الأكثرية السورية بحاجة لجبر الخواطر - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف
سقط نظام الأسد بعد عقود من الطغيان، وانقلبت صفحة من صفحات الظلم والقهر التي كانت جزءًا لا يتجزأ من حياة السوريين. ومع ذلك، فإن السقوط لم يكن سوى بداية لجروح جديدة، تنزف اليوم في قلب الأكثرية العربية السنية، التي دفعت أثمانًا باهظة لم تُقدّر حق قدرها، ولا تزال تُهمّش بشكل يثير الغضب والأسى. لقد جاءت تطمينات أحمد الشرع، ممثل السلطة الجديدة، موجهة إلى كل الأطراف ما عدا الأكثرية التي تحمّلت العبء الأكبر في مواجهة النظام. فنأمل أن يُطَمئن الأمهات الثكالى والآباء المكلومين، وأن لا تعيد السلطة الجديدة ارتكاب أخطاء التهميش والإهمال بشكل غير مقصود. لقد التقى الشرع بممثلين عن الأقليات والطوائف، وبذل جهدًا لطمأنة الخارج، لكنه لم يلتفت إلى تلك الأمهات اللواتي خسرن أبناءهن في أقبية التعذيب أو في ساحات التظاهر، ولم يجدن من يُخفف عنهن ولو بكلمة. إن الأكثرية التي تعرّضت للتعذيب في المسالخ البشرية، وشُرّدت في مخيمات البؤس، وطُردت إلى أصقاع الأرض، هي ذاتها التي لم تجد أي اعتراف بآلامها في سوريا الجديدة. ألم يكن من الأولى أن تكون هذه الأكثرية التي تحمّلت كل الظلم، في قلب الاهتمام؟ ألم يكن من الواجب أن يُقدّم لها ضمان بأن مآسي الماضي لن تتكرر؟ أين العدالة الانتقالية التي تُعَدّ حجر الزاوية في بناء أي دولة حديثة بعد الثورة؟ إن بعض اللامبالاة التي تواجه بها السلطة الجديدة الأكثرية تكشف عن أزمة عميقة في فهم مفهوم العدالة. ونحن نعلم مقدار الأزمات والصعوبات التي تعانيها السلطة الجديدة، ولكن هذا ليس مبررًا لعدم القيام حتى بالخطوات الأولى من عملية العدالة الانتقالية. لم نسمع عن لجان تحقيق في المجازر، ولا عن محاكمات تعيد شيئًا من الكرامة لمن فقدوها. لم نرَ خطوات جدية نحو بناء ذاكرة جماعية تحترم التضحيات الهائلة التي قدّمتها هذه الأكثرية. لقد كان من المفجع أن تُهمل رموز الثورة مثل عبد الباسط الساروت وحمزة الخطيب وغيرهم، الذين يمثلون شجاعة السوريين وصمودهم، وكأن دماءهم كانت مجرد تفصيل هامشي في معركة التحرر. العدالة ليست رفاهية يمكن تأجيلها إلى أجل غير مسمى. العدل هو أساس الحكم الراشد، وأي تجاهل لهذه الحقيقة يُهدد بتكرار دورات الظلم والقهر. لا يمكن لسوريا أن تُشفى دون تحقيق العدالة الانتقالية التي تُعيد الحقوق إلى أصحابها وتُرسّخ أسس المصالحة الوطنية. وإذا لم يتم اتخاذ هذه الخطوات، فإن نفس الكوابيس التي ثار الشعب السوري ضدها سوف يعاد إنتاجها. آن الأوان أن تُعطى الأكثرية صوتها ومكانتها في سوريا الجديدة. آن الأوان أن يُقال للمظلومين: لن يتكرر الظلم، ولن نسمح بأن تُعيد الظلمات نفسها على هذه الأرض التي عانت ما يكفي من الدمار والألم.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق