السياسة والمستقبل: عندك بحريّة... يا ريّس؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف
الإمبراطوريات كائنات بشرية تعود إلى ذاكرتها دائماً كلما داهمتها الأزمات، وأحاط بها الخطر. هكذا تتذكر إمبراطوريات البحار القديمة، زمن الأمجاد الغابرة بالعودة إلى المضائق، والبحار المفتوحة، وفي ذهنها تعزيز نفوذ، وقطع سلاسل إمداد، وإعاقة قوى عالمية جديدة عن التمدد على حساب مصالحها. وهذا ما يحدث في عالم اليوم حين تنظر إلى التحركات على المسرح الدولي بين قوى الشرق الطامحة، وقوى الغرب الصامدة.

وعلى ضفاف هذا الصراع المكتوم أحياناً، ترى أن البحر يرفع كفة ويضع أخرى، ويكون له دور كبير في موازين القوى بين المتنافسين. وفي تنافس الشرق والغرب على قيادة العالم والتأثير فيه، يبرز لك البحر كساحة مستقبلية مهمة في هذا الصراع. إن أهمية البحر تكمن في أنه خليط من السياسة والاقتصاد، من الإمدادات العسكريات للجيوش، إلى شريان تجارة عالمي يمثل نحو 80 % من عمليات التجارة العالمية.

وهذا يجعل من البحر شديد الأهمية لأي قوة تريد أن تضع لنفسها مكاناً تحت الشمس، عبر إحكام سيطرتها على الممرات البحرية وجعل العالم تحت نفوذها ورحمتها، فهو رخاء لا حدود له في وقت السلم، وعنصر قوة حيوي في زمن الحرب، وما بينهما البين، ورقة ضغط يحسب لها ألف حساب.

إن المنافس الأهم للإمبراطوريات الغربية هو الصعود المدوي للصين التي أصبحت لاعباً ذا وزن كبير في العالم. ونظراً لتفوقها التكنولوجي المذهل، فقد دقت نواقيس الخطر في العواصم التي تريد أن تحتفظ بمكانتها التي بنتها لعقود، والحفاظ على مصالحها حول العالم.

بيد أن هذا النمو لا يغفل أن البحر سيظل عقدة الصين القوية، فلا تملك التراث البحري العسكري الذي تملكها دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهم سادة بحار منذ قرون. فمن حيث عدد الحروب البحرية، فإن الولايات المتحدة خاضت حروباً بحرية أكثر بكثير مقارنة بالصين، نظراً لدورها التاريخي كقوة عسكرية عالمية منذ القرن الـ18، بينما الصين لديها تاريخ محدود في الحروب البحرية، وكانت مشاركاتها تتركز على الدفاع الإقليمي أو الحروب المحدودة.

لم تشارك الصين في حروب بحرية عالمية كبيرة في القرن العشرين، نظراً لأن تركيز البحرية الصينية منذ منتصف القرن العشرين كان منصبّاً على الدفاع عن السواحل والمياه الإقليمية، رغم توسعها في العقود الأخيرة. وهذا ما يجعل البحر عقدة صينية بامتياز رغم المحاولات المستمرة منذ عقود لزيادة عدة هذا الأسطول البحري وعتاده. لكن العامل البشري هنا يضع بصمته على المشهد، فبينما لدى العسكري الغربي تراثه البحري الخاص، والذي استقاه على مدار قرون من الحروب البحرية، فإننا لا نجد على الضفة الصينية ذلك التراث المساوي.

ولكن لماذا البحر له هذه الأهمية على المشهد العالمي؟ علماء السياسة والإستراتيجية الدولية يركزون على أهمية البحر باعتباره عاملاً حاسماً في تشكيل قوة الدول ونفوذها. منذ كتابات ألبرت ثاير ماهان في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، تُعتبر السيطرة على البحار عنصراً أساسياً لتحقيق القوة الوطنية والتأثير الدولي.

ولعل أهم منظّري الجغرافيا السياسية سبايكمان (Nicholas Spykman): رأى أن المناطق الساحلية (Rimland) التي تتصل بالبحر هي مفتاح القوة العالمية.

نظريات سبايكمان أثّرت بشدة على إستراتيجيات الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة وما بعدها. كان تركيزه على المناطق الساحلية والبحار وراء دعم الولايات المتحدة لتحالفاتها في المحيط الهادئ وأوروبا، وكذلك دورها في حماية الممرات البحرية الدولية.

قال سبايكمان إن البحر هو الوسيلة الأساسية لتحقيق القوة والنفوذ في العلاقات الدولية. وهذا يعني أن سيطرة الدول على البحار والمناطق الساحلية تمنحها التفوق العسكري والاقتصادي، وتتيح لها التأثير على السياسات الدولية والتحكم في التوازنات الجيوسياسية.

وبدون البحر تبدو القوة العظمى القادمة... مقيدة، ومستقبلها مشكوك.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق