
وفق القانون الأمريكي يجري تقسيم الدوائر الانتخابية كل 10 سنوات، وذلك بهدف مراعاة زيادة عدد السكان بحيث تعكس الدوائر الانتخابية حجم وعدد السكان، وخلال السنوات الماضية حدث تقارب شديد بين عدد وحكم الدوائر الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتأرجحة
ولايات متأرجحة جديدة
الثابت خلال العقود الثمانية الماضية أن الولايات المتأرجحة تتغير وتنتقل من مكان لآخر، والشاهد على ذلك أنه طوال 20 عاماً من عام 1968 حتى عام 1988 كان هناك ما يسمى ب«الحائط الأحمر» والذي كان يشمل 21 ولاية تدعم الجمهوريين على مدار 5 انتخابات متتالية وقدمت نحو 191 صوتاً في المجمع الانتخابي، وتغير الحال مع انتخابات 1992 عندما انتزع بيل كلينتون 9 ولايات لها 118 صوتاً في المجمع الانتخابي من الرئيس الأسبق جورج بوش الأب.
لكن اللافت في الوقت الحالي أن عدد الولايات المتأرجحة لم يعد يقتصر على الولايات الأرجوانية الست المعروفة وهي فلوريدا ونورث كارولينا، ونيفادا ونيوهامبشير وأريزونا ونبراسكا، بل اتسعت مساحة الولايات المتأرجحة، لتشمل ولايات جديدة مثل جورجيا وبنسلفانيا وميتشغان وأوهايو والتي تبادل كل من الجمهوريين والديمقراطيين السيطرة عليها منذ بداية القرن الجاري، وتكمن أهمية هذه الولايات في أنها ولايات كبيرة وحاسمة ولها خصوصية خاصة، وباتت متأرجحة في السنوات الأخيرة وهذه الولايات:
فلوريدا
تحتل فلوريدا مكانة خاصة في استراتيجية الجمهوريين للفوز بانتخابات نوفمبر القادم، فعلى مدار قرن كامل- ومنذ عام 1924 عندما فاز بها كالفين كوليدج -لا يمكن لأي رئيس جمهوري أن يدخل البيت الأبيض بدون الفوز بولاية فلوريدا، ولدى فلوريدا 29 مقعداً في المجمع الانتخابي، وصوتت للجمهوريين في انتخابات 2000 و2004، وتحولت للديمقراطيين في انتخابات 2008 و2012، وعادت للجمهوريين عام 2016 مع دونالد ترامب، وتتداخل فيها المناطق الجمهورية والديمقراطية، فجنوب الولاية ديمقراطي، والشمال جمهوري، ويلعب اللاتينيون دوراً كبيراً خاصة الذين هم من أصل كوبي، وينحدر منهم السيناتور الجمهوري مارك روبيو الداعم بقوة للرئيس دونالد ترامب، ويمثل اللاتينيون نحو 25% من إجمالي 21 مليون نسمة في فلوريدا.
أوهايو تختار الفائز
على مدار أكثر من 40 عاماً فإن الفائز في ولاية أوهايو التي لها 18 مقعداً في المجمع الانتخابي هو الذي يفوز على المستوى الوطني، ويدخل البيت الأبيض، وهذه الولاية - التي ينحدر منها جي دي فانس المرشح لنائب الرئيس مع دونالد ترامب- ظلت تتأرجح بشكل خاص منذ عام 1992، وفي انتخابات 1992 و1996 صوتت للديمقراطي بيل كلينتون، وفي انتخابات 2000 و2004 انتخبت الجمهوري جورج بوش الابن،، لتعود في انتخابات 2008 و2012 إلى الديمقراطيين، وفي 2016 فاز بها ترامب بهامش كبير تجاوز


8% لتعود مرة أخرى للديمقراطيين عام 2020، وتعد مشاكل ولاية أوهايو هي نفس مشاكل «ولايات حزام الصدأ» وهي الولايات التي أغلقت مصانعها وفقدت وظائفها بسبب توجه الديمقراطيين نحو اتفاقيات التجارة الحرة، وليس دعم الصناعات الوطنية الأمريكية
ميشيغان.. وسيناريو بيرني ساندرز
هناك معركة خاصة في ولاية ميشيغان قلعة الصناعات الأمريكية، ويعيش فيها عدد كبير من العرب والمسلمين، ورغم فوز بايدن بها عام 2020 إلا أن هناك مخاوف ديمقراطية بفقدان هذه الولاية التي تحكمها حاكمة ديمقراطية هي جريتشن ويتمر، وسبب التخوف الديمقراطي هو ما جرى في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، حيث رفض نحو 100 ألف التصويت لصالح الرئيس جو بايدن، واتهموه بأنه «غير ملتزم» بقواعد الحزب الديمقراطي، وأسس هؤلاء مجموعات ضغط تحت مسمى «غير ملتزم» حتى لا يمنحوه أصواتهم في نوفمبر القادم، لكن بعد انسحاب بايدن لم تنجح كامالا هاريس في احتواء هؤلاء الذين طلبوا الحديث أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا، لكن لم يتم الاستجابة لطلبهم، ويخشى البعض أن يحجم أنصار تيار «غير ملتزم» عن التصويت، ووقتها سيكون الحزب الديمقراطي أمام سيناريو «بيرني ساندرز» عام 2016 عندما رفض المؤيدون للسيناتور ساندرز المشاركة في الانتخابات اعتراضاً على اختيار الحزب لهيلاري كلينتون بدلاً من ساندرز
ولدى ميشيغان 18 مقعداً في المجمع الانتخابي، وأصبحت ولاية متأرجحة منذ عام 2016 عندما فاز بها ترامب على هيلاري كلينتون.
