هذا التجاهل لم يكن مجرد خطأ بسيط؛ بل كان استهانة بمبدأ التعاون الدولي الذي تحرص المملكة دائمًا على ترسيخه من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة الإرهاب والتطرف. المملكة، التي تتصدر دول العالم في محاربة الفكر المتطرف، أثبتت مرة أخرى أنها شريك يعتمد عليه في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي. ولكن عندما تقابل هذه الجهود بعدم اكتراث من طرف آخر، تكون النتيجة كارثية، كما حدث في ماغديبورغ.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف يمكن لدولة مثل ألمانيا، التي عانت في السابق من حوادث مشابهة، أن تتجاهل ثلاثة تحذيرات متتالية من دولة بحجم المملكة؟ هل هو سوء تقدير للمعلومات؟ أم غياب ثقة بمصادر خارجية؟ أم أن البيروقراطية الألمانية عرقلت التعامل الجاد مع هذه التحذيرات؟ إذا كانت الإجابة على أي من هذه الأسئلة بنعم، فإن ذلك يضع المسؤولية الكاملة على عاتق السلطات الألمانية التي تجاهلت إشارات واضحة كان بإمكانها إنقاذ الأرواح وتفادي الكارثة.
إن تجاهل تحذيرات موثوقة مثل تلك التي قدمتها السعودية لا يعكس فقط قصورًا في الكفاءة، بل يكشف عن فجوة عميقة في تقدير أهمية التعاون الأمني الدولي. هذا الحادث كان يمكن تفاديه بسهولة لو تم أخذ التحذيرات السعودية بالجدية المطلوبة. المملكة، التي أثبتت في العديد من المواقف قدرتها على إحباط مخاطر مشابهة، قدمت مرارًا نموذجًا للتعاون الدولي الفعّال، وهو ما يجعل تجاهل هذه التحذيرات غير مبرر.
في عالم اليوم، يصبح التعاون الأمني بين الدول ضرورة ملحة وليس خيارًا، والمملكة، بمواقفها الحازمة ورؤيتها الواضحة، أثبتت أنها شريك موثوق قادر على تقديم معلومات دقيقة تعزز الأمن والاستقرار الدولي. وما حدث في ماغديبورغ يُظهر أن تجاهل مثل هذه التحذيرات لا يقتصر أثره على دولة بعينها، بل يهدد الأمن الإقليمي والعالمي.
وفي الختام، إذا كان هناك درس يجب أن يُستخلص من هذه الحادثة، فهو أن «المفرّط أولى بالخسارة». المملكة قامت بواجبها الكامل في التحذير والتعاون، حتى ثلاث مرات، محذرةً من أكبر عملية إرهابية في ألمانيا في تاريخها الحديث، لكن السلطات الألمانية فضّلت تجاهل هذه التحذيرات، ما أدى إلى عواقب مأساوية تتحمّل مسؤوليتها بالكامل. الحكمة السعودية تبقى دائمًا صوت العقل والتوازن، ومن يتجاهلها يخسر أكثر مما يتصور.
0 تعليق