مشهد افتتاحي في إحدى قاعات المهرجان الدولي للتصوير «اكسبوجر 2025»، وصورة لا تصدق تظهر على المنصة لطفل يبتسم بين أنقاض مدينة مدمرة، تشكل لقطة مؤثرة متقنة الإضاءة، تذكرنا بأعمال المصورين الكبار، لكن المفاجأة أن الصورة بالكامل بواسطة ذكاء اصطناعي، بهذا المشهد بدأت الجلسة النقاشية الأكثر إثارة للجدل في «اكسبوجر 2025»، حيث تحول الحضور من حالة التأمل لمولد صورة جديدة إلى الصدمة، بعد اكتشاف أن الصورة صنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي.
الصورة في عصر الـ«ديب فيك».. هل تطمس الحقائق؟
أدار الحوار المصور البريطاني جايلز كلارك، مستفزًا الحضور بسؤال: «هل ما زلنا نرى العالم عبر العدسة، أم أننا نراه عبر خوارزميات تبيع لنا أوهاما؟».
ناقشت الندوة المنعقدة على هامش المهرجان أزمة المصداقية التي تهدد أساسيات مهنة التصوير، وقال محمد محيسن، المصور الحائز على جوائز عالمية، إن «الذكاء الاصطناعي يحول الصورة إلى سلعة قابلة للتشكيل كالعجين، وخطورة هذا لا يكمن في التزييف فحسب، بل في صنع حقائق موازية تخدم من يملكون أدوات التحكم».
مفارقة العصر الرقمي.. التكنولوجيا تزيف وتكشف
رغم هذا النفق المظلم بعض الشيء لم يكن النقاش تشاؤميا بالكامل، إذ ألقت فيرونيكا دي فيجاري، الخبيرة في الإعلام الرقمي، بتحد مضاد: «نعم، التلاعب بالصور أصبح أسهل، لكن نفس التقنية تمنحنا أدوات للكشف عن التزوير»، مضيفة: «المشكلة ليست في الآلة، بل في غياب الصورة الصحفية، اليوم تحتاج إلى شهادة ميلاد رقمية توثق كل تعديل فيها، بدءًا من التقطيع وانتهاءً بالفلتر».
ودعت ماريا مان، مديرة تحرير إحدى المجلات العالمية، إلى «مواثيق أخلاقية صارمة»، مشيرة إلى أن مؤسسات كبرى بدأت ترفض الصور المعدلة، حتى ولو بشكل طفيف، فيما يشبه العودة إلى زمن الأفلام التناظرية، حيث كان كل إطار ثمينا ولا يعادل.
الحرب على الشاشات.. من يربح معركة الوعي؟
من زاوية أخرى، استحضر سانتياجو ليون، المصور المخضرم الذي غطى نزاعات دولية، تجربته في تغطية الحروب، مشيرا إلى أنه خلال الأزمات، تتحول الصورة الى سلاح، معقبا: «شاهدنا كيف تنشر لقطات مزيفة لخلق سرديات كاذبة، أما الذكاء الاصطناعي سيحول هذا السلاح إلى أسلحة دمار شامل، إذا لم نطور مناعتنا البصرية».
الأفلام التناظرية.. حنين إلى المصداقية؟
في لحظة أشبه بالاعتراف، قال المصور سالم أمين، الذي بدأ مسيرته بعالم الأفلام الكيميائية: «كنا نحمض الصور في غرف مظلمة، لكننا كنا نعرف أن Film Negatives هي شهادة لا تغش، اليوم، ينتج المصورون آلاف اللقطات دون حفظ النسخ الأصلية، مما يسهل التلاعب لاحقا».
وأضاف خلال لقاء «اكسبوجر 2025» بنبرة تحمل اأملًا: «التاريخ يعلمنا أن كل تكنولوجيا جديدة تولد فوضى قبل أن نهذبها، المهم ألا نتوقف عن السؤال: من يقف خلف هذه الصورة؟ ولماذا؟».
0 تعليق