«الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، بهذه العبارة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال افتتاح الحوار الوطنى، تتجلى رؤية مصر نحو بناء مجتمع ديمقراطى يعترف بقيمة التعددية ويقوم على التفاعل بين كافة الأطياف دون تمييز، فلم يعد ملف حقوق الإنسان فى مصر مقتصراً على استجابة لنداءات دولية، بل أصبح جزءاً من رؤية وطنية تسعى من خلالها الدولة لترسيخ الحريات، وحماية الحقوق، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026، دخلت مصر مرحلة جديدة تتجاوز الخطاب إلى تنفيذ خطوات عملية فى بناء مجتمع قائم على احترام الإنسان وتطوير البنية الحقوقية.
إلغاء حالة الطوارئ قرار تاريخى أنهى عقوداً من الإجراءات الاستثنائية وعبّر عن ثقة الدولة فى تحقيق الاستقرارمصر تخطو نحو الديمقراطية مع إطلاق الحوار الوطنى
وفى أكتوبر 2021، أعلن الرئيس السيسى إلغاء حالة الطوارئ فى مصر، وهو قرار تاريخى لم ينهِ فقط عقوداً من الإجراءات الاستثنائية، بل جاء تعبيراً عن ثقة الدولة المتزايدة فى قدرتها على تحقيق الاستقرار والأمن من خلال القانون والنظام العام، دون الحاجة إلى استثناءات، وكان لهذه الخطوة دلالة رمزية على رغبة مصر فى تبنى نهج جديد يقوم على احترام الحريات العامة، وإعطاء المواطنين مساحة كاملة للتعبير عن آرائهم وممارسة حقوقهم بحرية ضمن الإطار القانونى.
وأكد الرئيس السيسى أن هذا القرار هو نتيجة تعاون جماعى بين الدولة والمجتمع، إذ يعكس تحولاً فى فلسفة الحكم نحو ترسيخ الحقوق كجزء من الأمن القومى، بما يعزز من مكانة مصر دولياً ويفتح أمامها آفاقاً جديدة للتعاون مع المنظمات الحقوقية.
وفى إطار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تقدم الدولة المصرية نموذجاً جديداً يهدف إلى بناء مجتمع متكامل وداعم للحقوق، وتم إعداد هذه الاستراتيجية بتعاون بين جهات حكومية ومنظمات مجتمع مدنى وشخصيات مستقلة، ما يعكس رغبة جادة فى إشراك الجميع فى هذا المشروع الوطنى.
دعم الشفافية أداة لضمان حوكمة رشيدة«حياة كريمة» تحسّن مستوى المعيشة فى المجتمعات الريفية
وترتكز الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية: الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حماية الفئات الأكثر احتياجاً، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فيما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، تهدف الاستراتيجية إلى تطوير البنية التشريعية بما يضمن حماية الحقوق الأساسية للمواطنين، مثل حرية التعبير والإعلام والحق فى التجمع السلمى، كما تؤكد دور القضاء كركيزة أساسية فى حماية حقوق الإنسان من خلال إجراءات تضمن نزاهة المحاكمات واستقلالية القضاء، إضافةً إلى ذلك، وضعت الاستراتيجية هدفاً لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد كأدوات تضمن حوكمة رشيدة ترتكز على احترام حقوق الأفراد وكرامتهم.
ولم تقتصر رؤية مصر لحقوق الإنسان على الحقوق السياسية فقط، بل امتدت لتشمل تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بما فى ذلك حقوق العمال وتحسين أوضاع الفئات الهشة، وأطلقت الدولة عدداً من المبادرات لتحسين مستوى معيشة المواطنين، مثل مبادرة «حياة كريمة» التى تهدف إلى توفير حياة لائقة فى المجتمعات الريفية وتعزيز حقوقهم فى الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة.
على صعيد التشريعات، يسعى البرلمان المصرى حالياً إلى الانتهاء من صياغة المواد القانونية لإقرار قانون العمل الجديد الذى يعزز حماية حقوق العمال، خاصة العمالة غير المنتظمة، لضمان الحقوق الأساسية لهم فى بيئة عمل آمنة ولائقة.
يأتى هذا القانون استجابةً لتحديات اقتصادية واجتماعية، ما يعكس سعى كافة جهات الدولة المصرية للاهتمام بحقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية، لتصبح مصر فى طليعة الدول التى تعمل على تطوير بنيتها القانونية بما يتوافق مع المعايير الدولية.
وفى إطار سعى مصر إلى تحسين أوضاع السجناء وإعادة تأهيلهم، تم إنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل الحديثة، مثل مركز وادى النطرون، التى صُممت وفقاً لأعلى المعايير الدولية.
