مصر والكويت.. روابط وثيقة تستمد فاعليتها من تاريخ عريق - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

فيما تتواصل احتفالات الكويت بأعيادها الوطنية وسط أجواء من البهجة والسعادة وتجديد الالتزام بالثوابت الوطنية، من المفيد إلقاء الضوء على ملمح مهم من ملامح السياسة الخارجية ومبادئها الثابتة يتعلق بالعلاقات التاريخية مع مصر التي عادة ما توصف، عبر مسئولى البلدين، بالمتميزة للغاية وأن جذورها ضاربة فى التاريخ ودائماً هناك تقارب فى وجهات النظر السياسية إزاء القضايا العربية والإقليمية المختلفة، كما توصف بأنها علاقات قوية وتشهد وئاماً مستمراً، وثمة تطلع حثيث إلى مزيد من العمل المشترك ورفع مستوى التعاون المثمر.

ودائماً ما يمثل اللقاء بين سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت والرئيس عبدالفتاح السيسى حدثاً كبيراً ومؤشراً مهماً يُبرز خصوصية العلاقات الأخوية ويساهم بصورة إيجابية فى تعزيز الجهود الرامية إلى تعظيم التفاهم الإقليمى ومن ثم الأمن والاستقرار فى المنطقة.

وقد جسَّدت زيارة الدولة الأولى التى قام بها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى القاهرة أواخر أبريل من العام الماضى قوة ومتانة الروابط الوثيقة بين البلدين الشقيقين والتى تستمد رسوخها من العلاقات التاريخية الفريدة والمتميزة بينهما وتطابق رؤيتهما حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

اهتمام واسع

وحظيت تلك الزيارة باهتمام مصرى واسع رسمياً وشعبياً كونها الأولى للشيخ مشعل الأحمد بعد تقلده مسند الإمارة إلى جمهورية مصر العربية، ولما تعكسه من تلاحم وترابط بين البلدين الشقيقين، حيث ترتبط مصر والكويت بعلاقات تاريخية قوية متميزة ومتجذرة على المستويين الرسمى والشعبى، إذ كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال الكويت عام 1961، فيما أخذت العلاقات المشتركة فى التنامى، إذ جرى تبادل السفراء والتنسيق السياسى على أعلى المستويات.

أمير دولة الكويت: آباؤنا الأوائل أوصوا بمصر خيراً وكل دعم لمصر دعم للكويت

وتؤكد مصر دائماً تأييدها ووقوفها إلى جانب كل ما من شأنه تحقيق أمن دولة الكويت واستقرارها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حيث كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من أوائل الرؤساء الذين هنأوا الكويت باستقلالها، مروراً بموقف القيادة المصرية المؤيد والداعم للكويت خلال فترة الغزو العراقى عام 1990 إلى أن تم تحريرها بمشاركة القوات المسلحة المصرية فى فبراير 1991.

كذلك كانت الكويت، ولا تزال، من أوائل الدول التى تقف مع مصر فى كل الأوقات العصيبة، ومنها العدوان الثلاثى عام 1956، وكذلك فى حربى يونيو 1967 وأكتوبر 1973 حينما شارك لواء اليرموك الذى يمثل ثلث القوة العسكرية الكويتية آنذاك فى حرب تحرير سيناء، وصولاً إلى الوقفة الكويتية الصلبة سياسياً واقتصادياً لدعم خيارات الشعب المصرى إثر ثورتى 2011 و2013.

د. مدبولى فى الكويت

وفى هذا الإطار قام الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بزيارة رسمية إلى الكويت، السبت الماضى، على رأس وفد كبير، استقبله خلالها سمو أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وأجرى مباحثات مهمة لتعزيز التعاون الثنائى مع رئيس مجلس الوزراء الكويتى الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح لمناقشة عدد من الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وخلال لقاء الدكتور مصطفى مدبولى مع سمو أمير الكويت بمقر الديوان الأميرى الكويتى تم التباحث حول عدد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وذلك بحضور سمو الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء، وأسامة شلتوت، سفير مصر لدى الكويت.

