تقول رولا حسنين، الأسيرة الفلسطينية المحررة والصحفية والأم لرضيعة فى شهرها التاسع: «بعد 10 شهور من الأسر تغيرت ملامحنا ولم تعرفنى ابنتى، وأنا لم أكن أتوقع أن تكون كبرت لهذا الحد، وأصبت بالضغط العالى المزمن وأنا داخل الأسر من كثرة ما قهرت على ترك رضيعتى فى أكثر الأوقات هى بحاجة إلىّ».
وتشير «رولا» إلى أنها واحدة من 30 أماً داخل المعتقل، وقد تركت خلفها طفلتها «إيلياء»، كان الاعتقال بلا أى مبرر إنسانى، لتجد نفسها بعيداً عن طفلتها 10 أشهر كاملة، والأقسى عندما خرجت من الأسر، وجدت ابنتها مختلفة تماماً فى الشكل والطباع، أما ابنتها التى كانت ترى والدتها فقط عبر الصور التى كان والدها يعرضها عليها، لم تعرفها عند اللقاء الأول، مما شكّل صدمة عاطفية لـ«رولا»، التى شعرت وكأنها شخصية غريبة عن ابنتها.
آلام نفسية لا تستطيع «رولا» وصفها حين تركت رضيعتها ومن الأطفال الخدج الذين يولدون قبل موعدهم ويحتاجون للبقاء فى حضانة المستشفى، تقول لـ«الوطن»: «ابنتى كانت خرجت من الحضانة، وتحتاج إلى رعايتى ولكن الاحتلال باعد بينى وبينها دون منطق ولا رحمة».
تغيرت ملامحنا بعد 10 أشهر من الأسر.. ولم تعرفني ابنتي.. وأنا لم أكن أتوقع أن تكون كبرت لهذا الحد
«رولا» تتحدث عن ظروف احتجاز قاسية للغاية عاشتها داخل سجون الاحتلال، وإدارة السجون مارست شتى أشكال القهر النفسى والاعتداءات، حيث تعرضت الأسيرات للضرب والتنكيل، بالإضافة إلى الاقتحامات الليلية للزنازين والتفتيش العارى المستمر، وهو انتهاك صارخ لخصوصيتهن كإناث، هذه الممارسات لم تراعِ أى قانون دولى أو إنسانى، مما أثر بشكل كبير على الحالة النفسية للأسيرات، خاصة الأمهات اللواتى انفصلن قسرياً عن أطفالهن. وقالت «رولا»: «قوات الاحتلال لم تكتفِ بقسوة إجراءاتها العسكرية، بل سعت بكل ما أوتيت من قسوة إلى تدمير الروح الإنسانية فى الأسيرات، كانت الأساليب التى تعرضن لها قاسية وأمرهن بالوقوف لساعات طويلة فى برد قارس، فضلاً عن التفتيش العارى الذى ينتهك خصوصياتهن الجسدية، فيما صادرت قوات الاحتلال ملابسهن الشخصية بلا رحمة»، مضيفة أن حياة الأسيرات داخل المعتقلات تحولت إلى كابوس، فإدارة السجون اتبعت سياسة التجويع بشكل ممنهج، مما جعل الأيام تمر ببطء لا يُطاق، كأنها تمتد لسنوات.
من الناحية الجسدية، كانت «رولا»، لم تتعاف بعد من آلام عملية الولادة القيصرية بجانب معاناتها من جرثومة المعدة، والقولون العصبى، وتقرحات فى الأمعاء، ونقص حاد فى الفيتامينات نتيجة ظروف ما بعد الولادة، ومرض مزمن فى الكلى يتطلب رعاية طبية، ولكن كل هذه الأمراض لم تشفع لها فى عيادة السجن، إذ واجهوا الأمر بتجاهل تام رغم كل الآلام التى كانت تعيشها ما فاقم من حالتها الصحية.
بعد الإفراج عنها، كان أول ما قامت به هو احتضان ابنتها «إيلياء»، وكرست لحظاتها الأولى بعد التحرر لتعويضها عن كل شىء افتقدته خلال فترة غيابها القسرى، فاللقاء مع ابنتها هو الجبر الحقيقى لكل الألم الذى عاشته.`
0 تعليق