هيلين أولين*
يختلف الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، في كل شيء تقريباً، من التعرفات الجمركية إلى الإجهاض مروراً بملف الهجرة. ومع ذلك، يتشارك الاثنان في دعم العملات المشفرة كجزء من خطاباتهما السياسية.
وفي تجمع انتخابي سابق، قال ترامب، الذي لطالما عدّ صناعة التشفير «عملية احتيال»، إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، فسوف يحول الولايات المتحدة إلى «عاصمة التشفير على هذا الكوكب» ويجعلها «قوة عظمى في مجال البيتكوين». ووعد بطرد غاري غينسلر، الرئيس الحالي لهيئة الأوراق المالية والبورصة، الذي شن حملة صارمة على الصناعة الناشئة، واتهم الكثير من شركات التشفير والمديرين التنفيذيين بانتهاك القانون الأمريكي.
وعلى الرغم من أن هاريس أقل حماساً في دعمها، إلا أنها أكدت أيضاً تأييدها للعملات المشفرة، وبأنها لو فازت بكرسي الرئاسة، «فستشجع التقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي والأصول الرقمية». وقد أخبرت المانحين الكبار أنها ستضمن «بيئة عمل أكثر أماناً» للمستثمرين في هذا القطاع. فلماذا كل هذا الاهتمام بهذه القضية بالذات؟
تُفضل صناعة التشفير، وأنصارها، الإشارة إليهم بلقب «ناخبو العملات المشفرة». مع ذلك، ورغم وجود بعض المؤيدين للقطاع، فمن المؤكد أنه لا يوجد دعم مطلق له، حيث يمتلك أقل من 1 من بين كل 5 أمريكيين، أو يتداول، عملة مشفرة. وعندما يُسأل الناخبون عن رأيهم فيها، فمن المرجح أنه سيكون سلبياً، وبأنهم لا يثقون بها. حتى بالنسبة للشباب الأمريكي، فإن العملات المشفرة ليست من بين أهم 20 قضية في أولوياتهم.
إذاً، الإجابة تكمن في مكان آخر. من المؤكد تقريباً أنه ليس من قبيل المصادفة أن صناعة العملات المشفرة ظهرت من العدم لتبرز كأكبر مانح من الشركات في الانتخابات الأمريكية لعام 2024. فكيف نفسر إذاً إنفاق لجنة العمل السياسي العملاقة «فيرشيك» ملايين الدولارات لدعم المرشحين المفضلين من كلا الحزبين، وتهاجم أولئك الذين تريد خسارتهم؟ وفي وقت سابق من هذا العام، استهدفت الصناعة بنجاح النائبين الديمقراطيين جمال بومان، وكاتي بورتر، في الانتخابات التمهيدية لمجلسي النواب والشيوخ.
ومؤخراً، ضخت الصناعة الأموال في سباق مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو، وهاجمت النائب الديمقراطي الحالي شيرود براون. وفي جنوب كاليفورنيا، تدعم ملايين الدولارات من أموال العملات المشفرة النواب الجمهوريين ميشيل ستيل، ومايك غارسيا، ويونغ كيم، وهي سباقات تنافسية للغاية يمكن أن تكون مفتاحاً لاستعادة الديمقراطيين السيطرة على مجلس النواب.
لقد أنفقت شركات العملات المشفرة، أمثال «ريبل»، و«كوينبيس»، و«a16z» وغيرها، نحو 170 مليون دولار عبر «فيرشيك». أي أكثر من نصف إجمالي إنفاق الشركات الأخرى على الانتخابات، حتى أنها شكلت تحدياً للبنوك وشركات النفط العملاقة.
فما الذي دفع الصناعة إلى زيادة إنفاقها؟ بكلمة واحدة، «التشريع». إذ أثبتت الولايات المتحدة أنها واحدة من أكثر الجهات نشاطاً في فرض العقوبات والإجراءات القانونية على شركات العملات المشفرة. حيث ألقي القبض على بعض أكبر الأسماء في الصناعة، مثل سام بانكمان فرايد، والذي حُكم عليه بالسجن مدة 25 عاماً بتهمة الاحتيال. والعام الماضي، أقرّ مؤسس بورصة العملات المشفرة «باينانس» تشانغ بينغ تشاو، أو «سي زي»، بالذنب في انتهاك منصته قوانين غسل الأموال والعقوبات، ووافق على دفع أكثر من 4 مليارات دولار كغرامات. ورفعت وزارة العدل الأمريكية، إضافة إلى هيئة الأوراق المالية والبورصة بقيادة غاري غينسلر، أكثر من 100 دعوى إنفاذ ضد القطاع.
ومن غير المستغرب أن أنصار العملات المشفرة غير راضين عن هذا. فهم يفضلون مشروع قانون من شأنه أن يجعل العملة الرقمية خاضعة إلى حد كبير للتنظيم من قبل لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الصغيرة الصديقة للصناعة المالية، ما يقلل بشكل كبير من سلطة الهيئة في هذا المجال. ويتوق كبار الشخصيات في الصناعة والمستثمرين المليارديرات على حد سواء إلى رؤية غينسلر وهو مطرود خارج الهيئة، كما وعد ترامب. ففي الشهر الماضي، اقترح رجل الأعمال مارك كوبان، وهو مؤيد بارز لهاريس، نفسه كبديل. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «ريبل لابس» براد غارلينغهاوس، «إن سطوة غينسلر العنيفة على صناعة العملات المشفرة ستنتهي قريباً جداً».
في غضون ذلك، تروج صناعة العملات المشفرة لمنتجاتها كوسيلة لتمكين المحرومين مالياً من الحصول على حصة من هذا النشاط. لكن المؤمنين الحقيقيين الذين يرددون هذا الصوت، لا يكلفون أنفسهم عناء شرح سبب عدم استثمارهم في سوق الأسهم بدلاً من ذلك. وعلى الرغم من كل التصريحات الكبرى بأن العملات المشفرة من شأنها أن تحدث ثورة في التمويل، يرى بعض المستثمرين أن الشيء الوحيد الذي مكنته حتى الآن هو إعطاء غطاء أكبر لعمليات غسل الأموال، بالإضافة إلى سلوكيات غير قانونية أخرى.
ومع ذلك، في لعبة اليانصيب الضخمة التي يفرضها النظام الأمريكي للفساد القانوني، والمسماة مجازاً «تمويل الحملات الانتخابية»، لا يبدو أن أياً مما سبق ذكره يهم. فقد أثبتت التبرعات السخية التي منحتها صناعة العملات المشفرة مرة أخرى أن الأمريكيين لديهم أفضل السياسات التي يمكن شراؤها بالمال.
*مراسلة في شبكة أوميديار «إم إس إن بي سي»
0 تعليق