جيمي ماكغيفر*
غالباً ما تكون السياسة محركاً رئيسياً لأسعار الصرف في الاقتصادات الناشئة، حيث يمكن للانتخابات والقادة والسياسات الحكومية أن تلعب دوراً كبيراً في تشكيل تدفقات التجارة والاستثمار. وهذا ليس هو الحال غالباً بالنسبة للعملات الرئيسية في الأسواق التي تتمتع بتدفقات استثمارية وسيولة أعمق بكثير، مثل الدولار الأمريكي.
لكن الارتفاع الهائل الذي شهدته العملة الأمريكية في أعقاب الانتخابات الرئاسية يُظهر أن السياسة لا تزال تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للدولار. أو بتعبير أدق، لا يزال الدولار حساساً للغاية للصدمات السياسية.
ارتفع الدولار بنحو 2% مقابل سلة من العملات الرئيسية في وقت مبكر من الأربعاء، بعد الفوز الساحق الذي حققه الجمهوري دونالد ترامب على الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات الثلاثاء التاريخية.
وكان هذا بمثابة أكبر ارتفاع للدولار في يوم واحد منذ أكثر من ثماني سنوات، وعلى وجه الدقة، منذ 24 يونيو/حزيران 2016. كان ذلك في اليوم التالي لدراما سياسية تاريخية أخرى، وهي الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عندما أذهل البريطانيون منظمي استطلاعات الرأي، وصوّتوا لصالح مغادرة الكتلة.
وكان هبوط الجنيه الإسترليني بنسبة 8% في ذلك اليوم، وهو أكبر انخفاض له على الإطلاق في مقابل الدولار منذ بدأ عصر أسعار الصرف الحرة التعويم قبل أكثر من خمسين عاماً، سبباً في ارتفاع مؤشر الدولار بنسبة 2%.
كان فوز ترامب أقل صدمة بكثير من التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكانت الأسواق المالية تسعره لأسابيع. ولكن رد الفعل الحاد من قِبَل الدولار يشير إلى أن هامش النصر وسيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس، كان سبباً في مفاجأة الأسواق.
ويعتقد ستيفن إنغلاندر، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في بنك «ستاندرد تشارترد»، أن احتمالية «الاجتياح النظيف»، جنباً إلى جنب مع الطبيعة المستقطبة للسياسة اليوم، تساعد في تفسير الحركة الضخمة للدولار. وأشار إلى أن «الكثير من الأمور في السياسة لا تزال قديمة، ولكن عندما تحصل على مفاجأة حقيقية، فإن رد فعل السوق يمكن أن يكون دراماتيكياً».
نادراً ما يتقلب الدولار بما يقارب 2% في يوم واحد، لأن الأمر يتطلب تدفقات ضخمة لتحريك مثل هذه الأصول المتداولة بكثافة إلى هذا الحد. ويقف الدولار الأمريكي على جانب واحد من نحو 90% من كافة عمليات تداول العملات الأجنبية، ويبلغ متوسط حجم التداول اليومي لسوق العملات الأجنبية العالمية 7.5 تريليون دولار.
وقد حقق الدولار مكاسب يومية بنحو 1.5% منذ عام 2016، لكنها مكاسب تركزت في الأغلب في الأيام شديدة التقلب في مارس/آذار 2020 في بداية الوباء، أو في سبتمبر/أيلول 2022 عندما اقتربت أسعار الفائدة الأمريكية من الوصول إلى أعلى مستوياتها خلال 40 عاماً.
وكانت الانخفاضات بهذا الحجم نادرة أيضاً. فقد حدثت إما أثناء الجائحة، أو عند إصدار بيانات التضخم الناعمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. لكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هي بمثابة تذكير بأن الصدمات السياسية من الممكن أن تخلف تأثيراً فورياً على العملات الأكثر سيولة واستخداماً في العالم. وربما يكون السؤال الأهم هو: هل تستطيع مثل هذه التحركات المتطرفة أن تُخلف تأثيرات طويلة الأمد؟ والجواب هو أنها تستطيع.
في غضون ذلك، لم يستعد الجنيه الإسترليني مطلقاً أعلى مستوياته قبل يونيو/حزيران 2016، ولا يزال منخفضاً بنسبة 10% مقابل الدولار، وبنسبة 25% على أساس الوزن التجاري المرجح، ما يعني أن بريطانيا عانت فعلياً من خسارة دائمة للقوة الشرائية العالمية.
وبطبيعة الحال فإن احتمالات أن يشرع الدولار في الارتفاع العالمي لمدة تقرب من عقد من الزمن ضئيلة. ولكي يحدث هذا، فلا بد من توافق عدد كبير للغاية من المتغيرات المحلية والعالمية. ولكن يبدو أن المستثمرين يضعون في الحسبان التوقعات بأن السياسة المالية والنقدية التي ستنتهجها الإدارة الجديدة سوف تدفع التضخم وعائدات السندات والدولار إلى الارتفاع.
يقول فريق استراتيجية العملات الأجنبية في «ميزوهو»، إن الدولار قد يرتفع بنسبة 4% أخرى قبل أن يتفوق على مكاسبه في عام 2016 بعد فوز ترامب بكرسي الرئاسة في ذلك الوقت.
ويتفق محللو «باركليز» على أن الدولار لديه مجال أكبر للارتفاع «إما قليلاً أو كثيراً، اعتماداً على ما إذا كان الجمهوريون سيتمكنون من تحقيق اكتساح في مجلسي النواب والشيوخ». ويعتقدون أن هذا السيناريو قد يدفع اليورو للانخفاض إلى 1.03 دولار على المدى القريب.
ومع ذلك، من المستحيل التنبؤ بما سيحدث بالضبط، ولكن يتم تذكير المستثمرين الآن أنه حتى في مثل هذه «السوق السائلة»، لا يزال بإمكان الصدمات السياسية أن تحرك الدولار.
* كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»
0 تعليق