الدرعية.. أيقونة المجد السعودية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف
الدرعيَّة: عاصمتنا الأُولى ورمز وحدتنا وعنوان حضارتنا، سجَّلت جدرانها وطرقاتها عبق تاريخنا المجيد منذ ثلاثة قرون، مَن يَزُر الدرعيَّة ويتجوَّل في أروقتها؛ يقف بشموخ واعتزاز على فخامة البناء، وقصص البسالة، ومآثر الصمود. تأسَّست الدرعيَّة على ضفتَي وادي حنيفة عام ٨٥٠هـ - ١٤٤٦م، على يد مانع المريدي، الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، ومنذ تلك اللحظة باتت الدرعيَّة اشبه بالمدينة الدولة، وتطوَّرت وازدهرت حتَّى أصبحت عاصمة الدولة السعوديَّة الأُولَى، وركيزة للحُكم السعوديِّ منذ عام ١١٣٩- ١٧٢٧م.

كانت الدرعية تضاهي الحواضر المجاورة حضارةً وازدهارًا وعمرانًا، فقصورها، ومبانيها، وأسواقها، وأسوارها، كلها تحكي جوانب من جودة الحياة بها، وسمات للتطوُّر والازدهار الذي امتازت به.

ومن الجميل وصف المؤرِّخ الجليل عثمان بن بشر للدرعيَّة وبنائها وأسواقها، حيث قال: «كانت هذه البلدة، وعِظم مبانيها، وقوَّة أهلها، وكثرة رجالها وأموالها، لا يقدر الواصف صفتها، ولا يحيط العارف بمعرفتها، فلو ذهبت أعدَّ رجالها وإقبالهم فيها وإدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العُمانيَّات، وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس، التي لهم مع المسافرين من أهلها، ومن أهل الأقطار، لم يسعه كتاب، ولرأيت العجب العجاب».

وفي ظل اهتمام أئمة الدولة السعوديَّة، أصبح للدرعيَّة مكانة ثقافيَّة وحضاريَّة عميقة، ضاهت بها الحواضر المجاورة، وباتت محطَّ أنظار طلبة العلم، ومركزًا للتنوُّع الثقافيِّ والعرقيِّ، فقد قَدِم إليها، واستوطن بها العديدُ من سكَّان المناطق والأقاليم المجاورة، وذكر ابن بشر ذلك بقوله: «كان الدَّاخل في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاق من اليمن، وتهامة والحجاز وعُمان والبحرين من الشام، ومصر وأناس من حاضرتهم إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممَّن يطول عدُّهم، هذا داخل فيها، وهذا خارج منها، وهذا متوطِّن فيها».

كانت الدرعيَّة منارةً للعلم والثقافة، فكثر فيها العلماء والأدباء، وترتب على ذلك كثرة المكتبات العلميَّة بها التي حوت كنوزًا من المخطوطات، علاوة على ذلك ظهرت فيها مدرسة للخطِّ والنَّسخ، وبرز فيها عدد من النُّسَّاخ والخطَّاطين التي تميَّزت خطوطهم بالجمال وبأسلوب فنِّي خاصٍّ.

الجدير بالذكر أنَّ الدرعيَّة كانت تمثِّل -آنذاك- أيقونةً لجودة الحياة، فالخدمات بشتَّى أنواعها متوفِّرة فيها، والتلال الخضراء تحيط بها؛ لوقوعها على وادي حنيفة الخصيب، ومناخها صحيٌّ ومثاليٌّ للسَّكن، وقد علَّق على ذلك جون لويس رينو، الذي زار الدرعيَّة في عهد الإمام عبدالعزيز بن سعود، وقال: «الدرعيَّة مدينةٌ صغيرةٌ، ولكنَّها جميلةٌ رائعةٌ، مبنيَّةٌ على الطراز العربيِّ، والسُّكنَى فيها صحيَّة جدًّا، وتحيط بالمدينة تلالٌ خضرٌ زمرديَّة من كثرة الزَّرع، وتروى المنطقة كلها من عين صغيرة، ويجد الإنسان في الدرعيَّة أنواعًا مختلفةً من الفاكهة، أكثرها الأعناب والتَّمر».

إنَّ استحضار تاريخ وسمات الدرعيَّة، هو استحضار للعمق التاريخيِّ، والإرث الحضاريِّ المجيد لبلادنا، واستدعاء عظمة وبهاء عاصمتنا الأُولَى يزيد من الولاء والوعيِّ بالجهود الحضاريَّة والسياسيَّة التي بُذلت في سبيل رفعة وشموخ هذا الوطن.

* أستاذ التاريخ السعودي قسم التاريخ والآثار

جامعة الملك عبدالعزيز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق