إعداد ـ محمد كمال
مع بدء استغلال أوكرانيا للموافقة الغربية على ضرب الأراضي الروسية بصواريخ أتاكمز الأمريكية بعيدة المدى وستورم شادو البريطانية، فمن المؤكد أن روسيا لن تقف صامتة، لكن يبدو أنها لن تجازف راهناً بالرد النووي على هذا الاستهداف، لكنها ستلجأ للمرة الأولى إلى الصاروخ الباليستي عابر القارات الضخم من طراز «آر إس 26» (RS-26)، والذي قالت كييف إن موسكو على ما يبدو استخدمته بالفعل.
تقارير إعلامية روسية نقلت عن مصادر مطلعة قولها إن الجيش الروسي سيبدأ في استخدام صواريخ آر إس-26 من موقع في مدينة أستراخان على بحر قزوين، وبعد ساعات من ذلك جرى تأكيد أوكراني بإطلاقه.
ووفق خبراء غربيين، فإن روسيا لم تستخدم صاروخ RS-26 في القتال من قبل، حيث تتعرض كييف بانتظام لهجمات بصواريخ إسكندر الأصغر والأبطأ منذ بدء الحرب.
ويقال إن سرعة الصاروخ RS-26 تبلغ خمسة أضعاف سرعة الصوت، ما يجعل من الصعب على أنظمة صواريخ باتريوت التي منحتها الولايات المتحدة لأوكرانيا أن تسقطه. ويتم إطلاق صاروخ RS-26 من منصة أرضية، ويقال إنه يزن 50 طناً، مع رأس حربي أكبر بثلاث مرات من صاروخ إسكندر.
ويمكن لصواريخ «آر إس 26» التي يبلغ مداها 3600 ميل أن تضرب أي مكان في أوروبا بثلاثة أضعاف حمولة قنابل روسيا التقليدية.
وحذر الكرملين من أنه سيرد بقسوة على استخدام صواريخ أتاكمز الأمريكية بعيدة المدى وستورم شادو البريطانية لضرب العمق الروسي، ومن الواضح أن الخيار كان صواريخ «آر إس 26».
وأكد ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، هذا التهديد المرعب، وقال عبر منشور على منصة إكس، إن الكلمة تعني «الحرب العالمية الثالثة».
ومنذ بدء الحرب، تم إصدار حوالي 1370 إنذاراً في كييف، وفقاً لمسؤولي المدينة. وقد استمرت هذه الهجمات أكثر من 1550 ساعة في المجمل، ما يعني أنه لو اختبأ السكان خلال كل واحدة لكانوا قد أمضوا أكثر من شهرين في المخابئ.
تطورات مثيرة
جاء ذلك بعد أن أطلقت كييف ستة صواريخ من طراز أتاكمز من مكان غير معلوم عبر الحدود إلى الأراضي الروسية، الثلاثاء، وفي اليوم التالي تم إطلاق ما يصل إلى 12 صاروخاً من طراز ستورم شادو على أهداف جنوبي روسيا، بعد حصول كييف على موافقتي الحكومتين الأمريكية والبريطانية.
وأثارت الضربات انفجاراً نارياً في مستودع في كراتشيف، على بعد حوالي 75 ميلاً من الحدود الأوكرانية.
وعثر مدونون عسكريون روس على شظايا صواريخ ستورم شادو، الأربعاء، ونُشرت صور لم يتم التحقق منها على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان بالإمكان سماع عدة انفجارات، يسبقها صفير عالي النبرة على ما يبدو من الصواريخ القادمة، في مقاطع الفيديو المسجلة بالقرب من قرية مارينو. وأظهرت اللقطات أيضاً دخاناً يتصاعد من المباني.
وأشارت تقارير غير مؤكدة إلى أن أوكرانيا استهدفت منشأة تحت الأرض للقيادة والسيطرة على بعد 50 ميلاً داخل روسيا. ومن المفهوم أن البيانات الملاحية والاستخبارات عبر الأقمار الصناعية التي سهلت الضربات الجوية قد قدمتها الولايات المتحدة، وفقاً لصحيفة ديلي ميل.
أول استخدام لأسلحة بريطانية
وتاريخياً، فإن المرة الأخيرة التي استخدمت فيها الأسلحة البريطانية على الأراضي ذات السيادة الروسية، كانت خلال الاشتباكات بين قوات الحلفاء والبلاشفة في منطقة بالقطب الشمالي بين عامي 1918-1919. كما حدث ذلك من قبل خلال حرب القرم في خمسينات القرن التاسع عشر.
وفي حديثه أمام مجلس العموم، رفض وزير الدفاع البريطاني هيلي تأكيد التقارير أو الكشف عن أي تفاصيل عملية. وقال للنواب: «لقد شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة تغيراً كبيراً في التحرك الروسي والخطاب بشأن أوكرانيا.. ونحن كأمة وحكومة نضاعف دعمنا لأوكرانيا ونعتزم بذل المزيد من الجهد».
أزمة الجيش البريطاني
ومع تصاعد التوترات في الحرب الروسية- الأوكرانية، فقد أعلن وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أن جيش بلاده سيتضرر من تخفيضات بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني في الموازنة. وقال إن حكومة حزب العمال ستلغي ستة برامج رئيسية تابعة للقوات المسلحة، بما في ذلك الأسطول الرئيسي للجيش من الطائرات بدون طيار وسفينتين هجوميتين برمائيتين.
وانتقد وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس هذه الخطط، وقال إنها سترسل رسالة ضعف إلى خصوم المملكة المتحدة. وكتب في صحيفة التلغراف: «لكي يتم ردع أعدائنا، يجب أن يعرفوا أننا نعتزم عدم السماح بثغرات في قدراتنا، أو على الأقل سنقوم بتحديثها قريباً»، لكن «القول للعالم بأننا نقلص قدراتنا في حين أن خصومنا يفعلون العكس هو حماقة خالصة».
أما في الولايات المتحدة، فقد منحت إدارة جو بايدن المنتهية ولايته الإذن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية، كما تسارع بتعجيل المنح العسكرية لكييف، قبل وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، حيث ينتقد الدعم العسكري السخي لكييف، ومن المرجح أنه سيتخذ سياسات مغايرة، وقد يلغي قرار بايدن باستخدام صواريخ أتاكمز على الأراضي الروسية.
وصواريخ أتاكمز الأمريكية يتخطى مداها 300 كيلومتر، أما ستورم شادو البريطانية فمداها 250 كيلومتراً، وزوّدت دول غربية عدّة أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، لكنّها لم تسمح باستخدامها لضرب مناطق روسية.
تحذير روسي
ورداً على الدعم الأمريكي لكييف، أصدرت روسيا تحذيرات نووية في الأيام الأخيرة بينما اتهمت الغرب بـ «الرغبة في التصعيد». ووفقاً لعقيدتها الجديدة بشأن استخدام الأسلحة النووية التي أصبحت رسمية، الثلاثاء، يمكن لروسيا الآن استخدامها في حال وقوع هجوم «ضخم» من دولة غير نووية مدعومة من قوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة.
وأكد رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين، الأربعاء، أن هذا التغيير «يستبعد فعلياً إمكان هزيمة القوات المسلحة الروسية في ساحة المعركة»، مرجحاً أن تلجأ روسيا إلى القنبلة الذرية بدلاً من أن تهزم في حرب تقليدية.
إغلاق السفارات
أعلنت خمس سفارات غربية على الأقل، هي سفارات الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا والمجر واليونان، أنها تغلق أبوابها مؤقتاً بسبب التهديدات بهجوم جوي، بعد تشدد الخطاب الروسي. في الوقت الذي دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ، الأربعاء، إلى حشد «مزيد من الأصوات» للعمل من أجل «حل سياسي» ينهي الحرب في أوكرانيا.
وفي حين تحقق روسيا تقدماً متسارعاً على الجبهات القتالية، أعلى من الذي تحقق في بداية المعارك قبل أكثر من ألف يوم، فإن مراقبين عسكريين يقولون إن لجوء أوكرانيا للصواريخ الغربية بعيدة المدى لن يغير سير المعارك، وربما أتى بنتائج عكسية تدميرية بالنظر على حدة الرد الروسي المتوقع.
0 تعليق