آفة الشرق الأوسط التيار الدينى بكل مسمياته وتنظيماته وتنويعاته المذهبية، ونظام إقليمى مفتت غرق فى صراعات بينية، جعلته أبعد ما يكون عن الاستقرار، حتى يجد طريقة لمكافحة تلك الآفات بدلاً من تعايشه معها.
ما يجرى فى سوريا من أحداث متسارعة أكد بشكل قاطع أن ما يسمى الإسلام السياسى بمثابة خنجر مسموم تم غرزه فى خاصرة شعوب منطقتنا، وأن المهادنة معه لا تجلب إلا استقراراً وهمياً ومؤقتاً إلى حين يقرر الغرب الصهيونى استخدامه لتمزيق أحشاء الشرق الأوسط، وإعادة رسم خرائطه.
صحيح أن المنظومة الإقليمية فى الشرق الأوسط تحارب التنظيمات والجماعات الدينية المسلحة، وعملت على تصنيف أغلبها كجماعات إرهابية، كما هو الحال مع تنظيم الإخوان المسلمين، إلا أنها فى واقع الأمر تقاعست عن نقد وتفكيك الخطاب الدينى، الذى تتبناه هذه الجماعات، وتركت الموروث الفقهى المتشدد على حاله، والذى هو بطبيعة الحال يشكل المصدر الرئيس لأفكار وتصورات التنظيمات الإسلاموية الإرهابية.
ورغم وجود تعدد مذهبى فى بعض مجتمعاتنا الشرق أوسطية، له خلفية تاريخية مليئة بالفتن الطائفية والصراعات الدموية، إلا أن المنظومة الرسمية فى تلك المجتمعات لم تبذل جهداً يذكر لتنمية الوعى لدى شعوبها بأن التنوع المذهبى ثراء للعقيدة، ولا ينبغى أن يكون سبباً للاحتقان والصراع بين أبناء البلد الواحد.
التفسير الممكن والموضوعى لعجز العقل الشرق أوسطى أمام المفاهيم والقيم الموروثة عن الفقه القديم، هو عدم اكتمال وعيه بالدولة المدنية الحديثة، وعدم ترسخ مفهوم المواطنة، رغم وجود الشكل الحديث للدولة فى منطقتنا.
ما زال العقل العربى يحتفى بالخلافة، ويراها حلماً بما حملته من شكل قديم لطبيعة الدولة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وما زال هناك من يعرّف الشعوب كرعايا والحكام كرعاة وولاة أمر، رغم وجود الشكل المؤسساتى الحديث من جهاز تنفيذى وآخر نيابى تشريعى وثالث قضائى، ما يعنى غياب مفهوم المواطنة بما يحمله من قيم للمساواة بين جميع أبناء الوطن باختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم.
كذلك ما زال العقل المسلم محتقناً بفتن قديمة جرت على خلفية صراعات سياسية قسمت الناس مذهبياً بين سنى وشيعى.
كل ذلك القديم العفن لم يتم الاقتراب منه بالنقد أو النقض والتفكيك، وطالما ظل الدين موضوعاً للانتماء وتعريف الهوية لن يكتمل مفهوم المواطنة، الذى يساوى بين الجميع، فأحد مصادر نمو مشاعر التطرف والتشدد تعريف المواطن لنفسه بدينه، وعدم اكتفائه بهويته الوطنية.
بل إن هناك من يحرص على تعريف ذاته بإضافة انتمائه المذهبى كأن يقول: «أنا مصرى أو سعودى أو سورى مسلم، ثم سنى أو شيعى».
عندما نبلغ مرحلة اكتفاء المواطن الشرق أوسطى بهويته الوطنية، ويستقر فى وجدانه أن عقيدته الدينية والمذهبية مسألة شخصية لا تعنى أحداً سواه، حينها فقط سينتهى الإرهاب الدينى ولن يجد الغرب الصهيونى أدوات يحركها لإشعال الحروب فى منطقتنا، وحينها أيضاً يمكن الحديث عن تطور ينقل المجتمعات والنظم إلى مرحلة الدولة المدنية الديمقراطية.
الحرب الدائرة فى سوريا بين الدولة، وعصابات الإرهاب الدينى، كاشفة لجوهر مشكلات الشرق الأوسط وهوامشها المتمثلة فى دعم بعض الأطراف الإقليمية لتلك العصابات، رغم تصنيفها داخل دولها كمنظمات إرهابية.
وإذا لم يتم دعم الدولة السورية فى هذه الحرب لن يقف الأمر عند تقسيم سوريا إلى دويلات ومناطق نفوذ لأطراف إقليمية ودولية، حيث سيحتل الكيان الصهيونى إضافة للجولان أراضى شاسعة سيعتبرها منطقة عازلة لحماية أمنه القومى على غرار ما يسعى إليه فى جنوب لبنان، وكما يدعم، إلى جانب الولايات المتحدة وتركيا، هجمات الإرهابيين، سيعمل على تمكين تلك العصابات من الانتقال إلى باقى دول المنطقة لإشغالها وزعزعة استقرارها ليتفرغ لتنفيذ باقى مخططه لضم كامل أراضى الضفة الغربية، وقد يعمل على نقل تلك العصابات فى اتجاه كل من الأردن ومصر لتعاونه فى تنفيذ هدفه الاستراتيجى المتمثل بتهجير الفلسطينيين، مع تحريك الخلايا النائمة لتنظيم الإخوان الإرهابى فى كلتا الدولتين.
وبعد إشغال مصر قد يعود التركى لسيرته الأولى ويرسل فائض عصابات الجولانى ومكونات هيئة تحرير الشام من العناصر الإرهابية إلى ليبيا مرة أخرى، خاصة بعد انتشار تقارير صحفية تتحدث عن دعم مالى ضخم قدمته حكومة عبدالحميد الدبيبة فى طرابلس لعصابات الإرهاب الدينى المدعومة من قبل رجب طيب أردوغان.
للتذكرة، تنظيم داعش الذى دعمه الكيان الصهيونى قبل 10 سنوات فى سوريا والعراق جرى نقله إلى سيناء بدعم من الكيان الصهيونى، فيما عُرِف بتنظيم ولاية سيناء، لذلك يمثل انتصار الجيش العربى السورى فى هذه الحرب حماية للأمن القومى بكل دول المنطقة، بل ودفاعاً عن أمننا الشخصى كمواطنين.
0 تعليق