د. يوسف الحسني: التعامل الراقي في بيئة العمل وقود محفّز للإنتاجية والإبداع
إن الانطباع الأول الذي نتركه لدى الآخرين يتشكل من خلال مظهرنا الخارجي، وكيفية استقبالنا لهم، وحديثنا معهم واختيار الكلمات التي تتناسب مع مقام كل فرد في المجتمع، والإتيكيت كما يوضح الدكتور يوسف الحسني خبير الإتيكيت والبروتوكول الدولي بأن الإتيكيت هو السلوك الراقي الذي يضمن علاقات أفضل في الحياة الاجتماعية والعملية، وبالتحديد في الحياة العملية، حيث يصبح الأمر ملزما للجميع لما فيه المصلحة العامة للأفراد والمنظمات، مضيفًا أن أهمية الإتيكيت في الحياة اليومية والأخلاق الحميدة هي ضرورة واجبة وليست رفاهية.
الإتيكيت في بيئة العمل
الإتيكيت لا يقتصر على الحياة اليومية فحسب، بل يمتد أهميته ليشمل بيئة العمل أيضًا، وفي هذا السياق، تحدث د. يوسف عن أهمية الإتيكيت في العمل، حيث أكد أن بيئة العمل تشكل مجموعة من القواعد والأعراف الاجتماعية التي تحكم سلوك الأفراد وتفاعلاتهم مع بعضهم البعض، وهذه القواعد تؤثر بشكل كبير على جو العمل، وكذلك على الإنتاجية والعلاقات بين الزملاء. وأضاف أن التعامل الراقي في بيئة العمل يعد بمثابة الوقود المحفز للاستمرارية والإبداع، وذلك لأن البشر يتأثرون بمشاعرهم ونفسياتهم التي ترتبط بالسيكولوجية الأخلاقية.
على سبيل المثال، من أصول إتيكيت التعامل في بيئة العمل أنه من الأفضل للموظف أن يتجنب إلغاء الآخرين أو محاولة جذب الأنظار من قبل المسؤولين بهدف الهيمنة على القسم، حيث إن هذا التصرف يمكن أن يخلق نوعًا من الاستفزاز والغيرة المهنية، مما يؤدي إلى تصادمات وشحناء بين الزملاء. بدلًا من ذلك، يُفضّل أن يُظهر الموظف احترامًا لزملائه من خلال الاستماع إليهم والتعلم منهم بكل ذوق وأدب، مع التأكيد على أنهم جزء من المنظومة التي تساهم في النجاح الجماعي، وليسوا ضدًا له، كما أن إطلاق الأحكام المسبقة على الزملاء أو المديرين بناءً على آراء غير دقيقة هو أمر غير مقبول، كما ينبغي العمل بروح النية الحسنة، والتحقق من صفات الأشخاص الذين نتعامل معهم بأنفسنا.
من الجوانب المهمة الأخرى لإتيكيت العمل هو احترام الخصوصية بين الجنسين، خصوصًا في الثقافات العربية والإسلامية، حيث توجد حدود معينة للمسافات بين الأفراد أثناء الحديث، ويُفضل عدم التطرق إلى مواضيع تتجاوز حدود الزمالة، مثل جمال الملابس أو العطور؛ لأنها تُعتبر مسائل شخصية، أما ما يمكن التطرق إليه في بيئة العمل فهو الإبداع في الأداء المهني والنجاح في المهام.
إضافة إلى ذلك، تُعد اللباقة في الحديث والاستماع الفعّال من أهم قواعد التعامل بين الزملاء، وكذلك الالتزام بالمواعيد والاجتماعات، وإنجاز المهام الوظيفية المطلوبة في الوقت المحدد. وأخيرًا، يجب تقدير العمل الجماعي والاعتذار عند حدوث خطأ، مما يساهم في خلق بيئة عمل صحية ومثمرة.
الإيجابيات
من إيجابيات تطبيق الإتيكيت في بيئة العمل أنه يسهم بشكل كبير في بناء علاقات قوية وطيبة بين الزملاء، حيث يشعر الموظفون بأنهم محترمون ومقدرون من قبل زملائهم ومسؤوليهم، وهذا الشعور يعزز التعاون والعمل الجماعي بشكل أفضل، ويحفز الجميع على التفاعل الإيجابي، كما يساهم الإتيكيت في تعزيز التواصل الفعّال بين الموظفين، حيث يتم الحديث بينهم بأسلوب مهذب ولائق، مما يقلل من الصراعات والشحناء ويخلق بيئة عمل أكثر هدوءًا وانسجامًا.
بالإضافة إلى ذلك، يسهم الإتيكيت في زيادة الإنتاجية، حيث يشعر الموظف بالراحة والأمان في بيئة عمله، مما ينعكس إيجابيًا على أدائه، وتعتبر المؤسسة التي تعتمد على أساليب الإتيكيت نموذجًا يحتذى به؛ إذ تنقل صورة حسنة وسمعة طيبة عنها، مما يعزز ثقة الموظفين والمستفيدين على حد سواء، ومن الطبيعي أن يتحدث الأفراد عن تجاربهم في التعامل مع المؤسسات، وبالتالي تتشكل الصورة الذهنية عن المؤسسة في أوساط المجتمع بناءً على أسلوبها في التعامل مع موظفيها وشركائها.
تأثير التكنولوجيا
حول سؤال كيف أثرت التكنولوجيا على الإتيكيت المهني والتواصل المباشر بين الموظفين، قال: "أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا في هذا المجال، وقد أثرت بشكل كبير على الإتيكيت المهني من حيث تغيير أساليب الإتيكيت التقليدية، ومن المؤكد أن الإنترنت له ضوابطه الخاصة في مجال الإتيكيت، حيث بدأت مدارس "نت إتيكيت" في عام 1996 بتأسيس قواعد ذوقية على الإنترنت، بدءًا من مراسلات البريد الإلكتروني وكيفية التعامل معها بلطف واحترام، ومن ثم تطورت هذه المدارس لتشمل اختيار الأسماء في الحسابات الإلكترونية الرسمية والشخصية، بالإضافة إلى تحديد مستوى الطرح في شبكات التواصل الاجتماعي والصور والفيديوهات المستخدمة، مما جعل العالم بمثابة برلمان مفتوح للجميع، وهنا تكمن أهمية الإتيكيت في كيفية تعامل المرسل والمستقبل مع المعلومات، وطريقة نقلها بشكل لائق، وبالتالي، يمكننا القول أن التكنولوجيا تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الإتيكيت، حيث أصبح من الضروري اتباع قواعد ذوقية للتفاعل في هذا الفضاء الرقمي".
غرس الإتيكيت في الأبناء
حول الطريقة الصحيحة لتعليم الأبناء فن الإتيكيت وأساليبه في التعاملات الاجتماعية، أوضح الدكتور أن غرس القيم والأخلاق يبدأ من المنزل والعائلة أولًا، ففي بعض الدول، يتم تعليم الأبناء منذ سن الرابعة بكيفية مناداة الأهل بلقب مثل "عمي" أو "خالي" أو "جدي"، ومن ثم يبدأ تعليمهم آداب الطعام، لتليها المدرسة والإعلام والأصدقاء والمجتمع في نشر ثقافة الأخلاق الحميدة، فعندما يمارس المعلم في المدرسة الإتيكيت في تعامله مع الطلاب، فإنه يزرع في نفوسهم قيمة المحاكاة والاقتداء، كما أن للإعلام بأنواعه دورًا مهمًا في غرس قيم الإتيكيت من خلال تسليط الضوء على أهمية السلوك الحسن، واستعراض نماذج تمثل هذه القيم.
وأضاف الحسني أن العمانيين يتميزون بالسمت والذوق الرفيع، والهدوء، والتسامح، وهو ما يعكس الطبيعة الراقية التي يتحلون بها، ومع ذلك، يجب وضع ضوابط وثقافة عامة تضمن الالتزام بتلك الذوقيات ومواصلة العمل بها؛ لأن الحفاظ على الصدارة في أي مجال يتطلب تعزيز هذه الثقافة والإصرار عليها، وجعلها عدوى إيجابية في بيئة العمل.
التحديات
تواجه أساليب الإتيكيت في الوقت الراهن بعض التحديات، ومن أبرزها كما أشار الحسني، الانفتاح على العالم بشكل قد يكون خاطئًا، سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال السفر إلى الخارج. فيعتقد البعض أن التمسك بالهوية والأخلاق هو نوع من التخلف، بينما الحقيقة أن الانفتاح على العالم يجب أن يتم مع الحفاظ على نشر الأخلاق الإنسانية، فالأخلاق هي ركيزة مشتركة بين جميع البشر، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم.
ومن هنا تأتي أهمية التوعية بضرورة الحفاظ على قيم الإتيكيت والأخلاق في جميع المواقف. يجب على الأفراد أن يدركوا أن الانفتاح على الثقافات الأخرى لا يعني التخلي عن قيمهم الإنسانية، بل يمكن دمجها بأسلوب يعزز الاحترام المتبادل والتفاهم. إن الحرص على تطبيق أسس الإتيكيت في التعاملات اليومية يعكس صورة إيجابية ويعزز العلاقات الإنسانية السليمة، ويؤكد على أن الاحترام المتبادل هو اللغة العالمية التي يفهمها الجميع.
0 تعليق