هل العملات المشفرة ملاذ آمن للمستثمرين؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. رامي كمال النسور*
في الأيام الأخيرة وكنتيجة للأحداث الجيوسياسية في المنطقة ارتفع سعر الذهب كملاذ آمن وتراجعت أسعار العملات المشفرة، ما طرح ويطرح تساؤلاً مهماً وهو هل العملات المشفرة تُعد ملاذاً آمناً يمكن للمستثمرين اللجوء إليه في الأزمات المالية والسياسية وفي الحروب.
في هذا المقال سنسعى للإجابة عن هذا التساؤل ونقول إنه وفي السنوات الأخيرة، أصبحت العملات المشفرة موضوعاً مثيراً للجدل في عالم الاستثمار. من بين الأنواع المختلفة من الأصول، تُعتبر العملات المشفرة، مثل البيتكوين والإيثيريوم، من الخيارات التي يروج لها البعض كبدائل للملاذات الآمنة التقليدية مثل الذهب والسندات الحكومية. ولكن، هل يمكن اعتبار هذه العملات ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات الاقتصادية؟
بداية نتساءل ما هو الملاذ الآمن؟ الملاذ الآمن هو الأصل الذي يحتفظ بقيمته أو يزيد من قيمته في أوقات التوتر الاقتصادي أو عدم الاستقرار. الأصول التقليدية التي تُعتبر ملاذات آمنة تشمل الذهب، والسندات الحكومية، والعملات القوية مثل الدولار الأمريكي. تمتاز هذه الأصول بانخفاض ارتباطها مع الأصول عالية المخاطر، ما يعني أنها لا تتحرك عادةً باتجاه الأسواق المالية المضطربة نفسه.
وهنا هل تعتبر العملات المشفرة منافساً جديداً؟ كما نعلم وسبق أن أوضحت هذا الأمر في مقال سابق لي، ولقد تم تصميم العملات المشفرة كعملات رقمية لا مركزية تعمل بتقنية البلوكتشين. على الرغم من ذلك، فإنها قد اكتسبت شهرة كبيرة كأصول استثمارية، ما أثار النقاش حول قدرتها على العمل كملاذ آمن.
فمن ناحية فإن واحدة من أكبر المخاوف بشأن العملات المشفرة هي تقلباتها الشديدة. على سبيل المثال، شهدت البيتكوين تقلبات سعرية تجاوزت 20% في يوم واحد. هذه التقلبات تجعلها أقل جاذبية كملاذ آمن، حيث يسعى المستثمرون عادةً إلى الأصول التي توفر الاستقرار في الأوقات الصعبة.
ومن ناحية أخرى وعلى عكس الذهب أو السندات الحكومية التي لديها قيمة جوهرية أو دعم، فإن العملات المشفرة تستمد قيمتها بشكل أساسي من المضاربة والطلب. هذا يثير تساؤلات حول استدامتها كملاذ آمن، خاصةً في الأوقات التي قد تنخفض فيها الثقة في السوق.
كما أن سوق العملات المشفرة يتأثر بشكل كبير بالمعنويات والمضاربة. يمكن أن تؤدي الأحداث الإخبارية، أو التغييرات التنظيمية، أو التقدم التكنولوجي إلى تغييرات سريعة في الأسعار. ونتيجة لذلك، يمكن أن تتصرف العملات المشفرة بشكل أكثر شبهاً بالأصول المضاربة بدلاً من كونها ملاذات آمنة.
كل ما جاء أعلاه يصب في اتجاه ألا تعتبر هذه العملات الرقمية ملاذاً آمناً في حين أن البعض الآخر يرى وعلى الرغم من المخاوف المذكورة، في العملات المشفرة تحوطاً ضد التضخم، خاصةً في سياق السياسات النقدية التوسعية التي تتبناها البنوك المركزية. وقد أدى العرض المحدود لبعض العملات، مثل البيتكوين، إلى اعتقاد المستثمرين أنها يمكن أن تحمي الثروة من تآكل العملة.
ويضيف قبول المؤسسات الكبرى للعملات المشفرة بُعداً آخر لهذا النقاش. فقد قامت شركات مثل تيسلا ومايكروستراتيجي بشراء البيتكوين كجزء من استراتيجيات إدارة الخزينة لديها. يمكن أن يوفر هذا التبني المؤسسي مستوى من الشرعية والاستقرار للسوق، ما يعزز من إمكانية اعتبار العملات المشفرة بديلاً للملاذات الآمنة.
يضاف إلى ذلك نقطة مهمة للغاية وهي أن البيئة التنظيمية للعملات المشفرة تتغير باستمرار، ما يضيف مزيداً من التعقيد إلى موقفها كملاذ آمن، حيث تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى كيفية تنظيم العملات الرقمية، وهو ما يمكن أن يؤثر في تصور المستثمرين لها. في الختام، بينما تتمتع العملات المشفرة بخصائص قد تجذب بعض المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن، فإن تقلباتها الكبيرة، وغياب القيمة الجوهرية، وتأثرها بالمعنويات يثير تساؤلات جدية حول مكانتها كملاذ آمن. قد توفر العملات المشفرة فوائد تنويع وتحوط ضد التضخم، ولكن لا ينبغي اعتبارها خياراً مضموناً للملاذات الآمنة.
ويجب على المستثمرين الذين يفكرون في العملات المشفرة كملاذ آمن إجراء بحوث شاملة، وتقييم المخاطر، ومراعاة استراتيجيتهم الاستثمارية العامة. كما يمكن أن تكون أفضل طريقة للتعامل مع مناخ اقتصادي غير مؤكد هي اتخاذ نهج متوازن يتضمن مزيجاً من الأصول التقليدية كملاذ آمن والعملات الرقمية الناشئة مع أنني كاتب هذا المقال أزعم بأنها ما زالت ليست ملاذاً آمناً حتى يومنا هذا وسيبقى الذهب والفضة الملاذين الآمنين الأكثر ثقة لجميع المستثمرين في الكرة الأرضية قاطبة.
*مستشار الأسواق المالية والاستدامة

أخبار ذات صلة

0 تعليق