وتمثل هذه المراكز تحولاً جذرياً فى «فلسفة العقاب» بمصر، حيث لم يعد الهدف منها فقط معاقبة المخالفين للقانون، بل أصبح التوجه نحو توفير بيئة إصلاحية تتيح للنزلاء فرصة التعليم والتدريب المهنى، ما يساعدهم على الاندماج فى المجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة.
تعزيز دور المجتمع المدنى فى دعم منظومة حقوق الإنسان وتعزيز الحريات
بذلك، تصبح العقوبة ليست نهاية الطريق بل بداية فرصة جديدة، إذ توفر هذه المراكز دعماً شاملاً للنزلاء يعزز من قدرتهم على بدء حياة جديدة بعد الإفراج.أدركت الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى أهمية المجتمع المدنى فى دعم منظومة حقوق الإنسان وتعزيز الحريات، حيث أُعلن عام 2022 عاماً للمجتمع المدنى، ويعد هذا التوجه اعترافاً من الدولة بالدور المحورى الذى تلعبه منظمات المجتمع المدنى فى ترسيخ الحريات ومتابعة التقدم فى ملف حقوق الإنسان.
مصر تعزز التعاون الدولى فى مجال حقوق الإنسان
تعمل هذه المنظمات بالتعاون مع الحكومة على تنفيذ برامج تهدف إلى تحسين ظروف الفئات الأكثر ضعفاً فى المجتمع، وتقديم المشورة بشأن السياسات الحقوقية، حيث تضمن هذه الشراكة بيئة حقوقية ديناميكية تتيح للمجتمع المدنى لعب دور رقابى والمشاركة فى صياغة القرارات والسياسات، كما أتاحت الدولة مساحة أكبر لهذه المنظمات للمشاركة فى الحوار الوطنى وتقديم مقترحاتها حول تطوير السياسات العامة، بما يسهم فى تعزيز الحقوق والحريات بفعالية وشمولية.
البرلمان يسعى لإقرار قانون العمل الجديد لحماية حقوق العمال
لم تقتصر جهود مصر فى مجال حقوق الإنسان على النطاق المحلى فحسب، بل امتدت إلى تعزيز التعاون الدولى، حيث شاركت مصر بفاعلية فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتعاملت مع مختلف الآليات الدولية لتعزيز الشفافية والالتزام بالمعايير العالمية، كما تسعى مصر إلى تطوير التعاون مع المنظمات الدولية لتعزيز دورها كدولة مؤثرة فى مجال حقوق الإنسان على الساحة الدولية، وطرحت العديد من المبادرات لمواجهة التحديات العالمية، مثل مكافحة العنصرية والتطرف، ما يعكس رغبة الدولة فى الإسهام فى تطوير الآليات الدولية لحماية الحقوق.
بدورها، قالت السفيرة مشيرة خطاب، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الدولة المصرية حققت تقدماً محرزاً فى ملف حقوق الإنسان، إلا أن أمامنا الكثير يتعين علينا القيام به، مؤكدة أن إصدار «دستور 2014» يعد الإنجاز الأكبر الذى حققته مصر فى هذا المجال، وحجر الزاوية لحقوق الإنسان فى مصر، والقادم أفضل.
«خطاب»: الدولة المصرية أحرزت تقدماً فى ملف حقوق الإنسان.. والرئيس لديه رؤية شاملة
وأضافت رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى تصريحات لـ«الوطن»، أن الحوار الوطنى يعكس رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى عبر عنها أثناء إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، كما أن الرئيس لديه رؤية شاملة، ودائماً ما يعبر عن أفكاره، كقوله «استقرار الأوطان يأتى من رضا الشعوب»، حيث إن الرضا يتحقق عندما يجد المواطن مساحة يعبر فيها عن رأيه، ويشعر بأن رأيه مسموع ومحل تقدير، حتى وإن لم يُنفذ بالكامل، فإن الاستماع فقط يعزز حالة الرضا، وفى حالة إذا تمت الاستجابة لمطالب المواطن، فإن هذا يزيد من مستويات الرضا بدرجة أكبر.
وأوضحت: أننا لا نتحرك بناءً على ضغوط دولية، حيث إن الدافع الأساسى لنا هو الشعب المصرى، فهو الذى يستحق التمتع بأعلى مستوى ممكن من جميع الحقوق التى يكفلها له الدستور والقانون، ويمارس حقوقه دون تمييز، لأن حقوق الإنسان تركز على الفئات الأكثر ضعفاً، ومن هنا تأتى أهمية مبادرة «حياة كريمة»، حيث إنها تستهدف الفئات الأكثر احتياجاً، وتركز على «الجذور».
0 تعليق