وفى مستهل اللقاء أعرب سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح عن تقديره لدور مصر التاريخى فى دعم دولة الكويت على مختلف الأصعدة، مُثمناً فى هذا الصدد الدور المصرى المُهم فى إرسال الخبراء الذين أسهموا فى دعم نهضة بلاده فى شتى المجالات، كما أعرب عن تقديره لدعم الدولة المصرية لتحقيق أمن واستقرار الكويت.

وأكد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أن الكويت حظيت بدعم مصر منذ بداية نهضتها، مشيراً إلى ما أوصى به الآباء فى الكويت بمصر خيراً، ومؤكداً أن الكويت لن تنسى ما قدّمته مصر من دعم فى الماضى، وأشاد أمير الكويت بجهود الرئيس عبدالفتاح السيسى فى النهضة العمرانية التى تشهدها مختلف مناطق الجمهورية.

كما أكد سمو أمير الكويت توافق رؤية البلدين تجاه الأوضاع الراهنة فى المنطقة، وسُبل تحقيق الأمن والاستقرار فى الإقليم، معتبراً أن استقرار مصر هو استقرار للكويت، وأن كل دعم تقدمه بلاده للشعب المصرى يُمثل دعماً لمصالح شعب الكويت.

ووجَّه أمير دولة الكويت الحكومة بدفع جهود التعاون مع مصر فى المجالات ذات الاهتمام المشترك، والعمل على زيادة الاستثمارات، بما يعود بالنفع على البلدين.

دعوة القمة

وخلال اللقاء نقل رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مُعرباً عن تقديره الشديد لحسن الاستقبال والضيافة اللذين لاقاهما والوفد المرافق له بالديوان الأميرى الكويتى، وسلّم الدكتور مصطفى مدبولى دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور القمة العربية التى ستُعقد فى القاهرة يوم 4 مارس المقبل، مُعرباً عن تطلع الرئيس السيسى لمشاركة أمير دولة الكويت فى هذه القمة التى يأتى انعقادها فى توقيت دقيق ومهم للغاية. وأكد الدكتور مصطفى مدبولى ترحيب مصر بالاستثمارات الكويتية بالسوق المصرية، معرباً عن حرصه على دعم المستثمرين الكويتيين بصورة دائمة وتحفيزهم على الدخول فى استثمارات جديدة، بما يُسهم فى تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية فى البلدين الشقيقين، كما استعرض رئيس الوزراء أهم جهود الحكومة المصرية فى دعم الاستثمار وتهيئة بيئة أعمال ملائمة لجذب استثمارات جديدة، برغم الأعباء التى تفرضها التحديات الإقليمية الراهنة.

د. مصطفى مدبولى يؤكد تقدير مصر حكومة وشعباً للدعم الكويتى المستمر على مدى السنوات الماضية

وأعرب الدكتور مصطفى مدبولى عن تقدير مصر، حكومة وشعباً، لدعم الكويت لمصر على مدى السنوات الماضية، ودعم سمو الأمير شخصياً فى هذا الصدد، مؤكداً دعم وتقدير مصر لمختلف الخطوات الإصلاحية الداخلية فى الكويت.

حظر النفط

ويرسخ فى الذاكرة المصرية قرار الكويت التاريخى إبان انتصار أكتوبر المجيد 1973 بحظر النفط وخفض تصديره إلى بعض الدول الداعمة للاحتلال الإسرائيلى، والذى كان له بالغ الأثر فى مراجعة العديد من تلك الدول مواقفها الداعمة له، وواصلت الكويت مواقفها الداعمة لشقيقتها مصر إزاء القضايا الدولية والإقليمية، ومنها ما يتعلق بأزمة سد إثيوبيا، إذ أكدت أن أمنها المائى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى. وازدادت علاقات البلدين الشقيقين رسوخاً فى ضوء رعاية أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح والرئيس عبدالفتاح السيسى وحرصهما المشترك على النهوض بالتعاون الثنائى فى المجالات كافة والعمل المشترك لمواجهة التحديات التى تهدد مستقبل المنطقة. وتوحدت رؤى ومواقف القيادة السياسية فى البلدين حيال القضايا المصيرية عربياً ودولياً، لا سيما القضية الفلسطينية والأزمات فى كل من ليبيا والسودان واليمن ورفض التدخل الأجنبى فى الشئون العربية.