ويسكونسن
يخشى الديمقراطيون خسارة ولاية ويسكونسن لأنها باتت ولاية متأرجحة في السنوات الماضية، وهي ولاية كانت في السابق من الولايات المستقرة انتخابياً، ففي الفترة من 1848 حتى 1924 كانت تصوت للحزب الجمهوري، وبعد الكساد الكبير باتت تصوت لصالح الديمقراطيين، ولذا فاز بها الديمقراطيون في7 انتخابات متتالية بين عامي 1988 و2012، وفي عام 2016 استعادها ترامب، وهي ولاية مهمة لأن لها 10 مقاعد كاملة في المجمع الانتخابي، ويراهن الديمقراطيون على الأقليات في هذه الولاية خاصة السود الذين كان لهم دور كبير في تحول الولاية تاريخياً من الجمهوريين إلى الديمقراطيين
جورجيا
يضع الرئيس ترامب عينه على ولاية جورجيا وأصوات مجمعها الانتخابي البالغة 15 صوتاً، وهي الولاية التي شهدت إعادة فرز الأصوات عام 2020 بعد تشكيك الجمهوريين في النتيجة، ويعتقد الجمهوريون أن الفوز بولاية جورجيا سيكون نقطة تحول في نتائج الانتخابات، لكن على الجانب الآخر تعتبر كامالا هاريس أن الفوز ب 16 صوتاً انتخابياً من جورجيا سيضعها على حافة الوصول لعتبة 270 صوتاً انتخابياً.


بنسلفانيا
تحتل بنسلفانيا مكاناً خاصاً في التاريخ الأمريكي، حيث استضافت المفاوضات التي قادت إلى استقلال الولايات المتحدة عن التاج البريطاني، وشهدت وقتها مدينة فيلادلفيا كتابة الدستور الأمريكي وكانت ولاية بنسلفانيا هي ثاني ولاية توقع على الدستور وهي من الولايات ال13 التي أسست الولايات المتحدة، ويعيش فيها نحو 13 مليون نسمة مقسمين بين سكان المدن الذين يؤيدون الديمقراطيين وسكان الريف الذين يدعمون الجمهوريين، ولدى بنسلفانيا 20 مقعداً في المجمع الانتخابي وكانت تصوت لصالح الجمهوريين في الفترة من 1980 حتى 1988، لكن بداية من عام 1992 تحولت نحو «الولايات الزرقاء» لكن عاد ترامب لينتزعها عام 2016، وفاز بها جو بايدن في 2020، وينظر إليها باعتبارها إحدى «ولايات الصدأ» التي عانت إغلاق المصانع بسبب توقيع باراك أوباما اتفاقيات التجارة الحرة مع دول المحيط الهادي، ولهذا انتخبت ترامب عام 2016 الذي وعد باستعادة الوظائف، لكنها عادت للديمقراطيين وجو بايدن في انتخابات 2020.
نورث كارولينا
ظلت هذه الولاية تصوت للديمقراطيين لنحو قرن كامل من الزمان، لكن القوانين التقدمية التي سنها الديمقراطيون عام 1968 دفعت كارولينا الشمالية للتصويت للجمهوريين، وظلت تصوت لهم حتى استعادها باراك أوباما 2008.
الواضح أن معركة الأسابيع القادمة من الانتخابات الأمريكية سوف تكون في الولايات المتأرجحة وهي التي سوف تحدد ساكن البيت الأبيض القادم
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق