نموذج الإمارات التنموي (1-2) - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. محمد الصياد *

كثيرة هي المدارس والنماذج التنموية السائدة في مختلف بلدان العالم، المتقدمة والنامية على حد سواء، رغم أن علم الاقتصاد، بمدارسه المختلفة رسم خرائط طريق منمذجة لسلوكها وبلوغ غاياتها التنموية.
في ثمانينيات القرن الماضي، كانت بلدان جنوب شرق آسيا التي كان يطلق عليها «النمور الآسيوية»، مصدر إلهام لبقية البلدان النامية. وكنّا في العالم العربي نرنو في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي إلى نموذج سنغافورة، ونموذج النمور الآسيوية عموماً. وكان هذا خطأ هيكلياً. فالمجتمعات تبني نماذجها التنموية بناء على ثقافاتها (وفي مقدمتها ثقافتها الإنتاجية)، وعاداتها وتقاليدها، بجانب طاقاتها وإمكاناتها ومواردها البشرية، أولاً، ومواردها الطبيعية، ثانياً. المفارقة أن افتتاننا بالنموذج الجنوب شرق آسيوي، لم تردفه محاولة لتقليد منهجيته البنائية، بما فيها تقديم الموارد البشرية على الموارد الطبيعية وتصديرها للخطط والبرامج التنموية.
اليوم، لم نعد بحاجة إلى التطلع غرباً وشرقاً بحثاً عن نموذج مناسب للقياس والاقتداء. فقد قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجها الذي صار حديث الساعة في العالم، لدى الساسة وقطاعات الأعمال والسياح من جميع أنحاء العالم. فلم تعد الإمارات اليوم تلك الدولة الفتية التي برزت على الساحة الدولية في عام 1971، كدولة عربية جاذبة بثروتها النفطية البكر، وإنما غدت مركزاً اقتصادياً تجاوز الإقليمية إلى العالمية، برسم عديد المؤشرات الكمية والنوعية، والتي أهلتها للجلوس على طاولة واحدة مع كبرى المجموعات الاقتصادية العالمية، أي مجموعة العشرين (G20)، ونيل عضوية منظمة اقتصادية عالمية صاعدة، وهي منظمة بريكس بلس (BRICS+).
فما هي مزايا نموذج الإمارات التنموي؟
الانضباط: فعلى غير ما استقرت عليه ثقافة العمل العربية نتيجة لخلود مجمعاتنا العربية للاستكانة و«التآخي» مع أنماط الإنتاج المتوارثة عبر حقب التاريخ المختلفة، لا سيما حقبة النظام الاقتصادي الاجتماعي الإقطاعي، اختارت قيادات دولة الإمارات العربية المتحدة، القطع مع ذلكم الموروث المكبل، ووضعت خطاً فاصلاً ونهائياً مع أنساقه القيمية الريعية، واستعادت أنساق القيم والمناقبيات العربية والإسلامية الأصيلة التي صنعت أمجاد مجتمعاتنا العربية والإسلامية بمثابرتها على العمل والإنتاج المادي والفكري والثقافي الغزير. هذا الانضباط نقرأه في سيرة قيام ونهوض وازدهار دولة الإمارات بشكل عام، ونقرأه أيضاً وعلى سبيل المثال، فيما كتبه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، في سلسلة تغريدات «علمتني الحياة»: «علمتني الحياة ألا أنتظر أفكاراً من شخص يجيد اختلاق الأعذار.. ولا انتظر إنجازاً من شخص يجيد تحطيم أفكار الآخرين. كما علمتني الحياة ألا أنتظر أحداً.. بل أبادر.. وسيلحقني الآخرون».
النظام: زرت دبي أول مرة منتصف ثمانينات القرن الماضي رئيساً لتحرير مجلة سياحية عربية هي «المسافر العربي»، وكانت دبي قد أطلقت للتو (1986) شركة طيران الإمارات. يومها التقيت سموّ الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم الذي أشرف على مشروع إنشاء الشركة آنذاك قبل أن يصبح رئيس هيئة دبي للطيران المدني، والرئيس الأعلى لطيران الإمارات والمجموعة، التي تضم عدة شركات في مجال النقل الجوي واللوجستيات. ومن مشاهداتي لورشة الإعمار والأعمال الضخمة الماثلة أمام أعين الزائرين، ومن حديث سموّ الشيخ أحمد بن سعيد، ومن نجاحه ونجاح فريق عمله في فوز السوق الحرة، لسنوات متتالية بجائزة أفضل سوق حرة في مطارات العالم، أدركت أن الإمارات تشق طريقها بطريقة مختلفة، من حيث النظام وطبيعة الأداء والالتزام بالمواعيد المضروبة لتنفيذ الأفكار والخطط والمشاريع.
مسابقة الوقت لإنجاز المشاريع قبل مواعيد استحقاقها
التأخير في مواعيد إنجاز وتسليم المشاريع، واحدة من السمات التي تطبع إدارة وتنفيذ المشاريع في الدول النامية بصفة عامة ومنها الدول العربية. هذا الأمر لا يسري على دولة الإمارات. فمن ميزات نموذجها التنموي، مسابقة الوقت لإنجاز المشاريع قبل مواعيد استحقاقها. وهذا الالتزام مبنيٌ على عدة عناصر مؤمنة للنجاح: سرعة تأمين موافقات مختلف السلطات ذات الصلة بالمشروع، وتأمين التمويل المطلوب لتنفيذه، وتأمين العمالة الماهرة وغير الماهرة والتكنولوجيا المناسبة، وتخصيص فريق عمل احترافي خاص بالمشروع، من أولى مراحل تخطيطه إلى مرحلة تنفيذه النهائية وتسليمه.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق