الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: الشهادتان - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دخل الرجل الغريب مجلس سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأعين الصحابة ترقبه، إنه غريب لا يعرفه أحدٌ منهم، فليس من أهل المكان، ولا من ضيفانه، والغريب أنه نظيف الثياب! طيب الريح! ليس عليه من غبار الطريق شىء! ولا لعرق السفر أثر فيه! استأذن ودنا، ووضع كفيه على ركبتى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم!كل هذا يرقبه الصحابة، ويصغون إلى ما سينطق به، فإذا به يقول: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام.

فيجيبه مَن آتاه الله جوامع الكلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً».إن الإسلام يبدأ بطرح الغشاوة عن البصر والبصيرة، فإذا طرح الإنسان الغشاوة عن بصره وبصيرته، علم أن للكون خالقاً حكيماً، ومِن المحالِ أن يتركَه هذا الخالق سُدًى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أى: مهملاً لا يُؤمَرُ ولا يُنهَى ولا يُبعثُ ولا يُجازَى؟!

فلا بد مِن أن يُكلفَ هذا الخالقُ الحكيم خَلقَه، نعم.. لا بد من أن يرسلَ إليهم مَن يُعرّفُهم به سبحانه، ويُعلّمُهم ما يأمرُهم به وينهاهم عنه، ولا بد من أن يكون لهذا الرسول أماراتٌ تدلُّ على صدقه، ومَن الذى أعلن فى مسامع الكون كله أنه رسول الله تعالى للعالمين غير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟! هل جرؤ إنسان أن يدعى لنفسه ذلك الشأن العظيم؟! يدعى أنه رسول للعالمين؟! يخاطبهم بما يصلح لأدناهم وأقصاهم؟!

يخاطبهم بما يصلح لحاضرهم ومستقبلهم؟! يراه الجميع على اختلاف أعراقهم وأجناسهم، وعلومهم ومعارفهم، وطبقاتهم وفئاتهم، وأزمانهم وبلدانهم، أسوةً حسنة يتأسى به كل أحد! لا يستطيع واحد أن يُزايدَ عليه فى خُلُق ولا دين! وكيف يُزايَدُ عليه فى هذا وليس فى طوق أحد أن يدركَ كُنهَ خُلقِهِ؟! {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}!

نعم، ادعى النبوة عدد من الناس، لكن لم يأتِ أى منهم ببرهانٍ واحدٍ يُصدّقُ دعواه! بل لم يكن لهم من كمال الخُلق والخَلق ما يشهد بصحة ما يدّعون! وهل بقيت كلمةٌ لواحدٍ منهم تدعو لمجرد التفكر فى شأنه؟!

إنها دعوات تضاربت فكان فى تضاربها ما يزيد الحق جلاءً وتأييداً!إن الناظر فى شأن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، لا يتشكك فى صدق دعواه، وكيف يتشكك فى صدق دعواه ولم تُؤثر عنه فى التاريخ كذبة واحدة؟! وقد شهد بصدقه أعداؤه، هل نجد فى زوايا التاريخ وخباياه شخصاً يأتمنه أعداؤه على ودائعهم وأماناتهم؟!

هل حفظ التاريخ موقفاً كذلك الموقف الذى يَعلم فيه سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الوحى الشريف أن القوم جمعوا أربعين رجلاً قوياً لقتله، ثم هو يذهب لابنِ عمِّه على بن أبى طالب الذى هو بمنزلة ولدِه حتى يُعلمه ودائع القوم ليردها عليهم؟! وهو يطمئنه أنه لن يناله من القوم مكروه؟!

إن السيرة كلها سلسلة من براهين النبوة وآيات الصدق!

وكفى بكتاب الله تعالى شاهداً على صدقه، صلى الله عليه وسلم، إنه تضمن آيات قصَّت على أهل الكتاب أدق تفاصيل حياة أجدادهم فلم ينكروا منها شيئاً! فمن أين أتى بها إن لم تكن من عند الله تعالى؟!

ومن أين جاء بقصص أنبياء لم يدركْهم، وليس فى جزيرة العرب مَن على علم بشأنهم؟! بل من أين جاء بما كان من شأن إبليس وبما دار عند خلق أبى البشر سيدنا آدم عليه السلام؟!لقد قرأ هذه الأخبارَ على كل أهل عصره، مَن آمن منهم ومَن لم يؤمن، من كان منهم من أهل الكتاب وعلى علم بالتوراة والإنجيل، ومن لم يكن منهم، فما كذَّبَه فى تفاصيل ما يقرؤه أحد منهم!

لقد كان فيمن حوله صلى الله عليه وسلم متربصون به من أهل الكتاب، ومن المنافقين، ومن المشركين، ومن الممالك العظمى، فهل يجترئ ذو عقل على أن يطرح فى مجتمع كهذا شيئاً من هذه الأخبار الملفقة الكاذبة؟!

إن هذه الأمور -وغيرها كثير- تحمل مَن ينظر فيها بنفسٍ لا يُخالُجها كِبرٌ، وعقلٍ لا يُكبّلُه هوى على أن ينطق بقول صادر عن يقين ثابت: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق