* د. عبد العظيم حنفي
تم تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور لأول مرة في نيوزيلاندا عام 1894. وحالياً تطبق كل البلدان تقريباً حداً أدنى للأجور. غير أن التفاصيل تختلف فيما بينها، ويستند قرار التطبيق إلى:
(1) مبررات أخلاقية واجتماعية واقتصادية، والهدف الشامل منه هو زيادة مستويات الدخل وتحسين مستوى رفاهية العمال ذوي الأجور المنخفضة مع الحد كذلك من عدم المساواة وتعزيز الشمول الاجتماعي.
(2) هو الاستحقاق القانوني والإنساني المحدد لكل أسرة ولكل عامل للعيش بسهولة وكرامة.
وتعمل 26 من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بهذا النظام الذي هو بمثابة مؤشر في كل العالم على مستوى النمو والمساواة. فهو يوفر لكل أسرة دخلاً شهرياً، يعطيها متنفساً للحياة بشكل أفضل، وهو ما سيعود نفعه ليس فقط على المستهلك البسيط، وإنما أيضاً على الشركات المنتجة والاقتصاد برمته.
(3) إن الذين يتقاضون ويعتمدون في حياتهم على الحد الأدنى للأجور هم الطبقة التي تعيش في قاع السلم الاجتماعي، والتي يهدف قرار زيادة الأجور إلى مساعدتها.
هذه الخطوة يراد بها أن تساعد كذلك على تحقيق قدر أكبر من التوازن المجتمعي في الدخل، وتعزيز معدلات الإنفاق والاستهلاك في المجتمع. وتعزيز وتيرة الطلب والاستهلاك الداخلي سينعكس بدوره على إنعاش وتحسين وضعية الشركات المنتجة وعلى وتيرة تدفق وانسياب السيولة المالية في الأسواق.
وزيادة الإنتاج ستؤدي بدورها إلى رفع نسبة العمالة وأعداد الموظفين الجدد، وهكذا تمضي الدائرة بشكل إيجابي نافع للجميع، حيث كلما تضاعفت أرباح الشركات تضاعفت استثماراتها، وجنى المجتمع والبلاد المزيد من تلك الفوائد والخيرات.
قرار رفع الحد الأدنى للأجور قرار جريء، ولذا يسبقه عادة عدة دراسات متخصصة من جانب الحكومات التي تقوم باتخاذه، وإعداد بحوث من جانب المؤسسات والمكاتب والوحدات الإدارية المتخصصة التي تتابع الموضوع من أجل إزالة وتقليل الآثار السلبية التي قد تنتج عن تنفيذه، ودعم الشركات الصغيرة..
وعادة ما تحدد الحكومة الحد الأدنى للأجور، وتعيد النظر فيه بانتظام بالتشاور مع مؤسسات الأعمال والهيئات العمالية.
وهناك من يحذر من بعض الأضرار التي قد تنجم عن هذا القرار، خاصة على الشركات الصغيرة. بعض الشركات والمحال التجارية الصغيرة التي تعتمد على العمالة اليومية الرخيصة التي تمثل الجزء الأكبر والنسبة الأساسية من كلف إنتاجها.
زيادة أجور العاملين في مثل تلك الشركات يعني تخفيض أرباحها. وهي مضطرة للدفع لأنها بطبيعة عملها لا تستطيع الاستغناء عن أو تخفيض حجم تلك العمالة.
وزيادة الأجور في بعض الدول قد تعني كذلك الاستغناء عن أي عمالة تبدو غير ضرورية، مثل كبار السن العاملين في أماكن الحراسة أو التوجيه أو محطات الوقود.
ولكن الملاحظ أنه لم يعد خبراء الاقتصاد مُتشككين في الحد الأدنى للأجور كما كانوا في السابق. كان من المفترض أن تعمل أسواق العمل على نحو مثالي، ما يفضي إلى حرمان أرباب العمل من السلطة الاحتكارية التي يمكن من خلالها تحقيق «مكاسب» تفوق العائد العادل لاستثماراتهم.
تتوقع المبادئ الاقتصادية الأساسية أن ارتفاع الحد الأدنى للأجور من شأنه أن يتسبب في فقدان العديد من الوظائف. ومع ذلك، لم تتمكن معظم الأبحاث التي أُجريت منذ أواخر الثمانينات من تحديد آثار كبيرة لنقص العمالة.
أظهرت أعمال عالم الاقتصاد ديفيد كارد (جامعة كاليفورنيا)، أن زيادة الحد الأدنى للأجور لا تقود حكماً إلى إلغاء وظائف، وكان كارد قد حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، مع اثنين من علماء الاقتصاد، عام 2021.
وكان قبلها عام 1995 قد حصل على وسام «جون بيتس كلارك» الذي تمنحه الرابطة الاقتصادية الأمريكية كل عامين لأفضل خبير اقتصادي يعمل في الولايات المتحدة.
* أكاديمي مصري
0 تعليق