في بعض الأحيان تكون التقديرات خاطئة، ولكن من المفيد إعادة هيكلة أسلوب التفكير في السياسات بطريقة تسمح للقادة بالتعلم من الأخطاء وكذلك تحقيق النجاحات.
وعند تقدير آثار الجائحة الحالية، يجب على المرء أن يبدأ بالتفكير بعقلانية في مدى تأثير هذا الفيروس. و«كورونا» جديد، ولا يزال العلماء يحاولون فهم طبيعته، ومدى تفشيه. ولا أحد يعرف كم من الوقت سيستمر، أو متى سينتشر مرة أخرى. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت أي من اللقاحات، إن وجدت، ستكون فعّالة، أو كيف سيتم توزيعها على مستوى العالم.
إن مدى، ومدة الاضطرابات الاقتصادية التي يسببها الوباء غير معروفة، لكن الآثار عفي الاقتصاد العالمي قد تطول. ومن المحتمل أن يكون للكساد العميق آثار سياسية كبيرة، لكن أي تقديرات بشأن الانتعاش الاقتصادي معقدة بسبب اعتماد الاقتصادات على فعاليتنا البشرية غير المؤكدة في السيطرة على الفيروس.
ويمكن أن يكون التاريخ دليلاً جيداً، ولكن في الوقت نفسه يمكن أن يكون مضللاً.
وقد أصبحت هنالك مقولة شائعة مفادها أن الأوبئة السابقة كانت بمثابة نقاط تحول في البشرية. ويشير المؤرخون إلى أن جيوش القائد اليوناني بريكليس، أصبحت واهنة بسبب الطاعون، ما أدى إلى خسارتها أمام أسبرطة، في الحرب البيلوبونيسية، وأن جائحة القرن الرابع عشر التي قضت على ما لا يقل عن ثلث سكان أوروبا، ساهمت في نهاية النظام الإقطاعي.
ولكن قبل قرن من الزمان، قتلت الإنفلونزا الإسبانية ما يقدر بنحو 50 مليون شخص، بما في ذلك 600 ألف أمريكي، أي أكثر من ضعف عدد القتلى بسبب الحرب العالمية الأولى. واستمرت الطفرات الفيروسية لهذا الوباء حتى يومنا هذا، لكن معظم المؤرخين ينسبون الفضل للتغييرات الجيوسياسية، مثل صعود الشيوعية، والفاشية، للحروب وما بعدها، بدلاً من الأوبئة.
ومن المحتمل أن تكون الإنفلونزا الإسبانية قد ساهمت في التغييرات الثقافية، مثل انتشار الفلسفة العدمية في عشرينات القرن الماضي، إلا أن الجنود الذين يقاتلون ويموتون في الخنادق الفرنسية ربما يكونون أكثر أهمية. وعلى الرغم من أن الوباء أودى بحياة المزيد من الناس، إلا أن تأثيره طغت عليه آثار الحرب، بما في ذلك التعتيم الحكومي على عدد وفيات الأوبئة في زمن الحرب. لذلك من الضروري التخلص من بعض الأفكار المغلوطة حول الوباء الحالي.
والخرافة الأولى التي يجب تجنبها هي فكرة أن الأوبئة تشكل دائماً نقطة تحول تاريخية. وأحياناً تكون كذلك، وأحياناً لا. ويميل الناس إلى افتراض أن المسببات الكبيرة يجب أن تكون لها تأثيرات كبيرة. وعلى سبيل المثال، يعد فيروس «كوفيد-19» سبباً كبيراً للغاية، لكن هذا لا يكشف عن حجم، أو طبيعة آثاره.
وحتى لو كان للوباء تأثيرات كبيرة محلياً في الولايات المتحدة، فلن تؤدي كل هذه الآثار إلى حدوث تغيير جيوسياسي. وكان لفيروس كورونا بالفعل تأثير عميق في طريقة عيشنا، وعملنا، وتحركنا. ومن المحتمل أن يكون له تأثيرات دائمة في العمالة، وموقع النشاط الاقتصادي، والتعليم، والتصرفات الاجتماعية، كما كشفت الجائحة عن ضعف أنظمتنا الصحية. وفي حال أدت هذه التغييرات الاجتماعية إلى زيادة الاستقطاب السياسي، أو الفوضى، فقد تؤثر فيى السياسة الخارجية، والجغرافيا السياسية للولايات المتحدة، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى إصلاحات سياسية محلية من دون تغيير السياسة الخارجية على الإطلاق.
والخرافة الثانية التي يمكن أن تعرقل التحليل الدقيق هي وجهة النظر التي يتم التعبير عنها كثيراً بأن «كورونا» سيؤدي إلى نهاية عصر العولمة الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. إن العولمة، أو الترابط عبر القارات، ينتج جزئياً عن التغييرات في تكنولوجيا النقل والاتصالات والتي من غير المرجح أن تتوقف. وقد تتغير طرق السفر والتواصل لكنها لن تتوقف. وقد ينخفض الطلب على السفر الجوي، لكن العالم لن يصبح افتراضياً.
والخرافة الثالثة، هي الرأي السائد بأن جائحة «كورونا» تنذر بنهاية الديمقراطية الليبرالية، وصعود هيمنة نموذج سياسي سلطوي قادر على فرض إجراءات صارمة تتعلق بالفحوص، والحجر الصحي، والعزل.
ومن غير الصحيح افتراض أن فيروس كورونا سينهي العولمة، أو يقتل الديمقراطية الليبرالية، أو يعزز القوة الناعمة للصين.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد والرئيس السابق لمجلس المخابرات الوطني (فورين بوليسي)
0 تعليق