الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: السنة النبوية ضرورة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

السنة النبوية ضرورة يقتضيها الدين والعقل، لا من حيث إنها بيان وتفصيل لما أجمل فى القرآن الكريم فقط، ولكن أيضاً من حيث إنها فى مجملها الصورة الحية الواقعية للدين، والتطبيق العملى له فى الحياة.

ومن حيث ضرورة وجود أسوة يتأسى بها الناس ويتمثلونها فى تطبيق هذا الدين، ولولا هذه الأسوة لاختلف الناس فى فهم الدين وتطبيقه اختلافاً شديداً قد يصل إلى القتال والتناحر، ولتوقف آخرون عن تطبيقه بدعوى تعذره أو جهلهم بطرائق تطبيقه!فبيان الرسول الكريم للكتاب الذى جاء به، وجعله واقعاً حياً بين الناس، وتقويمه لأفعال من حوله بناءً على تعاليمه، وأوصافه الخلقية وهيئته التى اتسمت بسمات هذا الوحى، كل هذا هو سنته التى لا بد منها حتى ينتفع الناس بالوحى.

وإذا كان هذا ضرورةً فى كل وحى سماوى، فإنه فى الإسلام أشد ضرورةً وأعظم تأكيداً، لأن الإسلام يتميز بأنه الدين الخاتم لكل العالمين، وهذا يقتضى وجود سنة تبين للناس كيف يطبقون هذا الدين العالمى الخاتم بحسب اختلاف الأحوال والأزمان، ولن يتوافر هذا إلا من خلال التطبيق النبوى الكريم الذى ضمن الله تعالى له العصمة والتطبيق الصحيح الذى يظهر مزية هذا التشريع الصالح للتطبيق مع اختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وهذا يقتضى أيضاً أن تظل هذه السنة باقية ما بقى مخاطبون بهذا الدين، فالسنة إذن ضرورة يقتضيها الدين كما يقتضى أيضاً أن تبقى حية محفوظة، وإلا ما أدرك البشر كيف يجعلون هذا الدين واقعاً معيشاً؟!

وقد يرفض البعض هذا الكلام، ويرى أن القرآن الكريم محفوظ من حيث إنه منقول بتواتر، أى من خلال جمع كبير من الناس عن جمع كبير آخر يستحيل اتفاقهم على الكذب، فى حين أن أغلب السنة منقول عن طريق آحاد أى: أفراد لم يبلغوا حد التواتر، وبالتالى فهى لديهم محل شك وارتياب.

وأصحاب ذلك الرأى لم يدرسوا بدقة طرائق نقل السنة وشروط قبولها وردها، حتى يكون حكمهم بالرفض مبنياً على أساس من العلم صحيح.ثم إن التزامهم بمبدأ الشك بسبب النقل غير المتواتر يلزمهم أن يرفضوا -تبعاً لنفس المبدأ- كل معرفة أو ثقافة أو علم نقله إلينا أفراد من الناس! فيرفضون كل تاريخ نقله إلينا آحاد المؤرخين ولم نقف له على آثار ملموسة! بل عليهم أن يتوقفوا فى قبول الأخبار الحالية التى ينقلها إلينا أفراد قلائل من المراسلين الإخباريين!

وعليهم أن يرفضوا الأحكام القضائية التى يحكم فيها بناءً على شهادة أفراد! ويرفضوا كذلك كل درجة علمية تمنح لباحث؛ لأن مانحها فى الواقع أفراد لا يبلغون عدد أصابع يد واحدة! وأن يتشككوا فى أى تشخيص طبى يقوم به طبيب واحد أو عدد من الأطباء لم يبلغوا حد التواتر!بل على مذهب أولئك يلزم التشكك فى كل الرسالات السماوية والكتب المنزَّلة جميعها، لأنها فى أصلها نقل بشر واحد فقط هو الرسول الذى بلغها!والتفريق بين السنة وبين غيرها فى هذا الأمر تعنت سافر ليس من المنهج العلمى السديد، ولا من التفكير العقلى المتزن، ولا من الإنصاف الخلقى الذى يتمتع به كل ذى خلق كريم.وإذا قال أولئك: إن السنة دين فينبغى أن يتشدد فيها، نقول: نعم هذا صحيح، وقد قام العلماء بذلك فعلاً، ولكنكم لم تقفوا على شىء من جهودهم، فرفضتم السنة رغم اعتمادها على مناهج قويمة لم يدرك طرفاً منها شىء مما قبلتموه من المعارف التى بنيتم على أساسها أحكاماً ودراسات علمية تبلغ مبلغ اليقين أو تكاد، فأساس ذلك الرفض ليس مقبولاً.. لا بمعيار الدين، ولا بمعيار العلم، ولا بمعيار العقل، ولا بمعيار الواقع الإنسانى، ولا بمعيار الخلق الذى يقتضى الإنصاف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق