إعداد ـ محمد كمال
مع توالي إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لمرشحيه من أجل تولي مناصب رفيعة المستوى في إدارته الجديدة، فقد ثارت مخاوف من الدعم القوي الذي أبداه هؤلاء في السابق لإسرائيل، لكن محللين يرون أنه يمكنه ترويض فريقه وقيادته للعمل على إنهاء الصراع، خصوصاً أنه حرص في كل بيان ترشيح على ذكر كلمة «السلام»، فيما يؤكد مراقبون أنه لا يمكن انتزاع تصريحات «صقور المحافظين الجدد» من سياق الحملة الانتخابية الرئاسية.
ظهرت المخاوف داخل الأوساط العربية واليهودية الليبرالية في الولايات المتحدة، مع اختيار السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا وزيراً للخارجية، والنائبة إليز ستيفانيك من نيويورك سفيرة لدى الأمم المتحدة، والحاكم السابق مايك هاكابي من أركنساس سفيراً لدى إسرائيل، وستيفن ويتكوف مبعوثاً للشرق الأوسط، وجميعهم أظهروا تأييداً قوياً لإسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، لكن ذلك لم يمنع البعض من القول إن ترامب أكثر قدرة على التعامل بصرامة مع نتنياهو ودفع الأطراف المتنازعة إلى استئناف المحادثات مجدداً.
وتقول سمراء لقمان، الناشطة في مجال العدالة البيئية في ديربورن بولاية ميشيغان، والناشطة كذلك بين الناخبين العرب الأمريكيين، لصحيفة نيويورك تايمز، إنها لا تزال تعتقد أن «كل شيء أفضل» من مسؤولي إدارة بايدن الذين «قادونا إلى دوامة هابطة»، لكنها عبرت عن تخوفاتها بشأن «تعيين صقور الحرب والمحافظين الجدد»، في الإدارة الجديدة، قائلة إنها كانت صريحة للغاية بشأن دعمها للسفير ريتشارد جرينيل ليصبح وزير الخارجية الأمريكي المقبل.
وبينما يصف مات بروكس، الرئيس التنفيذي للائتلاف اليهودي الجمهوري منذ فترة طويلة، المرشحين بأنهم «فريق الأحلام الحقيقي لأولئك الذين يهتمون بعلاقة قوية وحيوية وغير قابلة للزعزعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل»، فإن فريقاً آخر يرى العكس؛ حيث يؤكد أن ترامب القويّ يمكنه إخضاع إسرائيل للجلوس إلى طاولة المفاوضات، كما أنه يمكنه تعديل خطة السلام التي عرضها خلال فترته الرئاسية الأولى، حتى تكون أكثر ديناميكية وقابلية للتطبيق.
العودة للخطوط الحمراء
الكاتب توماس فريدمان يرى أنه قد تمّ تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء الساطعة بعد فترة ولاية ترامب الأولى، ويكاد يكون من المؤكد أن العودة إليها و«جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، سوف تتطلب استخدامات أكثر دقةً وتطوراً لمقترحات ترامب السابقة، وخلال حملته الانتخابية، حيث تعهّد بإنهاء القتال فور توليه المسؤولية.
ويقول فريدمان، إن العديد من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أنه نظراً لأن أحد أصهار ترامب يهودي، وهو جاريد كوشنر زوج إيفانكا ترامب، فهو مستعد ليكون صارماً مع الفلسطينيين، بينما يعتقد العديد من العرب أن ترامب سيفيدهم؛ لأنه الوحيد الذي يتمتع بالصرامة الكافية للوقوف في وجه نتنياهو، وبالنظر إلى مسألة الصهر، فإن لديه صهره الآخر ووالده لبناني الأصل، في إشارة إلى مسعد بولس مستشار والد زوج تيفاني ترامب، والذي لديه حلقة اتصال مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
الصهران
وفي حين لعب كوشنر دوراً واضحاً خلال فترة ترامب الأولى، في ظل سعيه لعقد اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن بولس، رجل الأعمال اللبناني الأمريكي ومستشار ترامب، كان له دور في الحملة الانتخابية، وتحدث كثيراً عن نيّته في السعي لوقف الحرب في غزة ولبنان. وأكد له عباس، وفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل، عن استعداده للعمل مع ترامب، من أجل التوصل إلى حل الدولتين، وإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وانضمّ بولس إلى الدائرة الداخلية لترامب، بعد أن تزوج ابنه مايكل ابنة الرئيس المنتخب تيفاني عام 2022، وساعده في تحقيق تقدم كبير في صفوف العرب الأمريكيين خلال حملته بانتخابات 2024.
ما بعد الحرب الباردة
ويؤكد فريدمان أنه عندما ترك ترامب منصبه في عام 2021، قبل الحرب الروسية الأمريكية، والحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، كان يمكن القول، إن العالم يعيش عصر «ما بعد الحرب الباردة»، الذي يهيمن عليه التكامل الاقتصادي المتزايد والسلام بين القوى العظمى، ورغم سيطرة روسيا على جزيرة القرم، فإنها لم تشنّ حرباً شاملة، وكانت إيران وإسرائيل عدوتين، لكنهما لم تهاجما بعضهما بشكل مباشر، كما حدث لاحقاً.
لكن الكاتب البارز يحذر من أن إدارة ترامب الجديدة قد تتسبّب في تجاوز مجموعة جديدة ومختلفة تماماً من الخطوط الحمراء، إذا انسحبت من حلف شمال الأطلسي، أو أعربت عن أي رغبة متضائلة في حماية الحلفاء القدامى، وكذلك إذا انحازت لأحد أطراف الصراع بطريقة لا يمكن السيطرة عليها واستيعابها.
ويخشى مراقبون أن تسهّل الإدارة الأمريكية الجديدة قيام إسرائيل بضم الضفة الغربية في عام 2025، خصوصاً بعد تصريحات وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إن رئاسة ترامب الجديدة تمثل «فرصة مهمة» لضم الضفة الغربية، لكن من شأن ذلك أن يعقّد أي فرص للسلام وحل الدولتين.
ويراهن بعض المراقبين على أن فريق ترامب الجديد، لا يمكنه العمل وفق مواقفه قبل تولي المناصب الحساسة، والتي ربما خضعت لحسابات انتخابية، حيث تطلب الدبلوماسية الأمريكية مسارات دقيقة ومدروسة من أجل إنهاء الصراع، وعلى سبيل المثال فإنه في شهر مايو/أيار، بينما كان بايدن يضغط علناً على إسرائيل لعدم إرسال قواتها إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، قارن روبيو، المرشح للخارجية، هذا الخيار بتوقف قوات الحلفاء قبل الوصول إلى برلين خلال الحرب العالمية الثانية، وبالطبع عندما يتولى حقيبة الدبلوماسية الأمريكية، فسيكون حريصاً على جمع الأطراف المتصارعة وبدء المحادثات.
تصويت مفاجئ
وبينما عبّرت الأوساط العربية الأمريكية عن قلقها، فإن أغلبية اليهود الأمريكيين صوّتوا مرة أخرى ضد ترامب، وكان رد فعل الليبراليين منهم فزعاً من اختياراته. وجدت استطلاعات الرأي بعد التصويت أن ما بين 66% و78% من الناخبين اليهود أدلوا بأصواتهم لصالح هاريس. وقد حاول ترامب وحملته جاهدين استخدام دعمه القوي لإسرائيل واتهامه بوجود معاداة للسامية داخل الحزب الديمقراطي لسحب الدعم اليهودي.
لكن كما هو الحال في السنوات الماضية، أثبت الناخبون اليهود إلى حد كبير أنهم أكثر اهتماماً بقضايا أخرى، بما في ذلك التهديد الذي يمكن أن تشكله ولاية ترامب الثانية على التعددية، ووضع اليهود داخل أمريكا، حسبما قالت إيمي سبيتالنيك، الرئيسة التنفيذية للمجلس اليهودي.
ووفق تقرير نيويورك تايمز، فإنه لا يزال معظم اليهود الأمريكيين يدعمون اتفاق سلام طويل الأمد بين إسرائيل وفلسطين، والذي طالما نظر الكثيرون إلى السيادة الفلسطينية كشرط مسبق له. بالنسبة لهؤلاء فإن فريق ترامب قد يزن عواقب تأييده المطلق لإسرائيل، وما قد يخلقه من نفور كامل من السياسات التي يمكن أن تدمر أي أمل متبقٍ في حل الدولتين.
ووصل الأمر إلى حد قول رئيس المجموعة الصهيونية الليبرالية جي ستريت، إنه إذا نفذ اليمين الإسرائيلي، بموافقة ترامب، تهديداته بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وإعادة المستوطنين إلى غزة وطرد الفلسطينيين، فقد تقع القطيعة الكاملة، والتي لا رجعة فيها بين اليهود الأمريكيين والإسرائيليين.
0 تعليق