جيمي ماكغيفر*
إذا تعلم مستثمرو السندات درساً واحداً من السنوات القليلة الماضية، فهو ألا يهتموا كثيراً بما يقوله جيروم باول، بل بما يفعله. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب عليهم أن «يحزموا» أنفسهم في رحلة صعبة، حيث من المرجح أن يستمروا في تسعير السياسة الفضفاضة لخطاباته، فقط ليتم سحبهم إلى الصف مرة أخرى بسبب حقيقة أفعاله.
لقد اتخذ رئيس الاحتياطي الفيدرالي لهجة متشائمة نسبياً في مؤتمره الصحفي مرة أخرى الخميس بعد أن خفض البنك المركزي أسعار الفائدة للاجتماع الثاني على التوالي، وهذه المرة بمقدار ربع نقطة مئوية متوقعة.
وقد فاجأ هذا بعض مراقبي المركزي، نظراً للتحول التصاعدي الكبير في عائدات السندات منذ اجتماع الفيدرالي الأخير، والتحول السياسي الجذري الذي حدث في واشنطن هذا الأسبوع.
وارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بما يصل إلى 80 نقطة أساس منذ أن خفّض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر/أيلول الماضي، ما أثار بعض المخاوف من أن البنك المركزي قد يفقد السيطرة على النهاية الطويلة للمنحنى. ويوم الأربعاء وحده، ارتفع العائد بمقدار 14 نقطة أساس بعد الفوز الساحق الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وترى إحدى المدارس الفكرية، أنه في ظل هذه الخلفية، سيسعى باول إلى تثبيت النهاية الطويلة للمنحنى من خلال التحدث بصرامة، ربما عن طريق الإشارة إلى توقف مؤقت في دورة التيسير، أو الإشارة إلى سعر فائدة نهائي أعلى، أو الالتزام بمواصلة تخفيض الميزانية العمومية.
لكن هذا ليس الطريق الذي اختاره، فقد اعترف بأن الاقتصاد الأمريكي قد يكون أقوى في العام المقبل مما كان متوقعاً في السابق، وأن التضخم قد يستغرق بعض الوقت للعودة إلى الهدف. وشدد على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال يعتمد على البيانات.
وهذا لا ينبغي أن يفاجئ أحداً. إذ كانت الحمائية هي الموقف الافتراضي لباول لسنوات، بغض النظر عما فعله البنك المركزي في نهاية المطاف. وبينما تعكس تصرفاته موقف السياسة المركزية للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، فإن كلماته تجعله واحداً من أكثر أعضائها تشاؤماً. ومن المرجح أن يكون هذا الاختلاف أحد الأسباب التي دفعت المستثمرين إلى تسعير المزيد من التيسير النقدي بشكل متكرر مقارنة بما تحقق في العامين الماضيين.
منذ رفع سعر الفائدة الأخير لدورة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي في يوليو/تموز من العام الماضي، عقد البنك المركزي 10 اجتماعات سياسية. ورغم أن التخفيض الأولي لسعر الفائدة لهذه الدورة لم يتم حتى سبتمبر/أيلول من هذا العام، إلا أن باول اتخذ لهجة متشائمة بشكل عام في مؤتمراته الصحفية التي أعقبت القرار خلال تلك الفترة بأكملها.
ويبدو أن سوق السندات صدّقت خطابه، فانخفض العائد على سندات العشر سنوات في ثمانية من تلك الأيام، بمتوسط ما يقرب من ست نقاط أساس، وارتفع مرتين فقط. وبالنظر إلى الفترة من الأربعاء إلى الجمعة بعد المؤتمر الصحفي للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، انخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات بعد ستة من الاجتماعات التسعة الماضية، بمتوسط 17 نقطة أساس.
بطبيعة الحال، تؤثر عوامل كثيرة في حركة أسعار السندات اليومية، ولكن الأنماط هنا تشير، وبشكل غير مستغرب، إلى أن أحد العوامل الكبرى هو لغة الشخص المسؤول عن وضع السياسة النقدية.
هذا لا يعني أن تصرفات باول لم تنحرف أبداً عن السياسة الحذرة. انظر فقط إلى التخفيض بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ومن المؤكد أنه إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى تخفيف سياسته بشكل كبير، فسوف يفعل ذلك.
ولكن بالنظر إلى الإجراء في سوق السندات، أصبح من المرجح بشكل متزايد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة باول قد يحتاج إلى اعتماد نهج «البطء» في هذه الدورة، ما يعني إبقاءه أسعار الفائدة مرتفعة نسبياً. وجعلت انتخابات الثلاثاء هذا الأمر أكثر ترجيحاً، حيث من المرجح أن تؤدي أجندة السياسة المالية لترامب إلى توسيع عجز الميزانية الكبير بالفعل وتغذية التضخم، في اقتصاد حيث النمو يسير بشكل جيد عند أقل من 3% بقليل.
فلماذا عاود باول خطابه الشيطاني يوم الخميس؟ ربما شعر أنه مضطر إلى مواجهة موجة بيع السندات الأخيرة. بعد ارتفاع مؤشر «غولدمان ساكس» للأوضاع المالية في الولايات المتحدة بنحو 30 نقطة أساس منذ خفض أسعار الفائدة في 18 سبتمبر. وارتفاع أسعار الفائدة الثابتة على الرهن العقاري لمدة 30 عاماً بنحو 70 نقطة أساس إلى أعلى مستوى لها في أربعة أشهر عند 6.79%. أو ربما شعر بالقلق حقاً، كما يفعل دائماً، بشأن التصدعات في سوق العمل.
ولكن بغض النظر عن ذلك، ينبغي للمستثمرين أن يضعوا في الحسبان أنه حتى لو اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نهاية المطاف مساراً أقل تساهلاً، فمن المرجح أن يستمر قبطان السفينة في الإشارة إلى منعطف مختلف.
*كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»
0 تعليق