في خضم التطور التكنولوجي المُتسارع الذي يشهده العالم، برز الذكاء الاصطناعي كواحدٍ من أهم الابتكارات التي تُعيد تشكيل مُختلف جوانب الحياة، بما في ذلك سوق العمل. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي يُمكن أن يُقدمها الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية وتسهيل العمليات، إلا أنه يُثير مخاوفًا مُتزايدة بشأن تأثيره على الوظائف والمُساواة في سوق العمل.
دراسة بريطانية تُسلط الضوء على التهديدات
كشفت دراسة بريطانية حديثة أجرتها مؤسسة بحثية رائدة أن النساء أكثر عرضةً من الرجال لفقدان وظائفهن بسبب طفرة الذكاء الاصطناعي التي تُهدد ملايين الوظائف في العالم. وأظهرت الدراسة أن النساء أكثر عرضةً بنسبة 40% من الرجال لفقدان وظائفهن وإحلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدلاً منهن.
الوظائف الإدارية والمُبتدئة في خطر
وجد التحليل أن ما يُقارب ثلثي المهام التي يُنفذها العمال يُمكن أن تتم أتمتتها بواسطة الذكاء الاصطناعي، مع تعرض الوظائف الإدارية والمُبتدئة للخطر بشكلٍ خاص. ويُعزى ذلك إلى أن هذه الوظائف غالبًا ما تتضمن مهامًا روتينيةً وقابلةً للتكرار، مما يجعلها أكثر عُرضةً للأتمتة بواسطة الخوارزميات والتقنيات الذكية.
روبوتات الدردشة تُهدد 8 ملايين وظيفة في بريطانيا
حذر الباحثون من أن روبوتات الدردشة قد تستولي على أكثر من 8 ملايين وظيفة في بريطانيا، وستكون النساء هن الأكثر تضررًا من هذا التحول. وتُشير التقديرات إلى أن هذه الروبوتات ستكون قادرةً على القيام بمجموعةٍ واسعةٍ من المهام، بدءًا من خدمة العملاء وحتى كتابة التقارير والمُراسلات.
“نهاية العالم للوظائف” ليست حتمية
على الرغم من هذه التهديدات، إلا أن الدراسة تُشير إلى أن “نهاية العالم للوظائف” ليست حتمية إذا تحركت الحكومة بسرعة لضمان عدم استبدال البشر. ويُمكن للحكومات أن تتخذ إجراءاتٍ لتخفيف الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي على سوق العمل، مثل:
الاستثمار في التعليم والتدريب: يُمكن للحكومات أن تُساعد العمال على اكتساب المهارات اللازمة للنجاح في سوق العمل المُستقبلي، من خلال الاستثمار في برامج التعليم والتدريب التي تُركز على التكنولوجيا والمهارات الرقمية. توفير الحماية الاجتماعية: يُمكن للحكومات أن تُقدم شبكات أمان للعاملين الذين يفقدون وظائفهم بسبب الأتمتة ، مثل إعانات البطالة وبرامج إعادة التدريب. تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي: يُمكن للحكومات أن تُسن قوانينًا تُنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في سوق العمل ، لضمان عدم استخدامه بطريقة تُؤدي إلى التمييز أو البطالة الواسعة النطاق.الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُعزز الاقتصاد
من خلال التنظيم المُناسب والحوافز المالية، تُشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُعزز اقتصاد بريطانيا بمقدار 306 مليار جنيه إسترليني، بل ويزيد رواتب البعض بأكثر من الثلث. ويُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين كفاءة العمليات، مما يُؤدي إلى النمو الاقتصادي.
موجتان من تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل
قام الباحثون بتحليل 22 ألف مهمة يُنفذها البشر، ووجدوا أن الذكاء الاصطناعي من المُرجح أن يُؤثر على الاقتصاد على موجتين:
الموجة الأولى:
جارية بالفعل. تُؤثر على واحد من كل 10 موظفين. تجعل وظائف السكرتارية والعملاء أكثر عُرضةً للخطر. تُؤثر على النساء بشكلٍ أكبر.الموجة الثانية:
ستشمل بشكلٍ مُتزايد الوظائف ذات الدخل الأعلى. ستُؤثر على 59% من الوظائف التي تناولتها الدراسة.سيناريوهان مُحتملان
وجد التقرير أن “السيناريو الأسوأ” سيشهد فقدان 7.9 مليون وظيفة في بريطانيا وحدها. ويُحذر التقرير من أن هذا “احتمال حقيقي” إذا لم تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة، وإذا تُركت الشركات لأجهزتها الخاصة. في حال تم التنظيم والحوافز، فإن أفضل السيناريوهات يُمكن أن يُؤدي إلى عدم فقدان الوظائف وتعزيز الاقتصاد بنسبة 13% للناتج المحلي الإجمالي.
الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُعزز الأجور
أشار التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُعزز الأجور أيضًا، مع زيادات “ضخمة” تزيد عن 30% في بعض الحالات. ويُمكن أن يُؤدي الذكاء الاصطناعي إلى زيادة الطلب على العمالة ذات المهارات العالية، مما يُؤدي إلى ارتفاع الأجور.
تأثير الذكاء الاصطناعي على المرأة
تُشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عُرضةً من الرجال لفقدان وظائفهن بسبب الذكاء الاصطناعي ، وذلك لعدة أسباب، منها:
تركز النساء في وظائف مُعرضة للأتمتة: تميل النساء إلى العمل في وظائف إدارية وخدمية، وهي وظائف أكثر عُرضةً للأتمتة بواسطة الذكاء الاصطناعي. الفجوة في المهارات: تُعاني النساء من فجوة في المهارات التكنولوجية مقارنةً بالرجال، مما يجعلهن أقل قدرةً على التكيف مع التغيرات في سوق العمل التي يُسببها الذكاء الاصطناعي. التحيز في الخوارزميات: يُمكن أن تُعاني الخوارزميات التي تُستخدم في الذكاء الاصطناعي من التحيز ضد النساء، مما يُؤدي إلى التمييز ضدهن في سوق العمل.الحاجة إلى مُعالجة التحديات
من الضروري مُعالجة التحديات التي يُطرحها الذكاء الاصطناعي على سوق العمل ، لضمان عدم تفاقم عدم المساواة بين الجنسين. ويجب على الحكومات والشركات والمُنظمات العمل معًا لضمان أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم بطريقة عادلة و شاملة.
الذكاء الاصطناعي: فرصة أم تهديد؟
يُمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي فرصةً كبيرة لتحسين سوق العمل وخلق وظائف جديدة. ولكن لتحقيق ذلك، يجب مُعالجة التحديات التي يُطرحها الذكاء الاصطناعي على المساواة و العدالة في سوق العمل. ويجب أن يكون الهدف هو استخدام الذكاء الاصطناعي لخلق مستقبل أفضل للجميع، بغض النظر عن الجنس أو الخلفية الاجتماعية.
0 تعليق