أقيمت حلقة نقاشية ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي في دروته الـ24، وتكونت الحلقة من محورين الأول بعنوان "مفهوم المخرج المسرحي لقراءة النص" قدمها كل من د.نعمان كدوه من المملكة العربية السعودية، وأ. نورة قريشي الأدريسي من المملكة المغربية، وعبد الكريم بن علي بن جواد من سلطنة عمان، أما المحور الثاني فحمل عنوان " أثر مسرح غروتوفسكي على العروض المشاركة بالمهرجانات النوعية في الكويت" وقدمها د.مدحت الكاشف من جمهورية مصر العربية، ود.سامي الجمعان من المملكة العربية السعودية، وأدار الحلقتين د.نورية الرومي.
في المحور الأول من الحلقة النقاشية استعرض د.كدوه في ورقته مفهوم قراءة المخرج للنصّ من منظور تقاطع إنتاج إبداعٍ فنّي موازٍ للنصّ المسرحي أو المُمَسْرح مع غايات (فكرية، أو وجدانية، أو رؤيوية فنيّة)، تتوسّط تلقي الإبداع - المتمثّل في العرض - جماهيريًّا أو نقديًّا. وقال د.كدوه " ومن الغايات التي ستبسط للنقاش في الحلقة غايات رؤيويةٌ فنية ترتبط بالإبداع التنظيري التأطيري المسرحي، وغايات آيديولوجية فكرية، وغايات وجدانية عاطفية"، موضحا أن جميع هذه الغايات تحدد منظور قراءة المخرج للنص، وتساعده في استشراف الحاجة إلى التعامل مع النص المؤلف ذاتيا أو غيريا أو المترجم أو المعرب أو المعد أو مع التحليل الفني أو الدراماتورغي للنص أو مع تحديد معززات الأساليب والمقومات الفنية للإبداع الموازي الذي يشتغل عليه بما يحقق البواعث الغائية المنطلق منها في القراءة والتي تكفل للمتلقى أو الناقد معايشة تجربة إبداعية فنية ناضجه ماتعه جديرة بالمشاهد وحفز النقاش.
أما في مداخلة بن جواد فقد قدم ورقة بعنوان " خمس خطوات لمفهوم المخرج المسرحي لقراءة النص"، وقال في المقدمة " قراءة النص من قبل المخرج قد تأخذ مسارات مختلفة بل ويمكن القول متباينة فلكل مخرج رؤيته وطريقته، ومن الصعوبة بمكان أ، نجمل منهجية ثابتة أو آليات ممارسة محددة فالمخرج المسرحي هو في الدرجة الأولى فنان مبدع، والفن في كل الأحوال مادة الإلهامية عصية على التوصيف والتقنين والقولبة".
وقال بن جواد إن مغامرة المخرج الأولى من وجهة نظره تكمن في قراءة النص قراءة واعية دقيقة متعددة تمكنه من استيعاب أبعاده وسبر أغواره والتسلل إلى إستشرافاته ومآلاته، تبدأ بما يعرف بالقراءة الاستكشافية ثم القراءة التأملية، القراءة الوصفية، القراءة التفصيلية، وفي الخطوة التالية بعد القراءات المتعددة لا بد للمخرج أن يحسم وجود، أو عدم وجود، البناء التوافقي بينه وبين النص على المستوى الفكري والمزاجي أي الجمالي قبل أن يصبح متبنيا له منغمسًا فيه.
وتابع، في يقيني لن يصل إلى ذلك إلا بعد عصف ذهني متعدد المراحل: عصف ذهني مع الذات، عصف ذهني مع الكاتب أو المؤلف إن وجد، عصف ذهني مع مجموعة العمل من مؤدين وفنيين، عصف ذهني مع الموثوقين من الأصدقاء النقاد والمثقفين. فإذا ما استقر الحال لدى المخرج على إن هذا النص هو المشروع الملهم القادر على شحذ الخيال لديه واستقرار القدرات الإبداعية الكامنة فيه، هنا تبدأ المرحلة الثانية من قراءة النص. والقراءة الثانية ما يمكن أن نسميها بالقراءة الاحترافية".
وتحدثت الإدريسي عن مفهوم النص المثقوب وهي نظرية للباحثة الفرنسية آن أوبر سفيلد في كتاب " مدرسة المتفرج" والتي تقول أي نص مسرحي مهما بلغ قوته، ومهما بلغت شهرة كاتبه فهو نص غير مكتمل، وعلى المخرج أن يكمل فراغته، لافته أن المخرج لا يكمل فراغته إلا بالنصات إلى بقية الفريق الفني ومنهم الممثلين، وكل من يساهم في هذا العرض. وأضافت الإدريسي " وبعد ذلك لا تكتمل كتابة النص الجديد لأن المخرج يكتب نصا فوق النص القديم، ولا تكتمل كتابة النص الجديد إلا بالتجريب مع الجمهور. وتطرقت الإدريسي على الأربع أسئلة التي ينبغي على كل مخرج أن يفكر فيها، وهي ماذا "أي نص سيختاره"، من " من هم الممثلون الذين سيقدمون هذا العمل"، أين " تعنى الصياغ العام الذي سيقدم فيه العمل"، لمن " تعنى للجمهور"، لافته أنه وبالإجابة على الأربع أسئلة يمكن للمخرج أن يختار النص الملائم لذلك الجمهور. وقالت الأدريسي أنها تكلمت على خيانة النص أن المخرج قد يضطر إلى خيانة النص وإلى كان الجمهور معلومات أخرى تذهب عكس النص الأصلي، وفي هذه الحالة يقوم المخرج بخيانة النص الأصلي إخلاصا للجمهور، لأن إذا حافظ على النص الذي لا يوافق تطلعات الجمهور فهو بذلك يخون الجمهور ويحكم على عرضه بالفشل.
وفي المحور الثاني من الحلقة النقاشية " أثر غروتو فسكي" على العروض المشاركة في المهرجانات النوعية في الكويت" يقول د.مدحت الكاشف في ملخص ورقته البحثية قائلا: جاء مسرح البولندي جروتوفسكي Grotowskiمركزا على الإنسان الفرد في إطار مسرح علاجي ذي طابع اجتماعي، حيث بدأ بالتمييز بين الأساطير المورثة والمستنبتة من الثقافة، وبين واقع الإنسان المعاصر، مستنداً على فكرة مؤداها أن الأساطير والصورة الفنية ظهرتا نتيجة للسعي إلى التوحيد بين البشر، ورأى أنه لابد أن يهاجم المسرح ما يطلق عليه "المشكلات الاجتماعية" التي يعيشها أفراد المجتمع، ومن ثم، قام "جروتوفسكي" بإقامة نوع من المواجهة مع هذه الأساطير (الجماعية) من أجل أن يزيد من وعى المتفرج بشخصيته من ناحية، وبعلاقته مع المجتمع من ناحية أخرى، وقد اهتم بتشجيع المتفرج - المشارك - في نقد هذه النماذج البدائية المتضمنة في الأساطير، من أجل إعادة تقويمها في ضوء خبراته الفردية أو الجماعية، ولذا فقد ركز على تكوين الممثل نفسيا بغرض تحرير القدرات النفسية الكامنة في المتفرجين، وذلك عن طريق عملية "تشتيت" لملكاتهم الفكرية والعقلية، عندما جعل ذهن المشاهد منشغلاً بأسلوب يسمح له باستيعاب العمليات المستترة التي يقوم بها المؤدي، مما أسفر عن عروض مسرحية شديدة الخصوصية يتشارك فيها المتفرجون مع المؤدين، وهي الصيغة المسرحية التي أصبحت منارة اهتدت بها مسارح العالم، ومنها بطبيعة الحال المسارح العربية، التي اهتمت خلال عقود سابقة بالاستفادة من أطروحات جروتوفسكي الفكرية والتقنية، وهو ما تجلى في عروض المسرح الكويتي التجريبية التي انتشرت في المهرجانات النوعية التي شكلت تيارا مهما في المسرح الكويتي.
أما د.سامي الجمعان فقال في ملخص ورقته البحثية: نتساءل دائما عن امتداد أثر النظريات المسرحية على العروض في أنحاء العالم، كنظرية البولندي ييجي ماريان غروتوفسكي، الذي أسس لنظرية في بناء العرض المسرحي شاع أثرها عالميا، ولاشك أن الكويت بمسرحها العريق أحد هذه المسارح المتأثرة بمثل هذه النظرية، يدعم ذلك الأثر وجود المعهد العالي للفنون المسرحية في الساحة الأكاديمية الكويتية، الأمر الذي صنع أجيالا متعلمة، درست النظريات المسرحية بشتى توجهاتها.
وتابع، هنا لابد من سؤال مباشر: حول الأثر الذي تركته هذه النظرية في العروض المسرحية الكويتية؟ وما هو انعكاس هذه الأثر على العروض الذي يقدمها مسرحيو الكويت في المهرجانات النوعية خاصة، على اعتبار أن هذه النظريات يلزمها مسرح من نوع خاص قائم على الوعي بالنظرية وفلسفتها.
واختتم بالقول، ما يمكن الوثوق فيه مبدئيا ـ وفقا للمعطيات السابقة ـ أن هذه النظرية وجدت لها صدى في عروض المسرح الكويتي خاصة الشبابية منها، مع اختلاف الوعي بالنظرية من مخرج إلى آخر، ومع تباين كيفيات التنفيذ، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في مهرجانين: مهرجان الكويت المسرحي، والمهرجان الأكاديمي، وهو ما ستسعى هذه الورقة إلى طرحه منهجيا.
0 تعليق