تنسيق دولى

وعلى المستوى الدولى استمر التنسيق المشترك فيما يخص دعم تبادل الترشيحات إزاء المناصب الدولية والإقليمية ودعم كل منهما الآخر فى المحافل الدولية، وجاء تأسيس اللجنة العليا المشتركة الكويتية- المصرية عام 1998 لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتعاون المشترك فى مجالات التعاون الثنائى، إضافة إلى ارتباط البلدين بالعديد من بروتوكولات التعاون بين مؤسسات البلدين المختلفة. وتوالت الاتفاقيات التجارية التى تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، ومن أهمها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة واتفاقية التعاون بين الغرف التجارية المصرية وغرفة تجارة وصناعة الكويت.

وشهد العام 2014 اتفاقاً على إنشاء مجلس للتعاون الكويتى- المصرى مكون من رجال القطاع الخاص من كلا البلدين بهدف تسريع وتيرة التعاون الاقتصادى والاستثمارى وزيادة التنسيق التجارى والاقتصادى بينهما.

شراكة تجارية

ووقعت مصر والكويت 105 اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية أسهمت جلياً فى تعزيز التعاون بما يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين، ما ساهم فى رفع حجم التبادل التجارى المشترك بين البلدين إلى نحو 3 مليارات دولار سنوياً.

وتُعد دولة الكويت ثالث أكبر شريك تجارى لمصر بين الدول العربية بعد الإمارات والسعودية، كما تأتى فى المركز الخامس بقائمة أهم الدول المستثمرة فى مصر بحسب بيانات وزارة الخارجية المصرية، وبلغ عدد المشروعات الاستثمارية المشتركة بين البلدين ما يقارب 1400 مشروع بحجم استثمارات بلغ 4٫27 مليار دولار تتوزع بين استثمارات فى القطاع المالى بنسبة 39٫7 بالمائة و19٫7 بالمائة فى قطاع النفط، بينما تبلغ نسبة الاستثمار الكويتى بالقطاع الصناعى نحو 10٫8 بالمائة فى حين تتوزع بقية نسبة الاستثمارات على الزراعة والتجارة.

ويبلغ حجم التبادل التجارى المشترك بين البلدين وفق التقديرات نحو 3 مليارات دولار سنوياً، فيما شهدت الاستثمارات الكويتية تزايد معدلات النمو بها من جانب والمصرية من جانب آخر، إذ بلغ حجم الاستثمارات الكويتية الحكومية تقريباً 15 مليار دولار والاستثمارات المصرية 1٫1 مليار دولار.

جالية مصرية كبيرة

وتجاوز حجم استثمارات القطاع الخاص الكويتى فى مصر 10 مليارات دولار فى مجالات السياحة والتمويل والصناعة والعقارات والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات، فيما بلغ عدد الشركات الكويتية العاملة فى مصر تقريباً 1337 شركة بحسب البيانات الرسمية المصرية لعام 2021، وبلغ عدد القروض التى قدمها الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية مع مصر 54 قرضاً بقيمة 3٫75 مليار دولار، فيما بلغ عدد المعونات الفنية لمصر 12 معونة بقيمة 13٫27 مليون دولار، كما بلغ عدد المنح المقدمة من الكويت لمصر منحتين بقيمة 16 مليون دولار.

ووفقاً لآخر الإحصائيات يبلغ عدد المصريين المقيمين فى الكويت حوالى 670 ألفاً من بينهم نحو 480 ألفاً حاصلين على تصاريح بالعمل، والباقى من المرافقين لهم بصفتهم الأسرية، يعملون فى مختلف القطاعات، مما يشكل أكبر جالية عربية مقيمة فى الكويت، فيما يبلغ حجم تحويلاتهم المالية إلى مصر ما يعادل 4 مليارات دولار سنوياً، وهو ما يشكل عنصراً مهماً من عناصر دعم الاقتصاد المصرى واستقراره.

طلبة الكويت فى مصر

على الجانب الآخر يبلغ عدد الطلبة الكويتيين الدارسين فى الجامعات المصرية حوالى 23 ألف طالب، بالإضافة إلى زيارة حوالى 160 ألف سائح كويتى لمصر سنوياً يساهمون كثيراً فى تحريك القطاع السياحى المصرى الذى يُعد أهم قطاعات مصر الاقتصادية.

وعلى الصعيد الثقافى تميزت العلاقات الثقافية الكويتية- المصرية بدرجة عالية من الاهتمام المشترك وبتبادل الوفود للمشاركة فى الفعاليات الثقافية من خلال حرص الجانبين على توجيه دعوات كل منهما للآخر للمشاركة فى الفعاليات الثقافية، ومن بينها مهرجان القرين الثقافى الكويتى ومعرض القاهرة الدولى للكتاب، بالإضافة إلى مشاركة شخصيات مصرية فى الاحتفالات الجارية بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربى للعام الحالى، وهى احتفالات مستمرة على مدار العام وتشمل ما يقارب من 100 فعالية فنية وأدبية وتنموية تستهدف إبراز الوجه الحضارى للكويت، ومن المتوقع أن يشهدها أكثر من مليون زائر.

حدث مهم

ويُجمع المراقبون على أن زيارة أمير الكويت إلى مصر دائماً ما تشكل حدثاً مهماً يعود بالخير على الشعبين ويبرهن على قوة ومتانة العلاقات بين البلدين والتنسيق المستمر والتشاور حول الأزمات الإقليمية والدولية، حيث إن حكام دولة الكويت يمتازون بالحكمة والفطنة والقيادة الرشيدة فى التعامل مع كافة المشاكل والأزمات التى تمر بها المنطقة، إلى جانب السعى لتسوية النزاعات بين الدول عبر الحوار والحلول السلمية، كما أن لدولة الكويت مكانة وتأثيراً فى محيطها، جنباً إلى جنب مع دورها الكبير والمهم فى مساندة القضية الفلسطينية، ما يتساند مع الدور المصرى الممتد تاريخياً فى مؤازرة الحقوق العربية، ومن ثم كانت هذه الزيارة مناسبة لإبراز تلك المبادئ والتأكيد على استمرار الجهود المشتركة لحل القضية الفلسطينية ومواجهة التحديات والمخاطر التى تتعرض لها عدة مناطق فى العالم العربى، فضلاً عن تبادل وجهات النظر إزاء المستجدات والأحداث الإقليمية والدولية.

تطورات متلاحقة

وقد اكتسبت زيارة أمير الكويت إلى مصر التى استقبله خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسى وأعقبتها زيارات رسمية على المستوى الوزارى طوال الشهور الماضية أهمية مضاعفة فى ظل التطورات الإقليمية الحالية، خاصة عدوان الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة واستهداف الأشقاء الفلسطينيين المدنيين، الأمر الذى يتطلب وحدة المواقف الجماعية وتوافق الرؤى، وهى سمة كثيراً ما ارتبطت بالعلاقات الثنائية منذ عقود طويلة، وتُظهر مدى التنسيق المستمر بين البلدين لإعادة الاستقرار إلى المنطقة وضمان عدم توسيع الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية دائمة لمعاناة الأشقاء الفلسطينيين، وفى ضوء دور مصر الريادى فى المنطقة العربية كان من الضرورى أن يكون هناك تبادل لوجهات النظر فيما يتعلق بالقضايا المطروحة، ولعل فى الأجواء الراهنة التى تسبق انعقاد قمة القاهرة غير العادية أوائل مارس والتى تُعد واحدة من أهم القمم العربية المتعلقة بمخططات تهجير الأشقاء فى غزة، ما يؤكد على حيوية كل صور التلاقى الأخوى بين الزعماء العرب.

aa963dabb8.jpg

a99125e0d3.jpg

6e33a8af4a.jpg

أخبار ذات صلة

0 تعليق